
قرر البرلمان العراقي، الأحد، تأجيل التصويت على مشروع قانون لإعادة التجنيد الإلزامي في الجيش "خدمة العلم"، بداعي دراسة المشروع، وسط جدل بين مؤيد ومعارض بشأن عودة القانون الذي تم إلغاؤه من قبل السلطة المؤقتة في عام 2003، والتي أعقبت الغزو الأميركي للبلاد.
وطُرح نص عودة القانون للمرة الأولى في عام 2021 خلال ولاية حكومة العراق السابقة، ولكن أصبح هناك حكومة جديدة للبلاد برئاسة محمد شياع السوداني، وغالبية برلمانية جديدة يقودها "الإطار التنسيقي" الذي يضم أحزاباً سياسية شيعية موالية لإيران.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد رسول، إن "مشروع القانون يشمل غير الحاصلين على شهادة تعليمية، وكذلك من لديه شهادة التعليم المتوسط والذي من المقرر أن يخدم 18 شهراً، فيما يشتمل على أن حامل الشهادة الإعدادية عليه أن يخدم في الجيش لمدة سنة، أما حملة البكالوريوس فتكون مدة خدمتهم العسكرية 9 أشهر، بينما الماجستير 6 أشهر، والدكتوراة 3 أشهر"، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العراقية "واع".
وتابع رسول أن الراتب لم يُذكر ضمن مشروع القانون، و"لكن الآراء تتفاوت بين 300 إلى 500 ألف دينار (400 إلى 480 دولاراً) شهرياً، وهذا يحتاج إلى دراسة مع الحكومة الحالية لتخصيص الميزانية"، موضحاً أن "القانون يطبق حين إقراره، ويشمل الأعمار من 18 حتى 45 عاماً، وهناك آراء لتقليلها حتى عمر الـ40، إلى جانب استثناءات لوحيدي عائلاتهم وللمستمرين في الدراسة".
ولفت إلى أن "الموظف يستمر باستلام الراتب من دائرته ويساق إلى خدمة العلم ليقضي المدة وبعدها يعود إلى عمله السابق في دائرته"، وفقاً لـ"واع".
يشار إلى أن الخدمة العسكرية الإلزامية في العراق بدأت في عام 1935 خلال الحقبة الملكية، ثمّ توقف العمل بها في عام 2003 أي بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين إثر الغزو الأميركي، إذ مرّ العراق بحرب طائفية بين العامين 2006 و2008، واحتلّ تنظيم "داعش" جزءاً من أراضيه بين العامين 2014 و2017.
تحفظات على القانون
وفي السياق، أبدى أعضاء في مجلس النواب العراقي تحفظهم على عودة القانون، إذ قال النائب عن اللجنة القانونية في البرلمان رائد المالكي في تصريحات لـ"الشرق"، إن "القانون فيه أعباء مالية كبيرة، فضلاً عن أن العراق لا يمتلك بنية تحتية للتجنيد الإلزامي في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أن "تشكيلة المؤسسات العسكرية والأمنية مبنية بطريقة لا تستوعب أي اضافات جديدة".
وأضاف المالكي أن "الوضع الاقتصادي والمالي للدولة الآن لا يسمح بتطبيق هذا القانون"، مبدياً استغرابه من "تعويل الحكومة على البدل النقدي الذي ستحصل عليه من المكلفين الذين لا يريدون الخدمة بحسب ما نص عليه القانون".
من جهتها، سارعت بعض الكتل السياسية إلى انتقاد القانون والدعوة إلى التريث في إقراره. وفي السياق، قالت حركة "امتداد"، وهي إحدى القوى السياسية المدنية، قالت في بيان إن "القوات الأمنية تجاوز عددها المليون منتسب، والحاجة الفعلية تكمن في تطوير الجهد الاستخباري والتسليح وتعزيز شبكات الأمن الداخلي وتطوير القوات الأمنية كالطيران المسيّر وليس اللجوء إلى تشريع قانون الخدمة الإلزامي".
وفي تصريحات لـ"الشرق"، قال الخبير القانوني علي التميمي إن "خدمة العلم تحتوي على مشاكل عدة، إذ تشمل جميع مكونات الشعب، إضافة إلى إقليم كردستان العراق، وبالتالي سيكون من الصعب تنفيذها".
وأضاف التميمي أن "القانون بصيغته الحالية يشبه كثيراً سابقه الصادر عام 1969، ونصوصه تشير إلى أن النظام في العراق رئاسي وليس برلماني يخضع لتعدد المكونات"، مستدركاً أن "القانون مصيره الفشل وسيولد ميتاً".
وحضّ الخبير القانوني على "تشريع قانون يركز على دعم القوات المسلحة وجعلها مؤسسة إنتاجية أسوة بدول عدة في المنطقة، لأنه سيكون أفضل من ناحية التطور". وختم حديثه بـ"دعوة مجلس النواب إلى التريث والمراجعة قبل المضي بتشريع القانون".
"عبء اقتصادي"
أما على المستوى الاقتصادي فيعتقد مختصون أن القانون سيكون بمثابة "عبء اقتصادي على البلاد"، إذ قال الخبير الاقتصادي ناصر الكناني لـ"الشرق"، إن "قانون التجنيد قرار غير مدروس، فالعراق ليس كما كان قبل 2003، كون المؤسسة العسكرية أصبحت مؤسسة وظيفية بسبب التحاق الكثير من العاملين في الزراعة والصناعة ومجالات أخرى بالجيش، بعدما أصاب تلك القطاعات الشلل فأصبح للعراق أعداد كبيرة من القوات الأمنية بمختلف أنواعها".
وأشار الكناني إلى أن "ما سيتراكم من أموال على العراق في حال تطبيق قانون التجنيد سيكون كبيراً جداً، لا تستطيع الموازنة تحمله"، لافتاً إلى أن "من الأجدر استثمار تلك الأموال في مشاريع أخرى يحتاجها العراق في الوقت الحالي كالخدمات والسكن والبنى التحتية".
العميد المتقاعد في الجيش العراقي أعياد الطوفان، قال لـ"الشرق" إن "قانون التجنيد، قانون سياسي غرضه امتصاص زخم العاطلين من الشباب بغض النظر عن التحصيل الدراسي، وهو باب من أبواب الفساد لإتاحة الفرصة إلى بعض الجهات للاستفادة المادية وبالتالي إثقال الموازنة العامة للبلاد".
"تفاوت طبقي"
وتابع الطوفان قائلاً إن "القانون كان له أن ينجح بعد عام 2003، عندما كان هناك وزارة دفاع واحدة، لكن الآن ثمة العديد من الأجهزة الأمنية، كما أن الأموال الكبيرة التي ستنفق على المكلفين في حال تطبيق القانون ستذهب أدراج الرياح عند انتهاء فترة التجنيد".
وأشار الطوفان إلى أن "العملية ليست سهلة، لأنها تحتاج إلى مديرية عامة للتجنيد تتكون على الأقل من 20 دائرة مرتبطة بها وستكلف العراق الكثير من الأبنية والأسلحة والمعدات والآليات وأدوات التدريب".
إلى ذلك، قال عراقيون عبر منصات التواصل الاجتماعي، إن "القانون سيخلق تفاوتاً طبقياً بين صفوف الشباب من خلال دفع البدل النقدي، وسينحصر التجنيد للفقراء وأصحاب الدخل المحدود الذين لا يقدرون على دفع البدل مما سيؤدي الى خلق مساوئ اجتماعية".
كما طالبوا مجلس النواب، بتنويع الاقتصاد وتنشيط القطاع الخاص وخلق فرص عمل أكبر للشباب، إضافة الى إعادة فتح وتأهيل المصانع المتوقفة والمعامل وتطوير الخطوط الانتاجية لها بما ينسجم مع حداثة المنتجات لمواكبة التطور الحاصل في هذه المجالات.
من جانبه، اعتبر النائب عن تحالف تقدم السني فهد مشعان تركي، أن "خدمة العلم (...) ستمكننا من القضاء على البطالة وستجعل الشاب يشعر بالولاء للوطن"، حسبما ذكرت وكالة "فرانس برس".
ورأى النائب سكفان سندي، العضو بلجنة الدفاع النيابية في تصريح لوكالة الأنباء العراقية "واع" أن تشريع قانون الخدمة الإلزامية "ضروري لوجود مخاطر تتعلق بالإرهاب في البلاد".
وفي حين أعلن العراق انتصاره على المتشددين منذ نحو 5 سنوات، إلّا أن عناصر "داعش" ما زالوا يحتفظون بخلايا في مناطق نائية ويشنون من وقت لآخر هجمات ضدّ الجيش والحشد الشعبي، تحالف فصائل مسلحة باتت منضوية في الأجهزة الرسمية.