كشف تقرير، أوردته شبكة "إن بي سي نيوز"، أن رفض الولايات المتحدة بيع مقاتلات "F-22" للحلفاء، أضاع "فرصة" على الشركات الأميركية، ومنح اليابان وإيطاليا وبريطانيا مجالاً لدمج برامجها الدفاعية المنفصلة، لتطوير مقاتلة حديثة "خارقة" تتفوق على "F-35".
والمقاتلة الجديدة، التي حملت في وقت سابق اسم "Tempest" في المملكة المتحدة، و"F-X" في اليابان، ستجمع بين خصائص التخفي من جانب وأجهزة الاستشعار القوية، ومساعد الطيار المحسن بالذكاء الاصطناعي، والقدرة على التحكم في المسيرات، والمحركات المتطورة القادرة على تشغيل أسلحة الليزر من الجانب الآخر، وفقاً للتقرير.
وأوضح التقرير أن البرنامج، الذي يحمل اسم Global Combat Air Program (برنامج القتال الجوي العالمي) يهدف إلى "تدشين أول رحلة جوية بحلول عام 2027، وتحليق أول طائرات من هذا النوع بحلول عام 2035".
ووصف التقرير الاندماج بـ "بالخيار الذكي" من قبل الدول المشاركة، بالنظر إلى التكاليف الباهظة والمخاطر التقنية التي يمكن أن تواجهها كل دولة، حال حاولت إنجاز هذا المشروع بمفردها، فيما أشارت تقديرات صدرت في وقت سابق إلى أن هذه الكلفة تصل إلى 48 مليار دولار على الأقل بالنسبة لليابان، ونحو 30 مليار دولار لبريطانيا.
"فرصة ضائعة"
التقرير أشار إلى أن هذا الاندماج يعد "فرصة ضائعة" على الشركات الأميركية بسبب الجهد "غير الرشيد" للاحتفاظ بالتكنولوجيا في أيادٍ أميركية.
أما الجانب المشرق من المشروع، بحسب "إن بي سي نيوز"، فيتجلى في أن هذا التعاون الأجنبي "سيقدم فوائد جليلة في خدمة التحالفات الأمنية الأميركية عبر المحيطين الأطلسي والهادئ".
فاليابان، على وجه التحديد تسعى لامتلاك مقاتلة متخصصة في الاعتراض السريع للقاذفات المعادية، ودحر مقاتلات العدو في القتال الجوي، بعد أن عانت في السنوات الأخيرة من اقتراب مقاتلات سلاح الجو الصيني مرتين أو 3 مرات يومياً.
وفي الوقت نفسه، سيصل أسطول مقاتلات Typhoon البريطانية، والذي تستخدمه إيطاليا أيضاً، إلى نهاية خدمته بحلول أربعينيات القرن الواحد والعشرين.
والطائرات الأميركية "F-22" هي ما تريده اليابان على وجه التحديد للدفاع عن نفسها، على عكس "F-35" الأحدث، التي اشترتها الدول الثلاث.
ولكن الولايات المتحدة أضاعت على نفسها فرصة بيع هذا النوع من الطائرات وتطويره بالشراكة مع اليابان، لأسباب يعود تاريخها إلى ربع قرن مضى.
تسريب التقنية
على مر السنين، سألت إسرائيل واليابان وأستراليا وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) مراراً وتكراراً عن إمكانية شراء طائرة "F-22 Raptor"، لكن في كل مرة كان يأتي الرد بالرفض.
وفي منتصف تسعينيات القرن العشرين، دفع الكشف عن احتمالية مشاركة إسرائيل تكنولوجيا المقاتلات الأميركية مع الصين بالنائب الديمقراطي عن ولاية ويسكونسن، ديف أوبي، إلى "رعاية تعديل يحظر تصدير المقاتلات الشبح (F-22)، التي لم تكن دخلت الخدمة بعد".
وكانت الفكرة تتمحور حول منع تسريب التقنية الحديثة لهذا النوع من المقاتلات من قبل صديق موثوق إلى عدو محتمل. ولسوء الحظ، أسفر التوجه إلى عواقب وخيمة على الولايات المتحدة وشركائها الأجانب المحتملين.
فمع انزواء أي أمل في صناعة المزيد من هذا النوع من الطائرات لبيعها إلى دول أخرى، زادت كلفة الطائرة "F-22" المصنعة خصيصاً لتلبية طلبات القوات الجوية الأميركية، ما أدى إلى تقليص حجم الطلب الإجمالي على الطائرة إلى درجة كبيرة وإغلاق خط الإنتاج في وقت مبكر.
وقد تؤدي الكلفة الباهظة أيضاً، وفقاً لـ "إن بي سي نيوز" إلى إخراج المقاتلة "F-22" عن الخدمة في وقت مبكر نسبياً.
وفي تقرير نشرته العام الماضي، ذكرت "بزنس إنسايدر" أن الولايات المتحدة أغلقت برنامج تصنيع طائرات "F-22" في ديسمبر 2011، مشيرةً إلى أنه بعد ما يقارب عقد من الزمان، تبقى أعداد قليلة من هذه الطائرات المقاتلة.
المخاطر والمكاسب
وتبدأ الموازنة بين المخاطر والمكاسب بالهدف الضمني الثاني لبرنامج المقاتلات التعاوني، والذي يتمثل في "المحافظة على القاعدة الصناعية المتخصصة والموارد البشرية من أجل تطوير وتصنيع الطائرات المقاتلة حتى منتصف القرن الـ 21"، حيث يمكن أن يتوقف إنتاج هذا النوع من المقاتلات من أجل المحافظة على المصنعين والخبرات الضرورية.
وحال حدوث ذلك، فقد يصبح من المستحيل إعادة بناء القدرة على إنتاج هذه المقاتلات محلياً بالسرعة الكافية للاستجابة للأزمة، كما أن تمكن طوكيو وروما ولندن من التغلب معاً على عقبات التطوير التعاوني غير السهلة، قد يمكنهم من خفض تكاليف البحث والتطوير والشراء بدرجة كبيرة، والخروج بمقاتلات أكثر تطوراً باستخدام أفضل الأنظمة في كل دولة.
ولفت التقرير إلى أن ذلك سيسبب بعض المشكلات للشركات الأميركية العملاقة في مجال الصناعات الدفاعية، إذا كانت النتيجة النهائية هو الشغل الشاغل الوحيد لها.
فمن المفترض أن يؤدي الاندماج إلى تهميش الشراكة اليابانية المخطط لها مع شركة "لوكهيد مارتين" الأميركية، وستنافس الطائرة الناجحة "Tempest" الطائرات الأميركية على طلبات التصدير، ولكن سيكون مفيداً للغاية للأمن القومي الأميركي أن يحتفظ الحلفاء بقاعدة تكنولوجية دفاعية مستقلة، بدلاً من ضمور صناعاتهم المحلية، وفقاً لـ "إن بي سي نيوز".
وحتى في ظل وجود قطاع الإنتاج الدفاعي الضخم في الولايات المتحدة، لا يزال الشركاء الأجانب يقدمون حلولاً تقنية للجيش الأميركي، مثل المدافع الرئيسية في دبابات "باتون" و"أبرامز" الأميركية البريطانية والألمانية، والقاذفة AT4 المضادة للدبابات من السويد، والجيل القادم من الفرقاطات في سلاح البحرية الأميركية المستلهمة من سفينة إيطالية.
كما أن وجود خيارات إضافية في السوق يمكن أن يحرم خصوم الولايات المتحدة من تصدير بضاعتهم في مجال الإنتاج الدفاعي، ما يقلل من نفوذهم.
قدرة إنتاجية أكبر
وأضاف تقرير "إن بي سي نيوز" أن وجود العديد من المصنعين "يخلق قدرة إنتاجية أكبر لدى جميع تحالفاتنا الدفاعية، ما سيقلل العقبات التي تفرضها الاختناقات الصناعية".
ووجدت كل من الولايات المتحدة وحلفائها أن "من السهل سياسياً الاستثمار في دفاعاتهما الخاصة، في وقت يشترون فيه منصات دفاعية من الشركات المحلية"، إذ يعني ذلك أن تعزز المدفوعات اقتصادهما المحلي".
ولهذا فإن الشركات الأميركية "لن تخسر" بشكل كامل، حيث تقول وزارة الدفاع الأميركية إنها تعمل مع اليابان على تعزيز القدرات "المستقلة"، مثل الطائرات بدون طيار، التي يمكن أن تضيف إلى المقاتلة الجديدة.
وخلص التقرير إلى أن التوترات المتفاقمة، ينجم عنها مخاطر لنشوب صراعات وبالتالي يجب زيادة الإنفاق الدفاعي، إذ أثبت الغزو الروسي على أوكرانيا أن هذه المخاطر "حقيقية".
وسيؤدي هذا إلى خلق "ديناميكية متناقضة"، حيث يمكن للولايات المتحدة تعزيز مصالحها الأمنية من خلال صادراتها وعبر الاعتماد على عمليات نقل التكنولوجيا إلى الشركاء الأجانب الذين تثق واشنطن في أنهم سيستخدمون هذه الأسلحة لأغراض دفاعية بحتة.
توتر مع الحلفاء
ورغم أن الولايات المتحدة تحول دون امتلاك حلفائها للمقاتلة "F-22"، إلا أنها في الوقت نفسه لا تمنع استخدامها لحمايتهم، وفي يوليو الماضي أعلن حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصول طائرات من نوع "F-22 Raptor" تابعة لسلاح الجو الأميركي إلى قاعدة جوية في بولندا لدعم مهمة الحماية الجوية لـ"الناتو".
وأشار الحلف إلى أنه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، كان هناك استخدام متزايد للمقاتلات والصواريخ والمسيّرات بقرب حدود دول الناتو، ما يؤدي إلى زيادة التهديد الجوي والصاروخي على أراضي دول الناتو وسكانها.
ومع ذلك، دخلت الولايات المتحدة في توترات مع بعض حلفائها الغربيين بشأن الإسهام في القدرات العسكرية لـ"الناتو".
وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب حاولت الضغط على أعضاء الحلف، خاصة الأوروبيين، لزيادة الإنفاق العسكري، وخلال قمة للتحالف في بروكسل عام 2018، حثّ ترمب تلك الدول على مضاعفة الإنفاق العسكري سنويا من 2% إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وينص ميثاق المنظمة على أن تشارك الدول الأعضاء في المساهمة المالية لتعزيز قوة التحالف، على أن تُنفق كل دولة 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.
ولطالما كانت هذه المسألة من القضايا الإشكالية بين الدول الأعضاء، إذ انتقدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في أكثر من مناسبة الدول الأخرى لعدم مشاركتها بـ"نصيب عادل"، وكثيراً ما تجاوز الإنفاق العسكري الأميركي ميزانيات الحلفاء الآخرين، لكن الفجوة اتسعت كثيراً عندما عززت الولايات المتحدة إنفاقها بعد هجمات 11 سبتمبر 2011.
وكان ترمب اتهم برلين بالاستفادة مالياً من الوجود العسكري لبلاده، وأقر خطة لسحب 12 ألف جندي أميركي من ألمانيا، على أن يتم إعادة بعض الجنود إلى الولايات المتحدة، ويُرسل الباقون إلى دول في الكتلة السوفيتيّة السابقة، على غرار بولندا، بهدف مواجهة "نفوذ روسيا".
لكن إدارة الرئيس جو بايدن جمّدت خطة ترمب بعد رحيله عن البيت الأبيض في مطلع العام 2021.
اقرأ يضاً: