
واجه مسؤول أميركي رفيع سابق في مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، الاثنين، اتهامات بحصوله على مدفوعات نقدية سرية تجاوزت 225 ألف دولار أثناء إشرافه على قضايا بالغة الحساسية، وخرق القانون عبر محاولته حذف اسم ملياردير روسي من قائمة العقوبات الأميركية "ما مثل صدمة كبيرة لزملائه في عالم كبار مسؤولي الاستخبارات الذي تكتنفه دائماً العزلة والسرية".
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إن تشارلز مكونيجال، والذي تقاعد عن العمل لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي في سبتمبر 2018، واجه لائحة اتهامات أمام المحكمة الفيدرالية في مانهاتن بتهم تتعلق بغسيل الأموال، وانتهاك العقوبات الأميركية، واتهامات أخرى نجمت جميعها عن "علاقته المزعومة بالملياردير الروسي أوليج دريباسكا"، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولفتت الصحيفة إلى أن مكونيجال كان مكلفاً، أثناء فترة خدمته في مكتب التحقيقات الفيدرالي، بالتحقيق مع دريباسكا، الذي تم الكشف عن إدانته على خلفية اتهامات تتعلق بانتهاك العقوبات الأميركية ضد روسيا في سبتمبر.
ويواجه مكونيجال كذلك في واشنطن تهمة إخفاء حصوله على مبالغ مالية بقيمة 225 ألف دولار، زُعم أنه حصل عليها من "رجل من نيوجيرسي تم توظيفه منذ عقود من قبل وكالة الاستخبارات الألبانية"، كما وُجهت إليه تهمة "العمل لخدمة مصالح هذا الشخص".
وبحسب "واشنطن بوست" فإن جرائم مكونيجال المزعومة "ربما تقوض جهود وزارة العدل لتشديد العقوبات الاقتصادية التي فرضت على الأثرياء الروس" بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل العام الماضي.
"وصمة"
كما تشكل تلك التهم "وصمة" لمكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يواجه أحد كبار مسؤوليه السابقين وأكثرهم ثقة تهماً بتلقي مبالغ مالية كبيرة لتقويض عمليات المكتب لجمع المعلومات.
وتم إلقاء القبض على مكونيجال من قبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، حيث عمل لمدة 22 عاماً، وارتقى في سلمه الوظيفي حتى بلغ أحد أكبر وأهم مناصب مكافحة التجسس في الحكومة الأميركية.
وقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، إن هذه القضية أظهرت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي "يقوم بواجبه على أكمل وجه"، مؤكداً في بيان أن "الطريقة التي نحافظ بها على موثوقيتنا لدى الشعب الأميركي تتأتى من خلال عملنا، الذي سيُظهر، لدى تكشف جميع الحقائق، أننا التزمنا بالإجراءات وتعاملنا مع الجميع على قدم المساواة، حتى عندما كان أحدهم أحد رجالاتنا".
ومن خلال محاميه سيث دوشارم، دفع مكونيجال ببراءته من الاتهامات التي حملتها لائحة اتهام محكمة نيويورك لدى مثوله أمامها لفترة قصيرة، الاثنين، حيث تم إطلاق سراحه بكفالة.
وقال دوشارم، المسؤول السابق في وزارة العدل، والذي عمل مؤخراً كقائم بأعمال المدعي العام الأميركي في بروكلين، خارج قاعة المحكمة إنه يتطلع إلى أن "يقوم المختصون بمراجعة الأدلة"، مؤكداً أن "لدينا ثقة كبيرة في مكونيجال".
ومن المقرر أن يَمثُل مكونيجال أمام المحكمة الفيدرالية في واشنطن، الأربعاء، عبر رابط فيديو.
وفي ثنايا هذه القضية زعم المدعون أنه منذ أغسطس 2017 على الأقل، وبعد تقاعده عن العمل لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي، لم يكشف مكونيجال عن علاقته بعميل الاستخبارات الألبانية السابق، المشار إليه في أوراق الاتهام بـ"الشخص أ".
"الشخص أ"
كما ورد في لائحة الاتهام أنه "فشل أيضاً في الكشف عن أن لديه علاقة مستمرة مع رئيس وزراء ألبانيا"، حيث شغل إيدي راما منصب رئاسة الوزراء في ألبانيا منذ 2013.
ووفقاً للاتهامات الموجهة إليه من السلطات الأميركية، تلقى مكونيجال، أواخر عام 2017، مبالغ نقدية قدرها 225 ألف دولار من "الشخص أ"، حيث كانت "المرة الأولى في سيارة تقف خارج مطعم في في مدينة نيويورك، وفي المرتين التاليتين في منزل "الشخص أ في نيوجيرسي".
وبحسب لائحة اتهام المحكمة الفيدرالية في واشنطن، أوضح شار مكونيجال "إلى الشخص أ بأنه سيتم إعادة هذه الأموال".
وبعد أشهر، وبناءً على طلب من مكونيجال، فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقاً بشأن "جماعة ضغط أميركية تعمل لحساب حزب سياسي ألباني منافس لراما"، وهو التحقيق الذي تم خلاله استخدام "الشخص أ" كمصدر للمعلومات، وفقاً لما أكدته السلطات.
رحلة إلى النمسا
ولم تكن هذه هي الحالة الوحيدة التي أشارت فيها لائحتي الاتهام في نيويورك وواشنطن إلى أن مكونيجال استخدم وظيفته لخدمة مصالح أشخاص كانت تجمعه بهم علاقات مالية أو شخصية غير معلنة.
ففي أثناء رحلة إلى النمسا في 2017، التقى مكونيجال ومدعي عام في وزارة العدل رجل أعمال وسياسي ألباني كان أخبر قد مكونيجال في وقت سابق بأنه يريد شخصاً للتحقيق في تهديد بالقتل، وفقاً للائحة اتهام محكمة واشنطن، وتم تقديم مكونيجال لهذا الرجل من قبل "الشخص أ".
وفي العام التالي، طلب مكونيجال من مكتب اتصال مكتب التحقيقات الفيدرالي لدى الأمم المتحدة ترتيب لقاء مع السفيرة الأميركية آنذاك، نيكي هالي، أو مسؤول آخر رفيع المستوى، إلى جانب وزير دفاع بوسني سابق ومؤسس شركة أدوية بوسنية.
وقالت لائحة الاتهام إن شركاء مكونيجال سعوا إلى عقد هذه المقابلة لأسباب سياسية أفادت "الشخص أ" مالياً.
وفي ذلك الوقت، وفقاً للائحة الاتهام، اقترح مكونيجال أن تدفع شركة الأدوية نصف مليون دولار لشركة مسجلة باسم "الشخص أ" مقابل ترتيب عقد هذا الاجتماع.
صدمة في واشنطن
وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون يعرفون مكونيجال وسبق لهم العمل معه لـ "واشنطن بوست" إنهم مصدومون مما ورد في لائحتي الاتهام.
وأضافوا للصحيفة، شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، أن مكونيجال، كمسؤول رفيع في مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان يحق له الوصول إلى "كمية هائلة من المعلومات الحساسة"، ربما من بينها ما يتعلق بـ"تحقيقات مع جواسيس أجانب أو مواطنين أميركيين يُشتبه في أنهم كانوا يعملون لحساب حكومات أجنبية".
وقال مسؤول سابق للصحيفة، إن مكونيجال "سبق له العمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA في أمور تتعلق بمكافحة التجسس".
ووفقاً للائحة الاتهام التي أعلنتها محكمة نيويورك، فقد استعانت شركة محاماة بمكونيجال للعمل كـ"مستشار ومحقق" في محاولة لحذف اسم دريباسكا من قائمة العقوبات.
وقامت الشركة بإدراج مكونيجال كمستشار، وأرسلت مدفوعات شهرية بقيمة 250 ألف دولار إلى حساب تابع لشخص آخر يعمل مترجماً لدى الحكومة الأميركية وسبق له العمل كدبلوماسي روسي، وتم توجيه الاتهام إلى سيرجي شيستاكوف أيضاً.
وقالت وزارة العدل الأميركية إن طبيعة عمل مكونيجال في مكتب التحقيقات الفيدرالي منحته "القدرة على الوصول إلى معلومات سرية"، بما في ذلك "قائمة الروس الذين قد يخضعون للعقوبات من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية"، والتي كانت سرية آنذاك، وشملت هذه القائمة اسم دريباسكا قبل فرض العقوبات فعلياً، حسبما أوردت "واشنطن بوست".
وقال المدعي الأميركي في مانهاتن، داميان ويليامز، في بيان إن مكونيجال وشيستاكوف "كان يجب أن يكونا أكثر وعياً" بالنظر إلى خبراتهم في العمل الحكومي، فيما دفع شيستاكوف أيضاً ببراءته.
بوابة فساد
ووصف المدعي العام الأميركي في العاصمة الأميركية واشنطن، ماثيو جريفز، الإخفاء المزعوم لعلاقات مع جهات اتصال أجنبية والعلاقات المالية بأنه "بوابة للفساد"، وأشاد بتعامل مكتب التحقيقات الفيدرالي مع التحقيق "الدقيق والصعب" مع مسؤول رفيع سابق.
وقال مساعد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي المسؤول عن المكتب الميداني في لوس أنجلوس، دونالد ألواي، الذي أعلن الاتهامات إلى جانب جريفز وقادة مكتب التحقيق الفيدرالي في واشنطن وقسم الأمن القومي في وزارة العدل إن "مكونيجال يواجه تهماً بارتكاب نفس الاتهامات التي أقسم على التحقيق بشأنها عندما قاد فريق عمل من عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي الذين يقضون حياتهم المهنية في حماية الأسرار ومحاسبة الخصوم الأجانب".
ويواجه مكونيجال عقوبة قانونية بالسجن حتى 20 عاماً في التهمتين اللتين وجهتهما له المحكمة الفيدرالية في العاصمة بتزوير سجلات ووثائق، إلى جانب عقوبة بالسجن حتى 5 سنوات جراء كل تهمة من التهم السبع الخاصة بإخفاء الحقائق أو الإدلاء بمعلومات كاذبة.
وتصل العقوبة القصوى على أخطر تهمة في لائحة اتهام محكمة نيويورك إلى السجن 20 عاماً، بحسب الصحيفة.
انزعاج زملائه السابقين
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن الاتهامات الموجهة إلى مكونيجال قد "أثارت انزعاج زملائه السابقين" بسبب، من بين أشياء أخرى، "عمق معرفته بالعديد من عناصر التجسس الأميركي".
وكان مكونيجال "خبيراً في الأنشطة الاستخباراتية الروسية التي تستهدف الولايات المتحدة وجهودها لتجنيد جواسيس روس"، حسبما ذكر العديد من المسؤولين الاستخباراتيين السابقين الذين عملوا معه وتحدثوا إلى "واشنطن بوست" شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشتهم أمورا بالغة الحساسية.
وكان مكونيجال معروفاً لدى ضباط الاستخبارات المركزية CIA الذين كانوا يتعاملون مع الأنشطة الروسية والشؤون المتعلقة بمكافحة الجاسوسية، كما كان على دراية تامة بتفاصيل بعض العمليات الاستخباراتية التي استهدفت روسيا.
وبحسب "واشنطن بوست" كان دريباسكا "محور تركيز تحقيقات مكتب التحقيق الفيدرالي" لعدة سنوات.
وفي عام 2021، فتش عملاء المكتب اثنين من منازله، حيث كان أحدهما يقع في العاصمة واشنطن، فيما كان يقع الآخر في نيويورك. وفي هذا الوقت، قالت المتحدثة باسم دريباسكا إن العقارين "مملوكان لأقاربه".
وظهر اسم دريباسكا، الملياردير المرتبط بعالم السياسة، مراراً في التحقيقات الأميركية التي أجريت مؤخراً حول روسيا، وحملة دونالد ترمب الرئاسية في عام 2016.
كما عمل دريباسكا لسنوات مع بول مانافورت، الذي أصبحت الفترة التي قضاها رئيساً لحملة ترمب "موضع اهتمام بالغ وتركيز مكثف لتحقيقات مكتب التحقيق الفيدرالي"، وفقا لما أوردته "واشنطن بوست".
وأكد كل من مانافورت، ودريباسكا أنهما جمعتهما "علاقة عمل" حصل بموجبها مانافورت على أجر كمستشار استثمارات.
وفي عام 2014 اتهم دريباسكا مانافورت في محكمة في حزر الكايمان، بـ"الاستيلاء على 19 مليون دولار تقريباً" كانت مخصصة لتنفيذ استثمارات من دون أن يفصل حسابات إنفاقها.