أزمة الحدود بين السودان وإثيوبيا.. صراع منذ أكثر من 100 عام

time reading iconدقائق القراءة - 7
 رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان يستقبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لحظة وصوله الخرطوم. 26 يناير 2023 - سونا
رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان يستقبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لحظة وصوله الخرطوم. 26 يناير 2023 - سونا
دبي-الشرق

تشهد العلاقات بين السودان وإثيوبيا تطورات مهمة مع زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الخرطوم عقب سنوات من الخلافات الحدودية وانتشار الجيش السوداني في منطقة الفشقة الحدودية منذ عام 2020.

وطُرح ملف أزمة الحدود بين السودان وإثيوبيا على طاولة النقاش بين رئيس الوزراء الإثيوبي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الذي أكد على أن "الوثائق والآليات الفنية والحوار تمثل المرجعية الأساسية في هذا الشأن".

من جهته، وصف آبي أحمد القضية الحدودية بـ"القديمة"، داعياً إلى "الرجوع إلى الوثائق لحلها"، وشدد على "ضرورة الاستفادة من تجربة الحرب في البلدين التي أدت إلى انفصال الجنوب في السودان، وتيجراي في إثيوبيا، واللجوء للحوار في كافة القضايا الداخلية".

وظلت الأزمة الحدودية ساكنة لأكثر من عقدين من الزمن حيث تتعلق بما يسميه الجانب السوداني "انتهاكات متواصلة للأراضي الزراعية السودانية في منطقة الفشقة الحدودية من قبل مزارعين إثيوبيين، تحت حماية مسلحين يستخدمون أسلحة حديثة".

وعقد البلدان محادثات عدة على مر السنين، لكنهما لم يتوصلا قط إلى اتفاق على ترسيم خط الحدود الفاصل بينهما، لكنهما أكدا، في أكتوبر الماضي، على هامش "تانا للسلم والأمن في أفريقيا" بأديس أبابا، أهمية حل المشاكل الحدودية عبر الطرق السلمية، وهو أمر يمكن أن يقلل من اشتباكات قوات البلدين على الحدود.

ولكن هذه التطورات تطرح تساؤلات عن أبرز مطالب البلدين ونقاط الاختلاف في هذه الأزمة الحدودية التي تسببت بعشرات الضحايا وبالأخص في منطقة الفشقة الحدودية.

الأهمية الاقتصادية

وتعد الفشقة واحدة من 5 مناطق بولاية القضارف السودانية، وتبلغ مساحتها مليونين و650 ألف فدان، وتقع على خط الحدود بين السودان وإثيوبيا، والذي يبلغ طوله 265 كيلومتراً. ويطلق أهالي المنطقة عليها مجازاً اسم "الجزيرة"، إذ تجري على حدودها 3 أنهار صغيرة. 

وتتميز المنطقة، التي تضم الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، بتربتها الخصبة وأراضٍ مسطحة تسمح باستخدام الآلات الزراعية، علاوة على أمطارها الغزيرة في فصل الخريف، ما يجعلها منطقة ملائمة لزراعة أنواع عدة من المحاصيل.

أما ولاية القضارف فتعتبر من أهم المناطق الزراعية في شرق السودان حيث تتم زراعة العديد من المحاصيل المهمة مثل الذرة والسمسم وزهرة عباد الشمس وغيرها.

وتتكون الأزمة في هذه المنطقة من شقين، الأول يتعلق بعبور مزارعين إثيوبيين موسميين الحدود السودانية خلال موسم هطول الأمطار كل عام لزراعة الأراضي الخصبة، وهذا قد يحدث في بعض الحالات من دون موافقة أهالي المنطقة. 

وتستعين هذه الفئة من المزارعين الإثيوبيين الذين يزرعون الأراضي بالقوة بجماعات مسلحة معروفة في المنطقة يطلق عليها مسمى "الشفتا"، وأحياناً بغطاء من الجيش الإثيوبي لفرض الأمر الواقع.

أما الشق الآخر، فيتمثل في قيام إثيوبيا ببناء قرى كاملة داخل الحدود السودانية بكامل خدماتها من طرق وكهرباء ومياه، وهنا تأخذ الأزمة بعداً سياسياً أكثر تعقيداً.

ويشير الجيش السوداني إلى أن إثيوبيا توغلت نحو 24 كيلومتراً داخل الأراضي السودانية شرقي نهر عطبرة، وشرعت في تشييد قرى بكامل خدماتها، لافتةً إلى أن شبكة الطرق الداخلية التي عبّدتها إثيوبيا داخل الأراضي السودانية يصل طولها إلى 102 كيلومتر.

وكشف خبراء في قضايا الحدود أن عدد المزارعين الإثيوبيين في هذه المنطقة تصاعد كثيراً مقارنة بالفترات السابقة، حيث يبلغ عددهم حالياً 1786 مزارعاً، فيما لم يتجاوز عددهم 71 مزارعاً في عام 1972.

ويعتبر التداخل الاجتماعي والاقتصادي بين السكان أمراً معتاداً في المناطق الحدودية، إذ تسود الروابط الأسرية والعرقية والقبلية بين جانبي الحدود. لذا، فإن عبور المزارعين الإثيوبيين إلى الأراضي السودانية ليس أمراً استثنائياً، لكنه في السابق ظل يحدث في إطار العلاقات الممتدة على جانبي الحدود التي يبلغ طولها 265 كيلومتراً.

التطورات التاريخية

وتاريخياً، بدأت أولى بوادر النزاع في عام 1891، عندما أرسل إمبراطور إثيوبيا منليك الثاني تعميماً إلى دول أوروبا أعلن فيه حدود بلاده مع السودان، وقال إنها تمتد من مدينة تومات عند ملتقى نهرَي ستيت وعطبرة إلى كركوج على النيل الأزرق، وتشمل منطقة القضارف وتصل إلى الخرطوم.

الأمر الذي دعا إلى البدء برسم الوضع القانوني وتقنين الحدود السودانية الإثيوبية، ليتم التوقيع عام 1902 على معاهدة أديس أبابا لترسيم الحدود بين إثيوبيا والسودان، الذي كانت تحت الاحتلال الإنجليزي.

وتنظم اتفاقية 1902 الحدود بين السودان ومصر وإثيوبيا، والتي تنص على اقتطاع إقليم "بني شنقول" من السودان لصالح إثيوبيا، مقابل عدم إنشاء أي سدود على نهر النيل، والذي خالفته أديس أبابا، بإقامتها "سد النهضة".

وبغية وضع حد للنزاع الذي عاد من جديد في ستينات القرن العشرين، وقع السودان وإثيوبيا عام 1972 اتفاقاً في أديس بابا لتسوية ملف الحدود بين البلدين على أساس اتفاقيتي عام 1902 و1907، لكن إثيوبيا عادت وادعت أن أجزاء من الأراضي التي أعطيت للسودان تعود إليها بالفعل.

ونصت اتفاقية 1972 على "بقاء كل طرف في موقعه، والسماح للمجموعات السكانية على الأطراف بحرية التحرك والعمل، وتأجيل ترسيم الحدود السيادية حتى التوصل إلى اتفاق نهائي".

وعادت الخلافات الحدودية بين البلدين عام 2020، حيث خاض الجيش السوداني مع القوات الإثيوبية وجماعات مسلحة تابعة لها، معارك منذ إعلان انتشاره على أراضي الفشقة في نوفمبر 2020.

ووفقاً للخارجية الإثيوبية، فإن اتفاقية الحدود التي أبرمت عام 1902، حددت الحدود على الخرائط فقط، في حين أجرى الترسيم على الأرض الميجور البريطاني "قوين" في عام 1903، دون حضور ممثل إثيوبيا أو تفويض من الحكومة الإثيوبية، ونتيجة لذلك، ظل خط "قوين" موضع خلاف ومتنازعاً عليه، خاصة في المناطق الواقعة شمال "جبل دقلش"، بحسب البيان الإثيوبي.

وتطالب إثيوبيا بإعادة ترسيم الحدود مع السودان، بينما تتطلع الخرطوم إلى وضع علامات الحدود، وليس إعادة ترسيمها، قائلة إنها تملك "الوثائق كافة" التي تثبت أن ترسيم الحدود بين البلدين "أمر محسوم بالفعل".

وترفض إثيوبيا الاعتراف بترسيم الحدود مع السودان، الذي تم في عام 1902، وتطالب بإعادة التفاوض بشأن الأراضي الحدودية المتنازع عليها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات