"زعيم الشعب".. شي يثير مخاوف من استحضار "شخصية ماو"

time reading iconدقائق القراءة - 11
رسمان للزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج والرئيس الصيني شي جين بينج في بكين - 19 سبتمبر 2017 - AFP
رسمان للزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج والرئيس الصيني شي جين بينج في بكين - 19 سبتمبر 2017 - AFP
دبي-الشرق

جمع الرئيس الصيني شي جين بينج ألقاباً كثيرة، بحيث سُمّي "رئيس كل شيء". لكن لقباً يكتسب زخماً لدى نخب الحزب الشيوعي الحاكم، يثير مخاوف من استحضار "عبادة شخصية" ماو تسي تونج، كما أفادت "بلومبرغ".

تُعتبر كلمة "لينجشيو" Lingxiu، أو "الزعيم"، لقب توقير خُصّص سابقاً لماو، مؤسّس "جمهورية الصين الشعبية"، الذي كان يُشار إليه باسم "القائد العظيم" لدى بدء الثورة الثقافية في عام 1966.

أسبغ مسؤولون حزبيون ووسائل إعلام هذا اللقب أحياناً على شي جين بينج في السنوات الماضية، في شكل renmin lingxiu، أو "زعيم الشعب"، لكن هذا الأسبوع شهد استخدام مزيد من الكوادر هذا المصطلح، بما في ذلك عضوان في المكتب السياسي.

وقال رئيس الحزب الشيوعي في بكين، تساي تشي، وهو حليف مقرّب من شي، إن العقد الماضي أثبت أن الرئيس الصيني هو "زعيم الشعب الذي يحظى بحبّ صادق منا". كذلك استخدم النائب البارز وانج تشن هذه العبارة لتمجيد شي.

وقال تيان بيان، نائب رئيس مكتب أبحاث السياسات في اللجنة المركزية بالحزب، على هامش مؤتمره: "الأمين العام شي جين بينج هو الشخصية البارزة في عصرنا العظيم، زعيم الشعب الذي يتطلّع إليه جميع الناس"، علماً أن شي سينال ولاية ثالثة تاريخية في ختام المؤتمر.

"لا نحتاج إلى ماو آخر"

هذه الإشارات هي أحدث مؤشر على استعداد شي لتعزيز مزيد من السلطة غير الرسمية داخل الحزب، علماً أنه مُنح أسماء أخرى، مثل "جوهر" الحزب. في الوقت ذاته، يجازف ذلك بإثارة ردّ فعل عنيف لدى الذين يعتبرون أن شي يكتسب كثيراً من القوة، في حزب تبنّى القيادة الجماعية بعد انتهاء الحكم المضطرب لماو بوفاته عام 1976.

وتعهّدت اللجنة المركزية للحزب العام الماضي بأن الحفاظ على القيادة الحالية "لا ينطوي بأيّ حال على خلق أيّ نوع من عبادة الشخصية، وهذا أمر عارضه الحزب الشيوعي الصيني بحزم".

تجلّت هذه المخاوف في لافتة رفعها متظاهر في بكين الأسبوع الماضي على جسر، كُتب عليها: "نريد إصلاحاً، لا ثورة ثقافية. نريد تصويتاً، لا أن يكون لدينا زعيم".

إحياء لقب "زعيم" كان محفوفاً بالأخطار، نتيجة "استياء من ماوية شي جين بينج"، كما قال بيري لينك، وهو أستاذ في جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد، ساهم في تحرير كتاب "أوراق تيانانمين"، الذي ضمّ وثائق سرية بشأن القمع العسكري للتظاهرات الطالبية المؤيّدة للديمقراطية في بكين عام 1989.

كما أن عناصر في سياسة "صفر كوفيد" التي ينتهجها شي لكبح فيروس كورونا، استحضرت مقارنات مع الثورة الثقافية، وتتمثل في عقد من الفوضى السياسية والاجتماعية، مدفوعة برغبة ماو في السيطرة الكاملة على البلاد، بحسب "بلومبرغ".

وقال لينك: "يشير احتجاج بكين إلى أن الناس يعتقدون بأن شي يحاول أن يكون ماو. وهم يقولون: لا نحتاج إلى ماو آخر".

