توطين القوانين الأوروبية يقلق بريطانيا.. ومطالبات بتأخير "غروب الشمس"

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيسة الوزراء البريطانية ليز ترَس تتحدث خلال أول جلسة أسئلة لرئيس الحكومة في مجلس العموم، لندن - 7 سبتمبر 2022. - REUTERS
رئيسة الوزراء البريطانية ليز ترَس تتحدث خلال أول جلسة أسئلة لرئيس الحكومة في مجلس العموم، لندن - 7 سبتمبر 2022. - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

تثير خطة حكومية بريطانية تهدف إلى استبدال القوانين الأوروبية، قلقاً في العديد من القطاعات، خصوصاً مع تجاوز عدد تلك القوانين الـ2500 قانون يتوجب الانتهاء من استبدالها قبل عام، ما قد يضطر المؤسسات إلى وقف العمل بها قبل توفير البديل أو اللجوء إلى تأجيل التطبيق، فضلاً عن مخاوف تتعلق بشأن جودة التشريعات الجديدة مقارنةً بنظيرتها في أوروبا.

وقالت رئيسة وزراء بريطانيا ليز ترَس في المؤتمر السنوي الأخير لحزب المحافظين الحاكم، إن إتمام "بريكست" يستوجب إلغاء القوانين الأوروبية المستخدمة في المملكة المتحدة، كما قدمت الحكومة للبرلمان مشروع قانون يحمل عنوان: "غروب الشمس" ويلزم المؤسسات الرسمية بإبطال القوانين الأوروبية مع نهاية 2023.

وتدرك الحكومة أن بعض اللوائح الأوروبية يصعب توطينها خلال عام. ولذلك اقترحت هامشاً زمنياً أوسع لها، ومنحت المعنيين بها حتى عام 2026 لإنجاز المهمة. لكن المشكلة في أن التشريعات التي تريد لندن وقف العمل بها نهاية 2023، قد يؤثر تعطيلها على العديد من جوانب الحياة والعمل والاقتصاد في بريطانيا.

"غروب الشمس"

المهمة وفقاً لمختصين "ليست سهلة"، خصوصاً أن القوانين الأوروبية التي اعتبرت جزءاً من الدستور البريطاني بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، تطورت على امتداد عقود، ورافقت البريطانيين في مجالات حياتهم وعملهم واقتصادهم وطاقتهم. كما عملت في ظلها المحاكم وشركات المحاماة في المملكة المتحدة لأكثر من أربعين عاماً متتالية. 

مشروع قانون "غروب الشمس" قدم لمجلس العموم في 22 سبتمبر الماضي. مرت القراءة الأولى له في المجلس، لكن حتى الآن لم يحدد موعد القراءة الثانية التي يتوقع أن تشهد سجالاً بين الحكومة والمعارضة. فإبطال القوانين الأوروبية قد يهدد حقوق العمال ومعايير البيئة، وينذر بتردي معايير التجارة وإنتاج السلع والخدمات.

مخاوف عمالية

ويخشى اتحاد نقابات العمال في إنجلترا وويلز، والذي يضم نحو 48 نقابة، من أن يؤدي إبطال اللوائح الأوروبية إلى تقويض حقوق العمال في مجالات عدة مثل أجر الإجازة، وحماية أوقات العمل وبيئته وحقوق إجازة الوالدين، إضافة إلى معايير المساواة في الحقوق والأجور بين الرجال والنساء التي "تشتد إليها الحاجة في البلاد".

الأمين العام للاتحاد فرانسيس أوجرادي، حضّ الحكومة البريطانية على التعهد بعدم المساس بحقوق العمال المضمونة باللوائح الأوروبية اليوم. كما دعاها إلى عدم الاستعجال في إبطال تلك اللوائح، لأن ذلك قد يفتح الباب أمام اجتهاد الوزراء والوزارات لإطلاق تشريعات بديلة أقل كفاءة في الحفاظ على بيئة العمل من المعايير السائدة حالياً.

الحكومة الإسكتلندية أيضاً، أبدت قلقها من تعجل الحكومة البريطانية في إلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي. وفي رسالة وجهتها إلى وزير العمل جاكوب ريس موج، قالت أدنبرة إن الوقت القصير أمام هذه النقلة القانونية الكبيرة، يتيح لحكومة ترَس فرصة إضعاف حقوق العمال في المملكة المتحدة دون رقابة برلمانية كاملة، على حد تعبيرها.

وتنطوي رسالة أدنبرة على اتهام مبطن للحكومة البريطانية بالرغبة في "تحرير" شركات القطاع الخاص من قيود تفرضها قوانين العمل وحقوق العمال المنصوص عليها في اللوائح الأوروبية. ولكن وزير العمل رد بأن الوقت حان لإتمام "بريكست" ودعم الثقافة الفريدة للابتكار في المملكة المتحدة، فلن تبقى القوانين الأوروبية للأبد.

إصلاحات معقدة

مشروع قانون "غروب الشمس" أتاح تمديد الإصلاحات القانونية المعقدة حتى عام 2026. وبحسب رئيس قانون النقابات العمالية في "مؤسسة ثومسون للمحاماةط ريتشارد آرثر، فإن ما يتبقى من تشريعات أوروبية غير معدلة بعد نهاية عام 2023، سيصنف تحت اسم "القانون المدمج"، ويضاف إلى الدستور لتعديله تدريجياً حتى عام 2026.

ويوضح آرثر في مقال نشرته مجلة "جازت" القانونية، أن الحكومة ستلغي قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي لعام 2018 لمنح السيادة للقوانين البريطانية. كما ستلغي مبادئ إنفاذ قوانين الاتحاد الأوروبي السارية حالياً. وبالتالي يمكن القول إن عام 2024 سيكون بمثابة "العام صفر" بالنسبة للحقوق المستمدة من قانون الاتحاد الأوروبي.

وتقول المديرة التنفيذية لمؤسسة (تحديث القوانين) آنا دنتون، إن آليات التشريع والقوانين السيادية واللوائح التنظيمية الكبرى سيتم "تحريرها" من القانون الأوروبي تدريجياً حتى عام 2026، وبالتالي يتوافر أمام المؤسسات المعنية بـ"برطنة" هذه القوانين، الوقت الكافي من أجل دراسة كافة جوانب التغيير والصيفة المثلى للبدائل المحلية.

وبرأي دنتون، يرتبط سوق العمل وحقوق العمال بالقوانين الأوروبية التي استخدمت لأكثر من 4 عقود في المملكة المتحدة بينما كانت عضواً في الاتحاد الأوروبي. لذا فإن توطين هذه القوانين الآن يحتاج إلى أكثر من عام لضمان منافستها لما كان سائداً، وكذلك لتجنيب القضاء أية إشكالات تتعلق بالقضايا المستندة على القوانين الأوروبية. 

وتوضح دنتون، أن ما تم إنجازه على صعيد العمل في المملكة المتحدة من حقوق العمال والتنافسية في بيئة الوظائف، يمكن أن يذهب في مهب الريح إن استعجلت الحكومة في إلغاء القوانين الأوروبية. كما يمكن أن يفجر مشكلات كبيرة بين النقابات العمالية والحكومة إذا ما اضطهدت القوانين الجديدة العامل وبيئة العمل وتنافسية السوق. 

وتبين المديرة التنفيذية لمؤسسة (تحديث القوانين) أن القضاء البريطاني قد يتعرض لتعثر حقيقي في حسم القضايا المستندة على قوانين الاتحاد الأوروبي. سواء إن فشلت الحكومة في الوصول إلى قوانين بديلة يلجأ إليها القضاة والمحامون، أو أنها جاءت بقوانين مختلفة في معاييرها أو أقل تنافسية من القوانين الأوروبية السائدة حالياً.  

"قانون كل يوم"

ويستحوذ قطاعا الزراعة والبيئة على الحصة الأكبر من القوانين الأوروبية، بنحو 570 مادة تنظيمية. وبلغة الأرقام، فإن المشرعين العاملين لصالح الوزارات المعنية سيتوجب عليهم توطين قانون واحد كل يوم على مدار عام بأكمله، وبالتالي لن يتمكنوا من أخذ عطلة أسبوعية، ولن يتوقفوا عن العمل خلال الأعياد الرسمية.  

تقول وزارة الزراعة إنها ستتعامل مع الأولويات في تغيير القوانين الأوروبية. ولكن الجمعيات المختصة تخشى أن تحمل التشريعات المحلية تأثيرات سلبية على ما تحقق من إنجازات في تطوير الزراعة والصناعات الغذائية المرتبطة بها، والتي ازدهرت خلال الأعوام الماضية نتيجة للتشريعات في قطاعي الزراعة والبيئة. 

وشكلت 3 منظمات بيئية كبرى هي، "ناشونال تراست" و"وايلدفير تراست" و"أر أس بي بي"، تحالفاً ضد خطط حكومة المحافظين الجديدة لتغيير القوانين الأوروبية في مجالات البيئة. وخاصة تلك المتعلقة بحماية الطبيعة، وضرورة مواءمة التخطيط للمعايير البيئية في مناطق الاستثمار الجديدة، إضافة إلى تشريعات الإعانات الزراعية البيئية.

وفي بيان رسمي، هددت المنظمات الثلاث بالنزول إلى الشارع والتظاهر عبر أكثر من 8 ملايين عضو بين صفوفها مجتمعة. كما نددت بما وصفته بـ "الانعطافة الكاملة" للحزب الحاكم في مجال البيئة. منوهة إلى أن خطط الحكومة قد تخلق مناطق خالية من الطبيعة أو الطابع التاريخي، ولا رأي للناس في أدوات التنمية التي تحتاجها. 

مديرة الصندوق الوطني لحماية الطبيعة هيلاري ماكجرادي، قالت لهيئة الإذاعة البريطانية إن 38 مجلساً محلياً في عموم المملكة المتحدة يتحدثون إلى الحكومة من أجل توسيع رقعة المناطق الاستثمارية، وفتح مساحات خضراء أمام التجارة والإسكان. وهو ما يشكل خطراً على البيئة، وخاصة إذا تبدلت القوانين الأوروبية السارية حالياً.  

تأثيرات اقتصادية

ثمة جانب آخر مقلق في مشروع توطين القوانين الأوروبية، يتعلق بخطة تعزيز إنتاج الطاقة بعد الحرب الأوكرانية وما تبعها من إشكاليات في القطاع. وفي هذا السياق، يقول المحلل الاقتصادي نهاد إسماعيل لـ"الشرق"، إن الحكومة البريطانية لن تتمسك كثيراً بالمعايير البيئية الأوروبية في مشاريع توسعة إنتاج الطاقة بكل أشكالها.

ويشير إسماعيل إلى أن تجاهل بعض المعايير البيئية قد يخلق خلافاً بين الحكومة وجمعيات البيئة، ولكنه سيعيد التوزان لمعادلة العرض والطلب في سوق الطاقة المحلية. كما نوه إلى أن "برطنة" القوانين في قطاعات أخرى قد تحمل خلافات مشابهة بين الحكومة والنقابات المختصة، ولكن يصعب التكهن بتأثيرها الاقتصادي قبل سنها. 

ويوضح إسماعيل أن الصدمة الكبيرة للاقتصاد البريطاني في "بريكست" مرت خلال العام الأول بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. علماً أن التبادل التجاري بين المملكة المتحدة والتكتل، تراجع بمقدار الثلث. أما تعديل القوانين الأوروبية وتوطينها فلن يضاعف هذه الخسارة، ولن يوصل الاقتصاد البريطاني إلى مراحل سيئة، وفقاً لرأي اسماعيل. 

وحذرت مؤسسات اقتصادية تنظيمية الحكومة من التعجل في تغيير القوانين الأوروبية. وفي السياق، قالت هيئة غرف التجارة إن عملية توطين القوانين ستزيد من كلفة الإنتاج على الشركات الصغيرة. في حين أوضحت هيئة الخدمات المالية أن خطط الحكومة لإلغاء التشريعات الأوروبية قبل 2024 يهدد تنافسية لندن في التجارة الدولية.  

ولا ينتهي الأمر هنا، إذ لفت معهد "تشارترد" للصحة والسلامة، إلى أن إلغاء القوانين الأوروبية سيتبعه إلغاء رسائل تحذير وتنبيه يلتزم المصنعون اليوم بإظهارها على منتجاتهم لحماية صحة المستهلك البريطاني. ومع تجاهل هذه الرسائل سيقوم الاتحاد الأوروبي حتماً بتقليص وصول المنتجات البريطانية إلى التكتل، وفقاً للمعهد.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات