
على الرغم من الزخم الذي تحظى به قضية الوثائق السرية التي عُثر عليها في منزل الرئيس الأميركي جو بايدن وفي منزل الرئيس السابق دونالد ترمب، فإنهما ليسا الوحيدين اللذان واجها تهم سوء التعامل مع السجلات السرية في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة.
وزادت القضية تعقيداً، الثلاثاء، بالعثور في منزل نائب الرئيس السابق الجمهوري مايك بنس على وثائق رسمية مصنّفة "سرّية".
وعلى غرار بايدن، قام بنس بتسليم هذه الوثائق بمحض إرادته إلى السلطات المختصة بعد اكتشاف وجودها أثناء عملية تفتيش جاءت بناء على طلبه، وفقا لما نقلته "أسوشيتد برس" عن محاميه ومساعديه.
ودفعت هذه الاكتشافات بقضية التعامل مع الوثائق، وهي عملية "منخفضة المستوى" تجري في واشنطن، إلى قلب الخطاب السياسي، وكشفت عن حقيقة غير مريحة مؤداها أن "السياسات التي تهدف إلى ضبط التعامل مع أسرار الدولة يتم فرضها بشكل عشوائي على كبار المسؤولين وتعتمد بكاملها على حسن النوايا"، بحسب "أسوشيتد برس".
مشكلة تعود لعقود
ووفق "أسوشيتد برس" فقد ظهرت هذه المشكلة واختفت "على مدى عقود"، من الرؤساء إلى الوزراء، ووصولاً إلى الموظفين في الإدارات المتعددة، "وتضرب بجذورها إلى عهد الرئيس جيمي كارتر".
وأضافت الوكالة أن هذه المشكلة اكتسبت أهمية خاصة منذ احتفاظ ترمب "بكامل رغبته" بمواد سرية في مقر إقامته بولاية فلوريدا، ما دفع بمكتب التحقيقات الفيدرالي إلى القيام بسابقة مصادرة آلاف الصفحات من السجلات العام الماضي.
ونقلت "أسوشيتد برس" عن مصدر مطلع اشترط عدم الكشف عن هويته نظراً للطبيعة الحساسة للوثائق السرية قوله: "تبين أن هناك مسؤولين سابقين من جميع المستويات الحكومية يكتشفون أن بحوزتهم وثائق سرية، ويقومون بتسليمها إلى السلطات، على الأقل عدة مرات في العام الواحد".
وقال مسؤوون حاليون وسابقون شاركوا في التعامل مع الوثائق السرية للوكالة إنه بينما توجد "سياسات واضحة تحكم طرق مراجعة وحفظ هذه المعلومات"، إلا أنه أحياناً ما يتم "تهميش هذه السياسات على أعلى المستويات".
وأضافوا أن "فرق مسؤولي الأمن القومي والسكرتارية والمساعدين العسكريين الذين يتشاركون مسؤولية إبقاء المسؤولين التنفيذين رفيعي المستوى على اطلاع قد يقومون بتطويع هذه القواعد من أجل الملاءمة أو النفعية أو في بعض الأحيان بسبب الإهمال".
وبحسب "أسوشيتد برس"، يتناقض هذا مع الطريقة "الأكثر صرامة" التي يتم خلالها القيام بالإجراءات في عالم الاستخبارات الأكثر رحابة، حيث قد يتسبب سوء التعامل مع المعلومات في "إنهاء الخدمة، أو إلغاء التصريح الأمني، أو حتى المقاضاة".
ماذا يقول القانون؟
وقال السيناتور تيم كاين لـ "أسوشيتد برس" إن "الرؤساء التنفيذيين يعودون إلى منازلهم ويذهبون إلى أعمالهم وبحوزتهم الوثائق لقراءتها، إذ يقرأونها في المساء في منازلهم، ثم يعيدونها في صباح اليوم التالي إلى العمل".
وقارن السيناتور الديمقراطي من ولاية فرجينيا هذا النمط الذي يتبعه كبار المسؤولين بالنمط الذي يتبعه أعضاء مجلس الشيوخ المطالبين بالاحتفاظ بالمواد السرية في غرف آمنة في مبنى الكابيتول.
وأضاف: "أستطيع أن أرى كيف يحدث ذلك، ولكن مرة أخرى المواقف تتباين. الجمييع جادون للغاية.
"لذلك.. كم عدد هذه الوثائق؟ وما مدى خطورتها؟ وكيف حصلت عليها، ومن يتمتع بحق الوصول إليها؟ وهل أنت متعاون؟ هذه المجموعة من الأسئلة يجب الإجابة عليها فيما يتعلق ببنس وبالرئيس بايدن ودونالد ترمب"، بحسب السيناتور الديمقراطي.
بالنسبة للسلطة القضائية، هناك قانون فيدرالي منفصل، وهو قانون إجراءات المعلومات السرية الذي يحكم التعامل مع المواد التي تعرض على القضاة في المحاكمات الجنائية والدعاوى المدنية.
كما أن هناك قانوناً آخر يتعامل مع التحقيقات الاستخباراتية الأجنبية التي توضع أمام محكمة خاصة تعمل في سرية. ويهدف كلا القانونين إلى الحماية من الكشف عن المعلومات السرية.
قضية جيمي كارتر
وأكدت "أسوشيتد برس" أنه بينما كان ترمب يعتزم الاحتفاظ بالوثائق، إذ أكد، في تجاهل واضح لقانون السجلات الرئاسية، أنها ملكية شخصية، إلا أنه "لم يكن أول رئيس" يسيء التعامل مع المعلومات السرية.
فقد وجد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مواداً سرية في منزله في بلينز، بولاية جورجيا، في مناسبة واحدة على الأقل، وأعادها إلى المحفوظات الوطنية، حسبما قال مصدر لـ "أسوشيتد برس" دون أن يدلي بأي تفاصيل تتعلق بتوقيت اكتشاف هذه الوثائق.
كما لم يدل أحد المساعدين في مركز كارتر بأي معلومات لدى سؤاله عن اكتشاف كارتر وثائق في منزله بعد مغادرته البيت الأبيض في عام 1981.
ولفتت "أسوشيتد برس" إلى أن كارتر وقع على قانون السجلات الرئاسية في عام 1978، ولكنه لم يُطبق على سجلات إدارته، إذ دخل القانون حيز التنفيذ بعد سنوات مع تنصيب رونالد ريجان.
وقبل ريجان كانت السجلات الرئاسية تعتبر بشكل عام "ملكية خاصة للرئيس". ومع ذلك، فقد دعا كارتر أمناء المحفوظات الفيدراليين لمساعدة موظفي البيت الأبيض في ترتيب سجلاته استعداداً لحفظها بصورة نهائية في مكتبته الرئاسية في جورجيا.
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن الأرشيف الوطني "رفض التعليق" عندما طلبت منه الوكالة الإخبارية تزويدها بقائمة بالمرات التي تم فيها تسليم الوثائق السرية إليه من قبل المسؤولين السابقين.
إدارات سابقة تدافع عن نفسها
وفي غضون ذلك، أصر مسؤولون أميركيون سابقون آخرون على أنهم تعاملوا مع المواد السرية "كما ينبغي".
في هذا السياق قال متحدث باسم نائب الرئيس السابق ديك تشيني إنه لم يغادر مكتبه على الإطلاق وبحوزته مواد سرية، ولم يتم اكتشاف أي منها في أي مكان.
وقال فريدي فورد، المتحدث باسم الرئيس السابق جورج دبليو بوش، لـ "أسوشيتد برس" إنه "قام بتسليم جميع السجلات الرئاسية، سرية وغير سرية، إلى إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية (NARA)، لدى مغادرته البيت الأبيض".
ولم يعلق المتحدث باسم الرئيس باراك أوباما، ولكنه أشار إلى البيان الصادر عن الأرشيف الوطني في 2022 والذي أكد فيه أن "الوكالة استحوذت على جميع سجلات أوباما بعد مغادرته منصبه"، وأنها "ليست على علم بأي صناديق سجلات رئاسية مفقودة".
إلى ذلك، قال مكتب الرئيس السابق بيل كلينتون لـ "أسوشيتد برس" إنه "تم تسليم جميع المواد السرية الخاصة بالرئيس كلينتون إلى إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية بالشكل اللائق بموجب قانون السجلات الرئاسية".
وقال مسؤولون لـ"أسوشيتد برس" إن الأيام الأخيرة في أي عهد رئاسي "عادة ما تتسم بالفوضوية"، حيث يصنف المساعدون "سنوات من المواد المتراكمة" الخاصة برؤسائهم لتحديد ما يجب تسليمه إلى المحفوظات وما يمكن الاحتفاظ به.
وتتولى مجموعات مختلفة من الأفراد، إخلاء مكاتب مختلفة، ما يجعل "الالتزام بمعايير متسقة أمراً بالغ الصعوبة".
بنس ليس الوحيد
ووفقا لأحد مساعد بنس الذي تحدث إلى "أسوشيتد برس" شريطة عدم الكشف عن هويته نظراً للطبيعة الحساسة للعثور على الوثائق، فقد جاءت المواد التي عُثر عليها في الصناديق، في حالة بنس، بالأساس من مقر إقامته الرسمي في المرصد البحري، حيث "كان يتولى عمليات التعبئة والتغليف مساعدون عسكريون وليس محامين". كما جاءت مواد أخرى من "درج مكتب ويست وينج".
وأضاف أن الصناديق "كانت مغلقة بأشرطة لاصقة"، وأنه لا يعتقد أنها "فُتحت منذ أن تم تعبئتها".
وأوضحت "أسوشيتد برس" أنه كانت هناك اتهامات أيضاً بسوء معاملة الوثائق في الوقت الذي كان فيه المسؤولون لا يزالون في الخدمة".
في هذا السياق، تحدثت الوكالة عن اصطحاب النائب العام السابق، ألبرتو جونزاليس، إلى منزله بعض الوثائق بالغة الحساسية المتعلقة ببرنامج مراقبة الإرهابيين التابع لوكالة الأمن القومي وبرنامج استجواب المعتقلين الإرهابيين في نهاية العقد الأول من الألفية.
كما خضعت هيلاري كلينتون للتحقيق لسوء تعاملها مع وثائق سرية عبر "خادم بريد إلكتروني خاص" كانت تستخدمه أثناء شَغلها منصب وزيرة الخارجية الأميركية.
ولكن "نادراً ما تتم معاقبة المسؤولين على هذه الأخطاء"، وفقا لـ"أسوشيتد برس" التي أرجعت ذلك في المقام الأول إلى أنه "بينما لا يسمح القانون الفيدرالي لأي شخص بتخزين وثائق سرية في مكان غير مرخص لهذا الغرض، إلا أن ذلك لا يصبح جريمة قابلة للمقاضاة عندما يتبين أن أحدهم نقل "عن علم" هذا النوع من الوثائق من مكانها اللائق".
قضايا "بدون صخب"
ويتم إعادة الوثائق التي تم التعامل معها على نحو سيء غالباً "دون صخب أو تغطية إخبارية داخلية"، إلا أنه "لا يوجد سبب واحد للتعامل مع الوثائق على نحو سيء" لأن إجراءات إدارة السجلات الرئاسية التي تجري "وسط حالة من الفوضى" تمثل ملمحاً عاما لآواخر الفترات الرئاسية، وتستند بدرجة كبيرة إلى اتفاق النوايا الحسنة بين إدارة المحفوظات والإدارة المنتهية ولايتها.
وقال تيم نفتالي، أول مدير لمكتبة ومتحف ريتشارد نيكسون الرئاسي، لـ "أسوشيتد برس" إن "إدارة المحفوظات الوطنية عملت على مدى تاريخها مع أي إدارة بموجب نظام شرفي"، مضيفاً: "إنهم يعملون لصالح الرئيس ونائب الرئيس، ولديهم شراكات مع جميع الرؤساء ونواب الرؤساء السابقين".
وقالت "أسوشيتد برس" إن مكتب مستشار البيت الأبيض رفض التعليق، الثلاثاء، بشأن ما إذا كان بايدن سيأمر بمراجعة الطريقة التي تم بها تسليم الوثائق السرية في جميع الوكالات الحكومية كرد فعل على الاكتشافات الأخيرة.
وتكمن سلطة تغيير أو تعديل الطريقة التي يتم بها التعامل مع الوثائق السرية بدرجة كبيرة في يد الرئيس. ولم ترجح "أسوشيتد برس" أن يحث بايدن، الذي يخضع للتحقيقات الآن، على إجراء مراجعة، أو الدفع بأي تغييرات على مستوى الإجراءات لأن ذلك قد يتم النظر إليه باعتباره "إجراء سياسيا يهدف إلى تحسين وضعه الخاص".
اقرأ أيضاً: