رغم إعلانه، الشهر الماضي، الترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية 2024، يرى سياسيون ومحللون أميركيون أن دونالد ترمب لن يخوض الانتخابات المقبلة أو في أسوأ الظروف لن يخوضها عن الحزب الجمهوري.
وتأتي هذه الآراء رغم البداية الحماسية للرئيس الأميركي السابق، لا سيما قبل انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس، والتي جاءت نتائجه عكس التوقعات، لتلقي بترمب في دوامة التشكيك داخل حزبه الجمهوري، وتفاقم الأمر بعد واقعة "الدستور".
في 16 نوفمبر الماضي، أعلن الرئيس السابق دونالد ترمب، من شرفة بيته في منتجع "مار إيه لاجو" في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، خوضه سباق الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة.
جاء ذلك الإعلان بعد أسبوع واحد فقط من الانتخابات النصفية للكونجرس الأميركي، متجاهلاً إلقاء الجمهوريين اللوم عليه في الأداء الباهت من المرشحين المدعومين من قبله في سباقات مجلس الشيوخ الرئيسية وانتخابات مجلس النواب التنافسية.
وبدأ ترمب حملته الانتخابية في تجميع الأموال وعقد لقاءات مع داعمين له، كان من بينها عشاء معلن مع نيك فوينتيس، أحد دعاة تفوق العرق الأبيض والذي وصفته رابطة مكافحة التشهير بأنه متعصب للبيض ومعاد للسامية، مما أثار ردود أفعال غاضبة ومستنكرة من داخل البيت الأبيض وأقطاب السياسة الجمهوريين أنفسهم.
بعد ذلك العشاء تحديداً، خرج الجمهوري زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل في 29 نوفمبر الماضي ليعلن أن الحزب الجمهوري لا يجب عليه أن يرشح ترمب لانتخابات الرئاسة 2024، قائلاً: "لا يوجد مكان في الحزب الجمهوري لمعاداة السامية أو تفوق البيض، وأي شخص يلتقي بأشخاص يؤيدون وجهة النظر هذه، في رأيي، من غير المرجح أن يتم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة".
عندما أعلن ترمب نيته الترشح للانتخابات الرئاسية لأول مرة منذ أكثر من 7 سنوات، بدأ حملته الانتخابية بتصريحات وصفت بالعنصرية، هاجم فيها المهاجرين المكسيكيين وتعهد ببناء جدار عظيم على طول جدار الولايات المتحدة.
وقال في تصريحاته حينها: "أصبحت الولايات المتحدة أرض نفايات لمشاكل الآخرين. إنهم يرسلون الأشخاص الذين لديهم الكثير من المشاكل. إنهم يجلبون المخدرات، يجلبون الجريمة، إنهم مغتصبون، وبعضهم أفترض أنهم أناس طيبون لكني أتحدث إلى حرس الحدود ويخبروننا بكل ذلك".
شعبية ترمب تتآكل
وبات كل فعل أو تصريح يقدم عليه ترمب محل جدل وانتقاد ما ينتقص من شعبيته في كل مرة، كما تعتقد أستاذة العلوم السياسية في جامعة نورث وسترن لوريل هاربريدج يونج.
وتقول لـ "الشرق" إن تصريحات ترمب وأفعاله منذ مغادرته البيت الأبيض تزيد من احتمالية أنه بات يمثل عائقاً سياسياً للحزب الجمهوري.
وتضيف: "وعلى الرغم من فعاليته في تعبئة قاعدته من أنصار MAGA- في إشارة إلى مؤيديه وحملته (فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً)- إلا أن أكاذيبه المستمرة حول انتخابات 2020، وتعليقاته حول إنهاء الأساسيات، بما في ذلك تلك الموجودة في الدستور لإعادته كرئيس، وتناول الطعام مع أفراد يعرفون بالعنصرية ومعاداة السامية، تجعل منه عبئاً على الحزب الجمهوري".
وتشير "لوريل" إلى أن زملاء ترمب في الحزب الجمهوري باتوا، على نحو متزايد، يلقون اللوم عليه في نتائج الانتخابات النصفية لعام 2022، الذي كان ينبغي أن يكون عاماً جيداً بالنسبة للجمهوريين للحصول على المزيد من المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ.
كل تلك المشكلات أدت إلى إبعاد الكثير من الناخبين عنه، خاصة الجمهوريين التقليديين، كما يعتقد المحلل الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان، "خاصة بعد عشاءه الأخير مع قومي أبيض معروف بأزماته ومشاكله العنصرية أيضاً".
واقعة الدستور
في 2 ديسمبر الجاري، طالب ترمب عبر منصة التواصل الاجتماعي "تروث"، التي يملكها، تعليق العمل بالدستور الأميركي مشككاً كعادته في نتائج انتخابات 2020، الأمر الذي عرضه لانتقادات واسعة من أعضاء كلا الحزبين وإصدار بيان إدانة ضده من البيت الأبيض.
وقال ترمب في تعليقه إن "الاحتيال الهائل من هذا النوع والحجم يسمح بإنهاء جميع القواعد والأنظمة والمواد، حتى تلك الموجودة في الدستور. مؤسسونا العظماء، لم يرغبوا ولم يكونوا ليتغاضوا عن الانتخابات الكاذبة والمزورة".
وأتت تعليقات ترمب بعد ساعات من الكشف عن مداولات داخلية في تويتر، أعلن عنها إيلون ماسك، المالك الجديد للشركة، تظهر كيف انخرط تويتر في "قمع حرية التعبير" في الفترة التي سبقت انتخابات 2020، ودوره في تقييد النشر حول قصة هانتر بايدن، نجل جو بايدن، منافس ترمب والذي فاز برئاسة الولايات المتحدة لاحقاً.
تحقيقات جنائية
في نفس الوقت، يواجه ترمب، الذي انتهت ولايته باقتحام مؤيديه لمبنى الكابيتول في محاولة لوقف الانتقال السلمي للسلطة في 6 يناير 2021، تحقيقات جنائية متصاعدة، بما في ذلك العديد من التحقيقات التي قد تؤدي إلى لوائح الاتهام وإحالات جنائية إلى وزارة العدل، وتشمل التحقيق في الوثائق السرية التي حصل عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي من بيته في "مار إيه لاجو" في ولاية فلوريدا، والتحقيقات الحكومية والفدرالية الجارية المتعلقة بمحاولة إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 واقتحام مبنى الكابيتول.
الأزمات المحيطة بالرئيس الأميركي السابق قد تؤثر، على مستقبله السياسي كما يعتقد المحلل الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان، موضحاً أن ترمب يواجه تحقيقاً جنائياً بشأن مزاعمه فيما يخص نتائج انتخابات 2020 في ولاية جورجيا، وتحقيقاً مدنياً بالتزوير يخص إمبراطورية أعماله في نيويورك، وتحقيقاً فيدرالياً بشأن دوره في الهجوم على مقر الكونجرس، وتعامله مع وثائق سرية بعد فترته الرئاسية.
ويقول دورنان لـ "الشرق" إن أي تحقيق من تلك التحقيقات قد ينتهي بمحاكمة أو إدانة تؤثر حتماً على مستقبله السياسي.
ويتفق أستاذ العلوم السياسية وصنع القرار في جامعة نورث وسترن بنجامين بيج مع القول بأن مستقبل ترمب السياسي يبدو مظلماً نتيجة مشاكله القانونية الضخمة.
ويوضح بيج لـ"الشرق" أن معظم القادة الجمهوريين سئموا منه ويريدون منه الابتعاد عن الحزب وعدم تمثيله، بعد أن أدى الدور المطلوب منه المتمثل في "خفض الضرائب الخاصة بهم وتعيين قضاة يمينيين كما كان قادة الحزب يريدون".
بطاقة الحزب الجمهوري
في ظل هذا كله، أصبح ترمب مطارداً بقائمة من الاتهامات والإدانات والرفض تجعل من حصوله على بطاقة الترشح من الحزب الجمهوري أمراً بعيد المنال، بعد أن كان يحظى بتأييد واسع منذ أكثر من 7 سنوات قبل دخوله عالم السياسة.
قبل الانتخابات الرئاسية الأولى لـ"ترمب" عام 2016، علق الناخبون الجمهوريون آمالاً عريضة عليه، لكنه عجز عن الوفاء بمعظم ما وعد به في تقدير أستاذة العلوم السياسية بجامعة ميشيجان أيدي جولدنبرج.
وتقول لـ"الشرق" إن وعوده المتكررة للجمهوريين بالاستثمار في البنى التحتية، لم يتحقق منها شيء، وتضيف: "الكثير من الأشياء المتورط فيها ترمب من تعامله مع جائحة كورونا، ومزاعمه المتكررة بتزوير الانتخابات واقتحام مبنى الكابيتول ودعم مرشحين ضعفاء في الانتخابات النصفية الماضية، تجعل من الصعب للغاية التكهن بكيفية استمرار السياسة الجمهورية".
والتصريحات والأفعال الأخيرة للرئيس السابق تجعل العديد من قادة الجمهوريين يفضلون ألا يكون ترمب مرشحهم، كما تعتقد جولدنبرج، لكنها في نفس الوقت، تؤكد أن ترمب لا يزال يحظى بشعبية بين أجزاء كثيرة من قاعدة الناخبين الجمهوريين.
وتتابع: "يشعر قادة الحزب بالقلق من أنهم لا يستطيعون الفوز إذا عزلوا القاعدة، وهم قلقون أيضاً من عدم قدرتهم على الفوز إذا كان ترمب هو مرشحهم".
لكن أستاذة العلوم السياسية في جامعة "نورث وسترن" لوريل هاربريدج يونج تعتقد أن من السابق لأوانه معرفة خطط الحزب الجمهوري تجاه ترمب في اللحظة الآنية.
ومع ذلك، ترى أنه بعد أن أصبح يُنظر إلى ترمب على أنه عائق محتمل في نجاح الجمهوريين بالانتخابات، قد يكون من الأرجح أن ترفض نخب الحزب تقديمه كمرشح للرئاسة والتطلع إلى مرشح مختلف.
وتقول "لوريل" لـ "الشرق": "كانت هناك لحظات كثيرة خلال حملة ترمب لعام 2016 وأثناء رئاسته لدرجة أن المراقبين الخارجيين، بمن فيهم أنا، كانوا ينقلبون عليه ويقولون إنه لا يمثل الحزب الجمهوري. وكان 6 يناير هو الأكثر وضوحاً. ومع ذلك، بخلاف حفنة من الأعضاء معظمهم تقاعدوا أو واجهوا تحديات أولية في انتخابات منتصف المدة، كان هناك القليل من المعارضة له".
حاكم فلوريدا
ووقف ترمب في أول انتخابات رئاسية له في مواجهة حاكم فلوريدا، حينها، الجمهوري جيب بوش من أجل الحصول على دعم الحزب الجمهوري لخوض سباق الرئاسة عام 2016.
وخاض بوش الانتخابات الأولية الرئاسية لعام 2016، وكان يعتبر من كبار المرشحين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في بداية الدورة الانتخابية، لكن أرقام اقتراعه انخفضت تدريجياً مع ارتفاع نسبة ترشيح ترمب.
وانسحب بوش، الابن الثاني لجورج بوش والشقيق الأصغر لجورج دبليو بوش، الرئيسان 41 و 43 للولايات المتحدة، على التوالي، من الانتخابات التمهيدية في فبراير 2016، تاركاً الساحة لـ"ترمب" ممثلاً عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.
بعد أكثر من 7 أعوام، تشير التقديرات إلى مواجهة ترمب مرة أخرى لحاكم فلوريدا، لكن الحاكم الحالي المحتمل للمنافسة هو رون ديسانتيس وليس جيب بوش.
لم يعلن ديسانتيس حتى اللحظة نيته خوض انتخابات الرئاسة، لكن أستاذة العلوم السياسية "جولدنبرج" تعتقد أنه المرشح الرئيسي المحتمل الأكثر قابلية للقبول من قبل الحزب الجمهوري، خاصة مع فوزه الكبير في انتخابات التجديد النصفي الماضية.
يدعم ذلك الاعتقاد، استطلاع رأي جامعة كوينيبياك الوطنية بولاية كونيتيكت، الذي صدر بعد أسبوع واحد فقط من إعلان الرئيس السابق سعيه للعودة إلى البيت الأبيض من خلال انتخابات الرئاسة 2024.
وجد الاستطلاع أن 57% من الأميركيين يعتقدون أن ترشح ترمب للرئاسة في عام 2024 أمر سيء، ويرغب 60% من الجمهوريين في رؤية ديسانتيس مرشحا للرئاسة عام 2024.
كما كشف استطلاع حديث لصحيفة USA TODAY مع جامعة سوفولك بولاية بوسطن أن الحماس لترشح ترمب للرئاسة للمرة الثانية تراجع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة داخل الحزب الجمهوري.
الاستطلاع الذي أعلنت نتائجه في أوائل ديسمبر الجاري، وجد 60٪ من الجمهوريين، خلال يوليو الماضي، أرادوا أن يترشح ترمب مرة أخرى، وفي أكتوبر، انخفض الرقم إلى 56٪، ثم انخف مجدداً، الآن، إلى 47٪.
المفاجآت
وتحتمل السياسة كثيراً من المفاجآت وهو ما يجعل من التعويل على نتائج الاستطلاع السابق خطأ كبيراً، ومع ذلك، لا تعتقد جولدنبرج أن ترمب سيفوز بترشيح الحزب الجمهوري مرة أخرى.
وتقول: "أتوقع أن يكون لديه معارضة من مرشح واحد أو أكثر، ولكن بعد ذلك سيحتاج الفصيل المناهض لترمب إلى الالتحام حول خصم واحد، تماماً كما فعل الحزب الديمقراطي حول بايدن في عام 2020. إذا فعلوا ذلك، يمكن للخصم الفوز".
من جانبه، يستبعد أستاذ العلوم السياسية وصنع القرار بيج حصول ترمب على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة القادمة، "خاصة إذا تمت إدانته أو حال دخوله السجن"، لكنه مع ذلك يرى أن حصول ترمب على بطاقة الترشح من الحزب لا يزال احتمالاً قائماً، حتى يضمن دعم الناخبين المؤيدين له.
وترى أستاذة العلوم السياسية لوريل إنه إذا اجتمع الجمهوريون حول مرشح آخر غير ترمب، فإنهم سيدعمون مرشحاً له العديد من أوجه التشابه معه لكن ليس لديه العديد من نقاط الضعف والمشاكل السياسية المتعلقة بالرئيس السابق، قائلة "ينطبق ذلك على رون ديسانتيس".
عند مرحلة بعينها في انتخابات الرئاسة عام 2016، هدد ترمب بالترشح كمستقل إذا لم يلق معاملة عادلة مثل باقي المرشحين الجمهوريين، وهذا السيناريو لا يزال مطروحاً بحسب جولدنبرج.
في حين يتوقع بيج وقوع كارثة في حال عدم حصول ترمب على بطاقة الترشح من الحزب الجمهوري، ويقول: "سيسعى ترمب لتشويه المرشحين الجمهوريين الآخرين، وسيمتنع اتباعه عن التصويت في الانتخابات الرئاسية مما سيقدم فوزاً سهلاً لمرشح الحزب الديمقراطي أياً كان ذلك المرشح، حتى ولوكان ضعيفاً جداً".
اقرأ ايضاً: