انتهى العام 2022 بوصول أكثر من 45 ألف مهاجر إلى بريطانيا عبر بحر المانش. ولم تنجح 3 حكومات لحزب المحافظين عرفتها البلاد خلال العام في وقف القوارب الصغيرة التي تحمل اللاجئين من الشواطئ الفرنسية إلى الإنجليزية. كما لم يتمكن الحزب الحاكم من تطبيق خطته لترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى رواندا.
وعود المحافظين في صد "غزو المهاجرين" تأجل تطبيقها إلى العام المقبل. ورغم وجود مؤشرات على احتمال إحراز تقدم في هذا الملف عام 2023، يعتقد ساسة ومختصون أن حكومة ريشي سوناك لن تستعجل تطبيق خطة ترحيل المهاجرين إلى البلد الإفريقي، حتى تضمن عدم وجود معوقات قانونية أو تبعات سياسية للخطوة.
الحكومة حصلت مؤخراً على موافقة المحكمة العليا لتطبيق خطة رواندا. ولكن معارضو القرار يستعدون للطعن فيه مطلع العام الجديد. وإلى حين الحسم في المسألة بشكل نهائي، حدد رئيس الوزراء 5 خطوات إضافية لوقف الهجرة غير الشرعية إلى البلاد. وحال نجاح هذه الخطوات، فسترتفع أسهم المحافظين قبيل انتخابات 2024.
إجراءات جديدة
وتكمل الإجراءات الجديدة خطة الترحيل إلى راوندا كما أنها لا تقل أهمية عنها. ونوّه سوناك إلى أن التعامل مع هذه الأزمة يتطلب وقتاً ويحتاج إلى تعاون أطراف محلية ودولية. وبخاصة دول القارة الأوروبية التي يعبرها المهاجرون براً حتى يصلوا إلى المملكة المتحدة.
ووفقاً لرئيس الوزراء، قررت الحكومة أولاً زيادة مواردها المالية والبشرية والتقنية لوقف تدفق قوارب المهاجرين إلى البلاد. وهذا يشمل تشكيل وحدة مشتركة بين الجيش ووكالة مكافحة الجريمة والمؤسسات المدنية المعنية. مما يتيح فرصة الاستثمار الأمثل للإمكانات التكنولوجية والمعلومات الاستخباراتية والقوى البشرية.
وشدد سوناك على أن الحكومة ستدعم الوحدة المنشودة بتقنيات وأدوات متطورة، بما في ذلك تزويدها بطائرات من دون طيار لأغراض الاستطلاع والمراقبة. كما ستضاعف الحكومة تمويل برنامج مكافحة جرائم الاتجار وتهريب البشر، وستعمل على تعيين نحو 700 موظف جديد بمجالات عدة للتصدي لهذه الجرائم ووقف "هجرة القوارب".
ويلفت سوناك إلى أن عمل الوحدة المرتقبة سيبقى منقوصاً دون قوانين تزيد من قدرة خفر السواحل والجهات المختصة على تنفيذ عمليات مداهمة لأوكار المهربين ومقرات عصابات هذه الجريمة المنظمة. إضافة إلى ضرورة مراجعة القوانين التي تساعد المهاجرين غير الشرعيين على العيش في البلاد، مثل السماح لهم بفتح حسابات بنكية.
إسكان اللاجئين وطلباتهم
ومن الإجراءات الرسمية التي ستتخذ في العام الجديد، نقل المهاجرين غير الشرعيين من الفنادق إلى مراكز تجمع أقل كلفة. وأوضح سوناك أن الحكومة حددت بالفعل المواقع التي يمكن أن تستوعب 10 آلاف شخص بنصف الكلفة التي تدفعها الدولة للفنادق اليوم لإيواء اللاجئين، والمقدرة بـ5.5 مليون جنيه إسترليني يومياً.
ولأن كلفة إقامة المهاجرين تُقتطع من أموال دافعي الضرائب، يقول سوناك إن الحكومة ستسرع معالجة طلبات اللجوء المقدمة لها، بحيث يتم البت فيها خلال أيام أو أسابيع وليس شهوراً وسنوات. وهو ما يقتضي من الحكومة مضاعفة عدد الموظفين المختصين، وإعادة النظر في الآليات المتبعة سواء بتقديم تلك الطلبات أو مراجعتها.
وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، قالت للبرلمان إن عدد المتقدمين بطلبات لجوء يبلغ 117 ألف شخص. من بينهم 40 ألفا يعيشون في الفنادق وتدرس الحكومة نقلهم إلى مراكز تجمع أو إلى سفن سياحية غير مستخدمة. كما أوضحت الوزيرة أن الحكومة تتوقع الانتهاء من جميع طلبات اللجوء المقدمة إليها بحلول نهاية العام المقبل.
قدرات الحكومة وتحدياتها
مديرة مرصد الهجرة في جامعة أكسفورد، مادلين سومبشن، تلفت إلى أن أحد أسباب نمو أعداد القوارب الصغيرة هو نجاح الحكومة البريطانية في وقف الهجرة غير الشرعية عبر السيارات والحافلات العابرة لنفق المانش. فإغلاق ذلك الباب جعل مهربي البشر يبحثون عن خيارات وأدوات جديدة وكانت الزوارق هي الحل الأمثل لهم.
وتشير سومبشن في تصريحات لصحيفة بوليتيكو إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين زاد في دول أوروبا كلها تقريبا، ولكن بريطانيا باتت تعتمد على نفسها في معالجة هذه الأزمة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وبالتالي أصبح لزاماً على لندن تعزيز أدواتها من جهة، وتحسين تفاهماتها واتفاقاتها مع دول الجوار من جهة ثانية.
ويقول الباحث في الشأن الداخلي البريطاني جوناثان ليز، إن الحكومة تضع ملف "مهاجري الزوارق" على رأس أولوياتها، ولكنها ستتعامل بحذر شديد معه خلال العام المقبل. فحزب المحافظين يعاني تراجعاً في شعبيته، ولا يريد ريشي سوناك أن يصل إلى الانتخابات العامة عام 2024 دون أي فرص للحزب بالبقاء في السلطة.
ويوضح ليز في حديث مع "الشرق"، أن المحافظين يصرون على التعامل مع ملف الهجرة في سياق سعيهم لإثبات نجاح "بريكست"، وقدرة بريطانيا "المستقلة" أوروبياً على التعامل مع مشكلاتها بفعالية أكثر من دول التكتل الأوروبي. مضيفاً: "لذلك سنشهد توسعاً في إعادة اللاجئين وتكثيفاً لإجراءات منع وصولهم إلى البلاد خلال العام المقبل".
المعارضة السياسية والحقوقية
وتواجه الحكومة البريطانية معارضة سياسية وأخرى حقوقية وإنسانية إزاء طريقة تعاملها مع ملف المهاجرين. فتقول إيفيت كوبر، وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية، إن لندن ملزمة بمكافحة الهجرة غير الشرعية، ولكن حكومة المحافظين عجزت عن معالجة الملف بنجاعة، وتسببت في تلك الزيادة المهولة بأعداد القادمين بحرا.
ويوضح جون فيلر، عضو حزب العمال، أن حكومة سوناك ستركز العام المقبل على أزمة المهاجرين كي تسجل بعض الإنجازات للحزب الحاكم. منوهاً إلى أن التعامل مع هذا الملف ليس سهلاً، ولكن الحكومة تمتلك هامش مناورة أكبر فيه مقارنة بملفات أخرى أكثر تعقيداً، وخاصة تلك المرتبطة بالظروف الدولية والتغيرات العالمية.
ويلفت فيلر في حديثه مع "الشرق"، إلى أن أزمة المهاجرين عبر البحر من الملفات المهمة جداً بالنسبة للبريطانيين. خاصة وأن الأرقام تشير إلى زيادة كبيرة في أرقام العابرين للبحر، ونمو كلفة إقامتهم ومعالجة طلبات لجوئهم في وقت تعاني البلاد فيه أزمة اقتصادية، وتعجز الحكومة عن زيادة الأجور أو مساعدة أصحاب الدخل المحدود.
على الصعيد الحقوقي، تركز المعارضة على ترحيل اللاجئين إلى راوندا. ويستعد تكتل من المنظمات الإنسانية للطعن بقرار المحكمة العليا الذي أيد الترحيل، وقال "إنه لا يتعارض مع المواثيق الدولية ولا يهدد حياة المرحلين. فالدولة الإفريقية آمنة، والاتفاق بين لندن وكيجالي يوفر حياة كريمة للاجئين إلى حين البت بطلبات لجوئهم".
"حل غير مثالي"
مستشار مجلس التجارة البريطاني، البارون دانيال هنان، اعتبر أن ترحيل المهاجرين إلى رواندا، قراراً لا يحبذه حتى حزب المحافظين. ولكن أزمة "هجرة القوارب" تكبر ككرة الثلج، وقد باتت تحتاج إلى قرارات حاسمة وقاسية "من أجل الصالح العام". ويتساءل البارون، هل كانت الحكومة ستلجأ إلى هذا الخيار لو وجدت أمامها "بدائل أسهل"؟
وكتب البارون هنان في مقالة نشرتها صحيفة التلجراف، إن خطة رواندا "حل غير مثالي في عالم غير مثالي". لافتاً إلى أنه عندما أعلن عن الخطة لأول مرة، طالب عدد من اللاجئين بإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. وبالتالي عندما توضع الخطة في حيز التنفيذ سيبدأ المهاجرون بالبحث عن فرصتهم في مكان آخر غير بريطانيا، على حد تعبيره.
ولفت هنان إلى أن الحكومة البريطانية لن تضع خطة الترحيل إلى رواندا في حيز التنفيذ إلا بعد أن تذلل كل العقبات القانونية التي يمكن أن تعيق تنفيذها. كما أن قائمة المرحلين إلى البلد الإفريقي لن تكون عشوائية، وستراعى كثيرا من الشروط والمعايير. وبالتالي "لن تهدم" صورة البلاد كملاذ آمن لمن وصل ولجأ إليها بشكل قانوني.
المستهدفون بخطة الترحيل
وتقول الحكومة إن الترحيل هو مصير كل مهاجر يدخل البلاد بطريقة غير قانونية. فإما أن يعاد إلى وطنه إن كان آمناً، أو ينقل إلى رواندا ويتقدم لحكومتها بطلب لجوء. ووفق قانون "الجنسية والحدود" الجديد، أي شخص يدخل بريطانيا دون تأشيرة أو إذن هو مهاجر غير شرعي. ولكن يحق له التقدم بطلب لجوء فور وصوله براً أو جواً أو بحراً.
وتشير معطيات وزارة الداخلية إلى أن 90% من المهاجرين الذين وصلوا بريطانيا عبر قوارب صغيرة قادمة من فرنسا خلال عامي 2021 و2022، تقدموا بطلبات لجوء فور وصولهم. وبالتالي كل من يرفض طلب لجوئه سوف يتم ترحيله مباشرة، باستثناء غير البالغين والأطفال والأمهات المرافقين لأطفالهم، وفق القانون الجديد.
وخلال النصف الأول من العام 2022، كانت 3 دول تصدر أكثر من نصف المهاجرين، وهي ألبانيا بنسبة 18% وأفغانستان 18% وإيران 15%. أما في النصف الثاني من العام فتحول المهاجرون الألبان وحدهم إلى أكثرية تزيد بنسبة كبيرة عن بقية الجنسيات. وجميعهم يتقدمون بطلبات لجوء رغم أن بلادهم آمنة ويأتون من فرنسا الآمنة.
معضلة لاجئي ألبانيا
يقول رئيس الوزراء أمام مجلس العموم، إن ثلث الذين وصلوا من فرنسا على متن قوارب صغيرة في العام 2022، أي نحو 13 ألف شخص، هم من الألبان. وألبانيا تصنف كدولة آمنة من قبل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد، لذا رفضت هذه الدول جميع اللاجئين الألبان إليها وأعادتهم إلى بلادهم، بينما قبلت بريطانيا نحو 55% منهم.
وأوضح سوناك أن التساهل مع وصول الألبان إلى بريطانيا لن يستمر العام المقبل. ولذلك أبرمت لندن اتفاقية جديدة مع تيرانا لإعادة المهاجرين الألبان فورا. موضحاً أن وزارة الداخلية لن تقبل طلبات لجوء من حملة جنسية الدولة الأوروبية إلّا بدليل موضوعي على سبب اللجوء. كما أن الحكومة ستخصص وحدة مستقلة مكونة من 400 موظف مختص، للنظر في ملفات الألبان وتسريع البت فيها خلال أسابيع قليلة فقط.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن آلاف المهاجرين الألبان سيتم إعادتهم إلى بلادهم في 2023. وقد حصلت لندن على ضمانات من حكومة تيرانا بحماية المعادين ومساعدتهم. كما تضمنت الاتفاقية الجديدة بين الدولتين مزيداً من التعاون الأمني، وخاصة في المطارات، من أجل مكافحة الجريمة المنظمة في تهريب البشر والاتجار بهم.