
قال مراقب الاقتصاد العالمي ستيفن جين إن المنافسة الهائلة بين الولايات المتحدة والصين، والتي اشتدت في 2022، من المرجح أن تكون أهم قضية في العقود المقبلة، حسبما نقلت عنه "بلومبرغ" في تقرير.
وأضاف التقرير الذي نشرته السبت أنه مع وضع هذه الرؤية في الاعتبار، فإن العالم يتطلع إلى عام 2023 من خلال التركيز على ثلاث ديناميكيات مهمة تقوم عليها هذه المنافسة، تتعلق اثنتان منها "بموقف بقية دول العالم منها، فيما تتعلق الديناميكية الثالثة بالمكان الذي تتجه إليه الصين بعد عام من النمو الاقتصادي الضعيف".
وأشار التقرير إلى أن موقف أوروبا سيمثل نقطة ارتكاز المنافسة خلال العام المقبل، إذ وضعت علاقة الزعيم الصيني شي جين بينج بنظيره الروسي فلاديمير بوتين ضغطاً كبيراً على علاقات بكين مع أوروبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن بحلول نهاية العام زار المستشار الألماني أولاف شولتز بكين، ومن المتوقع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى هناك قريباً.
توترات أوروبية أميركية
رغم توطيد الاتحاد الأوروبي علاقاته مع الولايات المتحدة، وهو ما ظهر في اتحادهم معاً ضد هجوم الكرملين على أوكرانيا، فإن التوترات قد اندلعت أيضاً بين الطرفين.
ورأت الوكالة أن مدى نجاح الصين في إنعاش النمو الاقتصادي، نظراً إلى الكارثة الصحية الناجمة عن قرار شي المفاجئ إنهاء سياسة "صفر كورونا"، سيكون عاملاً حاسماً في تنافسها مع الولايات المتحدة، فضلاً عن أنه سيساعد في تشكيل وجهات نظر بقية دول العالم حول هذه المنافسة.
وأضافت: "لم تكن كل أخبار عام 2022 سارة بالنسبة للصين في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، إذ قال زعماء أوروبيون إنهم يشاركون الولايات المتحدة مخاوفها بشأن سجل بكين المتعلق بحقوق الإنسان، بما في ذلك الاتهامات بالاحتجاز القسري لمليون شخص من الأيجور المسلمين في شينجيانغ"، وهذا ما تنفيه بكين، كما أنه في المجال الاقتصادي "هناك مخاوف متزايدة من الاتحاد الأوروبي بشأن زيادة واردات سيارات صينية الصنع، فضلاً عن الانقسام الأوروبي حول جاذبية الاستثمار الصيني".
وتابعت: "لقد رفضت مجموعة كبيرة من الدول النامية الاصطفاف خلف واشنطن أو موسكو في الحرب الباردة الأصلية، لتبدأ حركة عدم الانحياز التي كانت إندونيسيا والهند عضوين رئيسيين فيها، ولا يزال إرث حركة عدم الانحياز ظاهراً بوضوح حتى اليوم".
آمال على الهند
وفقاً للوكالة، فإن الولايات المتحدة علّقت آمالاً كبيرة على الهند كبديل لبعض الإنتاج الصيني، وسيوفر العام المقبل مزيداً من الوضوح بشأن المكان الذي ترى فيه نيودلهي مستقبلها، وما إذا كانت مستعدة لبناء روابط أوثق مع واشنطن.
وفي أواخر عام 2022، أسفر توجه البيت الأبيض نحو إفريقيا لمواجهة التدخلات الصينية والروسية هناك عن صفقات بقيمة 15 مليار دولار خلال أول قمة لرئيس أميركي (جو بايدن) مع القادة الأفارقة منذ 8 سنوات. ويخطط بايدن مع وزراء الخزانة والتجارة والدفاع الأميركيين لزيارة الدول الإفريقية في عام 2023.
وتابعت الوكالة: "بعد هيمنة الصين على إقراض التنمية والاستثمار في إفريقيا، قد يُظهر العام الجديد ما إذا كان وجود الولايات المتحدة سيستمر في القارة على المدى الطويل".
ويتمثل أكبر مصدر لنفوذ بكين على الدول الأخرى في الحجم الهائل للاقتصاد الصيني. إن النمو السريع لإيراداتها سمح لها بإرسال استثمارات بمليارات الدولارات إلى الدول الناشئة، وتمويل التعزيزات العسكرية الهائلة، والاستحواذ على أصول لا حصر لها في الخارج. ولكن الاقتصاد الصيني تعثر في عام 2022 بسبب سياسة "صفر كورونا"، في الوقت الذي انفتح فيه سائر العالم، وتقلصت مبيعات التجزئة المحلية على مدى 12 شهراً حتى نوفمبر الماضي.
ومن جانبه جدد مركز اليابان للأبحاث الاقتصادية، ومقره طوكيو، في ديسمبر، توقعاته الاقتصادية على المدى المتوسط، ليعلن أنه من غير المرجح أن تتجاوز الصين حجم الاقتصاد الأميركي في العقود المقبلة، كما كان متوقعاً على نطاق واسع.
شركاء الصين
ولفتت الوكالة إلى أنه في حال توصل شركاء الصين التجاريون حول العالم إلى نتيجة مماثلة، فقد يكون لذلك تأثير قوي على مدى استعداد بعض الدول المتقدمة لتنحية مخاوفها جانباً، وتبنّي علاقات أعمق مع بكين.
من الواضح أن 2023 لن يمثل تكراراً لعام 2022، ولكن بالنسبة إلى الزعيم الصيني فليس هناك ما يضمن أنه لن يكون أسوأ، والسبب الأكبر هو تحركه المفاجئ هذا الشهر لإنهاء سياسة "صفر كورونا" في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد.
في حين أن رفع القيود كان يهدف إلى تسهيل التعافي الاقتصادي، فقد تسبب في أكبر موجة من العدوى، وهي موجة يمكن أن تقتل ملايين الصينيين في أسوأ السيناريوهات، وربما تعرّض بقية العالم للخطر بسبب إمكانية ظهور متغيرات جديدة، حسب "بلومبرغ".
وخلص التقرير إلى أن المسار الذي ستمضي فيه هذه الموجة، سواء من حيث الوفيات أو الأثر الاقتصادي، وكذلك أي توترات اجتماعية بسبب المظاهرات، لن يؤثر فقط على شكل الحكومة الجديدة التي سيكشف عنها الزعيم الصيني في مارس المقبل، وإنما على المصير الأوسع لبكين خلال العام الجديد.