"جوهر الحزب"

أُشير إلى شي بشكل متقطّع باسم "زعيم الشعب" على مرّ السنين. ففي آخر مؤتمر للحزب عام 2017، وصفته وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية (شينخوا) في فيلم وثائقي، بأنه "جوهر الحزب" و"قائد الجيش" و"زعيم الشعب".

وقال نيل توماس، محلّل الشؤون الصينية في مجموعة "أوراسيا" الاستشارية، إن "زعيم الناس" مهم، مستدركاً أن ذلك لا يُقارن بمساعي شي لعرقلة معايير الخلافة وإزالة القيود على فترات حكمه. وأضاف: "هذا هو التغيير المهم حقاً".

مع ذلك، يُظهر التاريخ الصيني أن تبنّي مثل هذه الألقاب العظيمة لا يخلو من أخطار. فلدى بدء الثورة الثقافية، بدأ عدد ضئيل من كوادر الحزب، بينهم لين بياو، الخليفة المعيّن لماو آنذاك، بتسمية ماو "المعلّم العظيم، الزعيم العظيم، القائد العظيم وقائد الدفة العظيم". وتبنّت صحيفة "الشعب" الناطقة باسم الحزب الشيوعي هذه التسميات رسمياً، وبدأت تنتشر في البلاد.

بعد وفاة ماو، مُنح خليفته هوا جوفينج لقب yingming lingxiu، أو "القائد الحكيم". لكنه اتُهم لاحقاً بالانخراط في عبادة الشخصية، وفقاً لجوزيف توريجيان، وهو أستاذ مساعد في الجامعة الأميركية. وتابع: "لذلك فإن التحدي الذي يواجهه شي يكمن في كيفية استخدام مثل هذه الألقاب لتعزيز مكانته، من دون أن تأتي بنتائج عكسية".

شي جين بينج قدّم نفسه بوصفه رجل الشعب. ففي عام 2013، أول عام كامل له في الحكم، استضافت قروية أمّية في هونان وسط الصين شي في منزلها، أثناء زيارته المقاطعة، وسألته ماذا يجب أن تسميه، فأجاب: "أنا خادم الشعب".

في كلتا الحالتين، يوضح اللقب أن شي لا يقلّ أهمية عن ماو وتجاوز الزعيم البارز السابق دينج شياو بينج، وفقاً لتشن جانج، مساعد مدير "معهد شرق آسيا" التابع لجامعة سنغافورة الوطنية. وزاد: "هذا يمنحه نفوذاً أكبر ممّا يحمله منصبه الفعلي. ويمكن أن يكون لذلك تأثير كبير في المستقبل".

ضرائب على الأثرياء؟

إلى ذلك، أشار خبراء اقتصاديون مرتبطون بالحكومة الصينية، إلى إمكانية إجراء إصلاح ضريبي ضخم، بعدما أثار تعهّد شي جين بينج بتنظيم الثروة تكهّنات بأن بكين قد تفرض ضرائب على الأثرياء، بحسب "بلومبرغ".

ودعا ليو يوانتشون، رئيس جامعة شنغهاي للمال والاقتصاد، إلى تعزيز الضرائب العقارية، معتبراً أن الضرائب هي إحدى أهم الوسائل لتحسين نظام توزيع الثروة.

واقترح سو هاينان، وهو باحث في "الرابطة الصينية لدراسات العمل"، فرض ضرائب على أرباح رأس المال بشكل صحيح، نظراً إلى أن "التكديس السريع للثروة من أقلية"، أثار "نقاشات في المجتمع".

أما لي شي، وهو أستاذ في جامعة تشجيانغ، فطرح فكرة فرض ضريبة محتملة على الإرث، أثناء حديثه إلى وسائل إعلام محلية عن إصلاح الأراضي والضرائب.

جاءت هذه التصريحات بعدما تعهّد شي، الأحد، بـ"تحسين نظام ضريبة الدخل الشخصي". وفي تقريره أمام مؤتمر الحزب الشيوعي، دعا الرئيس الصيني أيضاً إلى تبنّي وسائل "منظمة جيداً" لتراكم الثروة، في إطار مصطلح "الرخاء المشترك".

تدرس بكين منذ عقد على الأقلّ، فرض ضرائب على العقارات، لكنها لم تفعل ذلك بعد على مستوى البلاد. وأُرجئت خطة لتوسيع اختبار لضريبة الممتلكات هذا العام، في ظلّ أزمة في سوق الإسكان.

ورأى سو هاينان أن دخل رأس المال "يجب ألا يكون أضعاف دخل العمل". وأضاف أن السيولة السريعة التي حقّقها أفراد من استثماراتهم في الأوراق المالية، مثل الأسهم والسندات، أثارت دعوات كي "تعدّل" الحكومة الأمور، مستخدمة الضرائب ووسائل قانونية أخرى.

أما ليو شانجشي، رئيس الأكاديمية الصينية للعلوم المالية، فشدد على "إمكانية الترويج للرخاء المشترك، من خلال تقليص الفارق الناجم عن مكاسب رأس المال".

الحزب الشيوعي والقطاع الخاص

في السياق ذاته، تقلّص حضور القطاع الخاص في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني بنحو 50%، منذ تولّي شي جين بينج الحكم. وتعهّد الحزب بقمع "التوسّع غير المنضبط لرأس المال"، في محاولة للحدّ من عدم المساواة في الثروة وضمان "الرخاء المشترك".

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن نيل توماس من مجموعة "أوراسيا" الاستشارية قوله: "واضح أن شي رأى في حرية الوصول السياسي الذي تمتع به رواد الأعمال في السنوات السابقة، تهديداً محتملاً للحزب الشيوعي".

يُعدّ القطاع الخاص في الصين أكبر جهة توظيف ومحرّكاً للنموّ الاقتصادي في البلاد. لكن سجلات للحزب راجعتها الصحيفة، أفادت بأن 18 من 2296 مندوباً في مؤتمر الحزب يشغلون مناصب تنفيذية في مجموعات خاصة. في المقابل، شارك 34 مديراً تنفيذياً في مؤتمر 2012، عندما تولّى شي الحكم، و27 في مؤتمر 2017.

وقال مسؤول تنفيذي في هيئة أعمال خاصة تضمّ شركات أسّسها رواد أعمال: "أفضل الرؤساء التنفيذيين لدينا غائبون عن مؤتمر سيشكّل مستقبلهم".

تراجع حضور النساء

على صعيد آخر، اشتهر ماو تسي تونج برفع لواء المساواة بين الجنسين، بوصفه مبدأً أساسياً للحزب الشيوعي الصيني، معتبراً أن "النساء يحملن نصف السماء". ولكن بعد 7 عقود، فشل الحزب في ترقية النساء إلى مناصب سياسية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

منذ إعلان "جمهورية الصين الشعبية" في عام 1949، عُيّنت 8 نساء فقط أعضاء في المكتب السياسي للحزب، الذي يضمّ 25 عضواً، بينهنّ صن تشونلان (72 عاماً)، التي يُرجّح أن تتنحّى عن الهيئة هذا الأسبوع.

تزوّجت ثلاث من أولئك النسوة من مؤسّسين ثوريين للحزب الشيوعي، ولم تتمكّن أيّ امرأة من دخول اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، أعلى هيئة حاكمة في الصين، علماً أن أقلّ من ثلث المندوبين في مؤتمر الحزب هذا الأسبوع، هنّ من النساء.

وقالت هانتشانج ليو، وهي أستاذة مساعدة في السياسات بكلية بيتزر الأميركية: "النساء يُدفعن في معظم الأحيان إلى الخطوط الأمامية عندما لا يرغب الساسة الذكور في التعامل مع أزمة".

واعتبر فيكتور شيه، وهو خبير في شؤون الصين بجامعة كاليفورنيا، سان دييغو، أن "صن تشونلان (هي) سياسية مذهلة في أيّ سياق"، وزاد: "في نظام ديمقراطي، يُرجّح أن تُنتخب سياسية بهذه الصفات زعيمة وطنية".

وأشارت مينجلو تشين، وهي محاضرة بارزة في جامعة سيدني تتابع شؤون الصين، إلى تكليف النساء في الحزب غالباً الإشراف على قطاعات تُعتبر أكثر ليونة، مثل الرعاية الصحية والتعليم والثقافة. وأضافت: "هذا يحدّ أيضاً من احتمالات ترقيتهم".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات