تشارك البرازيل في مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب27) بمنتجع شرم الشيخ في مصر، بجناحين مختلفين، في مشهد لافت يعكس انقساماً في البلاد بشأن سياسات المناخ بين الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو والرئيس المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
ويحمل الجناح الأول اسم "Brazil – Green Energy” (البرازيل - الطاقة الخضراء)، وهو الجناح الرسمي، الذي أقامته حكومة بولسونارو، التي تشارك في القمة بوفد يضم عدداً من المسؤولين المنتهية ولاياتهم، على رأسه وزير البيئة يواكيم ليت.
في المقابل، هناك جناح غير رسمي يحمل اسم "Brazil Climate Action Hub" (مركز البرازيل للعمل المناخي)، الذي أنشأه سياسيون وأفراد من المجتمع المدني، مؤيدون للرئيس المنتخب لولا دا سيلفا.
وبينما يركز الجناح الرسمي خلال قمة المناخ على التحول إلى الطاقة النظيفة مع التمسك بالفرص الصناعية في منطقة الأمازون، ينظم جناح "مركز البرازيل للعمل المناخي" جلسات نقاش تركز بشكل أساسي على حماية الأمازون.
لولا يخطف الأضواء
وفيما غاب الرئيس المنتهية ولايته بولسونارو عن قمة المناخ، حظي الرئيس المنتخب لولا دا سيلفا باستقبال حاشد فور وصوله المنطقة الزرقاء بمؤتمر المناخ، الأربعاء.
ورصت الكاميرات حشداً كبيراً من المشاركين يردّدون اسم لولا بينما كانوا ينتظرون صعوده إلى المنصة لإلقاء كلمة في القمة.
وكان لولا وصل إلى منتجع شرم الشيخ في مصر، في ساعة مبكرة الثلاثاء، للمشاركة في القمة بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وجاءت مشاركته في القمة بعدما ألحق، الشهر الماضي، هزيمة بالرئيس اليميني جايير بولسونارو الذي شهدت ولايته عملية تدمير كبيرة لغابات الأمازون المطيرة، بالإضافة إلى رفض استضافة قمة المناخ لعام 2019 والتي كان مقررة أصلاً في البرازيل.
وقال لولا، الذي تحدث في اجتماع إلى جانب حكام ولايات الأمازون البرازيلية: "أنا هنا لأقول لكم جميعاً إن البرازيل عادت إلى العالم". وعرض الرئيس البرازيلي المنتخب استضافة محادثات المناخ للأمم المتحدة (كوب30) في عام 2025 في غابات الأمازون المطيرة.
لكنه انتقد زعماء العالم قائلاً إن "الكوكب ينبهنا في كل لحظة إلى أننا بحاجة إلى بعضنا البعض للبقاء على قيد الحياة، لكننا نتجاهل هذه التنبيهات وننفق تريليونات الدولارات على الحروب التي تجلب الدمار والموت، بينما هناك 900 مليون شخص في العالم ليس لديهم ما يقتاتون عليه".
إنقاذ الأمازون
وقال لولا دا سيلفا، وهو رئيس سابق من المقرر أن تبدأ فترة ولايته الثالثة في يناير القادم، إنه سيسعى خلال ولايته القادمة على حماية غابات الأمازون.
وأكد، خلال كلمته أمام المشاركين في مؤتمر المناخ، أنه "لا يوجد أمن مناخي للعالم بدون حماية منطقة أمازون"، داعياً الناس إلى زيارة المنطقة.
وقال: "لن ندخر جهداً في القضاء على انحسار غطاء الغابات وتدهور مناطقنا الحيوية بحلول عام 2030".
وتمتص منطقة الأمازون، أكبر غابة مطيرة في العالم وتمتد على مساحة تتجاوز 6 ملايين كيلومتر مربع، كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والتي لو انبعثت لأضرت بإمكان تحقيق أهداف المناخ العالمية.
وقال لولا إنه سيغير سياسات البرازيل البيئية "180 درجة" عن سياسات بولسونارو.
وكان لولا قد قلص إزالة الغابات إلى أدنى مستوياتها تقريبا في رئاسته الأولى بين عامي 2003 و2010.
وبالنسبة لإدارته الجديدة، وعد لولا بخطة شاملة لاستعادة إنفاذ القانون البيئي الذي تراجع بشدة في عهد بولسونارو فضلاً عن توفير وظائف خضراء.
واجتمع لولا، الثلاثاء، مع مبعوث المناخ الأميركي جون كيري وكبير المفاوضين الصينيين بشأن المناخ شيه تشن هوا.
كما اجتمع مع منسق سياسة المناخ في الاتحاد الأوروبي فرانس تيمرمانز، الأربعاء، فيما يجتمع، الخميس، مع جماعات المجتمع المدني وجماعات السكان الأصليين، وكذلك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ليغادر، الجمعة، متوجهاً إلى البرتغال ليجتمع مع مسؤولين هناك.
"استياء" الجناح الرسمي
وبينما شهدت مشاركة لولا دا سيلفا أجواء احتفالية في مؤتمر المناخ، سادت حالة من الاستياء وسط أعضاء الوفد الرسمي لعدم الإقبال على جلسات النقاش، التي استضافها الجناح الرسمي لدولة البرازيل، والذي يشرف عليه وفد حكومة بولسونارو المنتهية ولايتها، بحسب صحيفة "جارديان" البريطانية.
ويقدم جناح البرازيل الرسمي جلسات نقاش رسمية وعروض للواقع الافتراضي تعرف بالمبادرات والمشروعات التي يروج لها الجناح كمشروع Amazon Sustainable Landscapes.
ولم يساهم وجود ممثلين عن السلطة التنفيذية البرازيلية المنتهية ولايتها في زيادة الاهتمام بالجناح الرسمي بسبب سياسات إزالة الأشجار في الأمازون، بحسب ناتالي أونترستيل، رئيسة معهد تالانوا البرازيلي لسياسات المناخ، والتي قالت إن المشاركين يفضلون "معرفة حقيقة تدمير الغابات المطيرة والجرائم البيئية".
وقالت أونترستيل: "أعتقد أن رئيس الوفد البرازيلي واكيم ليت (وزير البيئة) ذهب إلى هناك لبناء جناح، وليس لفتح أجندة دبلوماسية للتفاوض. ما سيحدث هو أنه سيُحاصر في جناح فارغ، لأنه لن يرغب أحد في الذهاب إلى وفده والتحدث معهم".
وفي عهد بولسونارو، أصبحت البرازيل، وهي أكبر دولة في أميركا اللاتينية، معزولة على الساحة الدولية بسبب تفاقم قطع أشجار الأمازون في غابة حيوية للعالم كله دمرت الحرائق جزءاً كبيراً منها.
وكان الرئيس المنتهية ولايته يتخّذ قرارات تصبّ في مصلحة الصناعات الغذائية المكثفة والقطاع المنجمي ويقتطع في ميزانيات حماية البيئة.
برازيل "متنوعة"
على بعد أمتار قليلة عن الجناح الرسمي للبرازيل، كان هناك الجناح الذي أقامه "مركز البرازيل للعمل المناخي"، حيث يفضل بعض الناشطين في مجال تغير المناخ حضور الفعاليات التي تقام هناك.
وكان المركز، الذي تأسس في العام 2019، ممثلاً من قبل بعض السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني والمبادرات البيئية، بعد أن تخلفت البرازيل عن الحضور بوفد رسمي إلى مؤتمر المناخ في أعقاب انتخاب الرئيس بولسونارو.
وقالت إحدى الناشطات في جناح مركز البرازيل للعمل المناخي لـ"الشرق" إن "البرازيل كانت من المفترض أن تنظم مؤتمر المناخ عام 2019، إلا أن حكومة بولسونارو رفضت، فآل التنظيم في النهاية لإسبانيا. حينها شاركنا رغم أن جناحنا في ذلك المؤتمر اقتصر على مكتب صغير يمثل بالكاد حجم غرفة واحدة داخل جناحنا اليوم".
وشارك المركز حينها في مؤتمر مدريد للمناخ بحوالي 100 ممثل، بعضهم للسكان الأصليين والبرازيليين من أصول أفريقية، فضلاً عن علماء ونشطاء.
وفي 2021، شارك المركز كذلك في مؤتمر المناخ بجلاسكو بفريق أكبر يمثل المجتمع المدني البرازيلي، وحمل مقترحات محددة حول آلية تبني بلادهم لاقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية.
غير أن المركز لم يكن الممثل الوحيد عن البرازيل في جلاسكو، إذ قررت الحكومة الرسمية أيضاً الحضور إلى المؤتمر عبر جناح رسمي رفض ممثلوه التعاون مع جناح المركز بشكل قطعي أو عقد فعاليات ونقاشات مشتركة.
وتقول الناشطة، التي رفضت الإفصاح عن إسمها، إنه منذ ذلك الحين "أصبح هناك اثنان من البرازيل (في مؤتمرات المناخ)؛ إحداهما متنوعة وتمثل كل أطياف المجتمع والأخرى تمثل حكومة بولسونارو فقط".
دا سيلفا يحمل الأمل
ومع عودة دا سيلفا المرتقبة إلى السلطة عقب انتخابه رئيساً للبرازيل، ترى الناشطة أن الحوار بين الحكومة والمجتمع المدني بشأن المناخ سوف يستأنف مرة أخرى.
وأضافت: "قبل حكومة بولسونارو كانت لدينا هيئات رسمية تابعة للحكومة الفدرالية تعنى بالقضايا البيئية، وتعقد محادثات مع المجتمع المدني وتجعله جزء من آلية اتخاذ القرار، إلا أن تلك المؤسسات جرى تهميشها وانتهى وجودها فعلياً".
الرؤية المتفائلة بعودة دا سيلفا ذاتها يتبناها السياسي بحزب العمال وعضو مجلس الشيوخ البرازيلي، جان بول براتيس، الذي قال لـ"الشرق" إن "دا سيلفا أحد قادة العالم البارزين، كما أنه سياسي ورئيس محنك، فقد خدم البلاد سابقًا خلال فترتين رئاسيتين في العام 2003 و 2010، وبالتالي هناك العديد من الآمال المعقودة على قيادته، وها هنا في مؤتمر المناخ السكان الأصليون بالبرازيل يحتفلون بوصوله، فالحكومة الحالية لم تكن إيجابية بما يكفي فيما يتعلق بقضايا المناخ، لذا نحن اليوم أمام نقطة تحول للبرازيل".
ولفت السياسي البرازيلي إلى أن بلاده يمكنها التعاون مع دول الشرق الأوسط في العديد من المجالات، على خلفية بعض التشابهات البيئية في المناطق الصحراوية وكذلك مسألة إنتاج النفط.
وأضاف: "هناك أيضاً ملف الطاقة، فبلادنا تعتمد على النفط وتعتبر بين الدول الـ10 المنتجة له، فربما علينا مناقشة كيفية تحقيق الانتقال في مجال الطاقة لكن في اتجاه مصادر طاقة أخرى يمكن أن تشكل مستقبلنا".
اقرأ أيضاً: