بعدما كان "الجندي الأكثر ولاءً" للرئيس الأميركي دونالد ترمب، يجد نائب الرئيس مايك بنس نفسه الآن في أخطر موقف منذ تسلّم منصبه، إذ يستعد لترؤس جلسة يعقدها الكونغرس، الأربعاء، لتثبيت أصوات المجمّع الانتخابي، وبالتالي إنهاء محاولات ترمب لإلغاء فوز الرئيس المنتخب جو بايدن، في الاقتراع الذي نُظم في 3 نوفمبر الماضي.
وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" بأن بنس سيشهد، من على منبر مجلس النواب، إضفاء طابع رسمي على هزيمة ترمب، وهزيمته، في الانتخابات، إذ ستُسجّل الأصوات الانتخابية للولايات. وفي نهاية الفرز، عليه إعلان الفائز بغالبية الأصوات، لكّل من الرئيس ونائبه.
لكن بنس، الذي يُعتبر دوره شكلياً إلى حد كبير، يتعرّض لضغوط شديدة من ترمب ومؤيّديه، الذين يريدون أن يستغلّ نائب الرئيس هذه اللحظة، لقلب إرادة الناخبين في ولايات تحسم نتيجة الانتخابات.
وقال ترمب أمام تجمّع في جورجيا، الاثنين، لمرشحَي الحزب الجمهوري في انتخابات الإعادة لمعقدين في مجلس الشيوخ: "آمل بأن يأتي مايك بنس من أجلنا". وأضاف، مثيراً ضحكاً لدى مشاركين في التجمّع: "بالطبع، إذا لم يأتِ، فلن أحبه كثيراً. سيكون لديه الكثير ليقوله حول هذا الموضوع".
بنس وانتخابات 2024
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن مكتب بنس رفض مناقشة خططه، قبل فرز الأصوات الأربعاء. واستدركت أن مقربين من نائب الرئيس أكدوا احترامه للمؤسسات، مرجّحين أن يتصرّف وفقاً للقانون والالتزام بالدستور.
ونقلت الوكالة عن ديفيد ماكنتوش، وهو رئيس "نادي النموّ" المحافظ وصديق لبنس، قوله: "أعتقد بأنه سيتعامل مع الأمر باعتباره دستورياً، وسيقول: ما هو دوري في الدستور، بوصفي رئيساً لمجلس الشيوخ؟". وأضاف: "ما سيفعله هو السماح بالاستماع إلى أي معترض، ولكن بعد ذلك يلتزم بالنتيجة التي ستخلص إليها غالبية (أعضاء) مجلس الشيوخ".
واعتبرت "أسوشيتد برس" أن بنس، من خلال إيفائه بواحدة من المسؤوليات الرسمية المحدودة لمنصب نائب الرئيس، يجازف أيضاً بتعريض مستقبله السياسي للخطر. فهو يتطلّع إلى الترشح لانتخابات الرئاسة في عام 2024، ويعوّل على سنوات ولائه لترمب، الذي قد يكون أبرز قياديّي الحزب الجمهوري في السنوات المقبلة، لمساعدته في مواجهة مرشحين كثر آخرين.
وهذا يعني أن على بنس تجنّب إغضاب ترمب، وأجزاء كبرى من القاعدة الجمهورية، تساند مزاعم الرئيس بتزوير الانتخابات، وجعلها بعضهم تعتقد، خطأً، بأن بنس قادر على قلب النتيجة، من خلال رفض الأصوات من ولايات، مثل جورجيا وميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، التي اقترعت لترمب في عام 2016، ولبايدن في عام 2020.
"سنسمع الاعتراضات"
وبعدما هتف ناخبون في جورجيا، مخاطبين بنس، "أوقفوا السرقة!"، خلال تجمّع انتخابي للولاية الاثنين، قال نائب الرئيس: "أعلم أن لدينا جميعاً شكوكنا بشأن الانتخابات الأخيرة. وأريد أن أؤكد لكم، أنني أشاطر ملايين الأميركيين مخاوفهم بشأن مخالفات في التصويت. وأعدكم بأن الأربعاء سيكون يومنا في الكونغرس. سنسمع الاعتراضات، والأدلة".
وسيرأس بنس جلسة مشتركة للكونغرس، الأربعاء. ويتمثل دوره في فتح شهادات الأصوات الانتخابية من كل ولاية، وتقديمها إلى "متحدثين" معيّنين من مجلسَي النواب والشيوخ، بترتيب أبجدي. وفي نهاية احتساب الأصوات، على بنس إعلان الفائز.
وعقد بنس الأحد اجتماعاً استمرّ ساعتين، لمراجعة دوره ومسؤولياته في مجلس الشيوخ. ويؤكد حلفاؤه أن دوره إجرائي إلى حد كبير، وأن قلب نتيجة الفرز الانتخابي ليس ممكناً إلا بواسطة النواب، وهذا مستحيل، نظراً إلى سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب.
لكن بنس كان الاثنين في المكتب البيضاوي، مع ترمب وأبرز مساعديه، إذ واصل الرئيس البحث عن سبل لإلغاء نتائج الانتخابات.
"متطلّبات الدستور"
وقال الرئيس السابق لبلدية نيويورك رودي جولياني، الذي يقود الجهود القانونية لترمب، إن الفريق كان يتشاور مع أساتذة في القانون الدستوري، ويحلّل خيارات بنس. وأضاف أن ترمب وبنس أجريا، الاثنين، "كل الأبحاث"، وربما ينتظران حتى الثلاثاء لاتخاذ قرار بشأن كيفية متابعة الأمر. وتابع: "سيتخذ الرئيس هذا القرار، بناءً على حكمه والنصيحة التي يتلقاها بشأن متطلّبات الدستور".
جاء ذلك بعدما أعلن 140 نائباً جمهورياً، و12 سيناتوراً جمهورياً، أنهم سيطعنون بالأصوات الانتخابية لواحدة على الأقلّ من الولايات المتأرجحة، خلال جلسة الكونغرس الأربعاء.
ودفعت فروع الحزب الجمهوري في ولايات كثيرة الاثنين، رونا مكدانيال، التي ترأس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، إلى توجيه رسائل إلى بنس، تشجّعه على رفض الناخبين الذين اختيروا بشكل قانوني، في جورجيا وميشيغان وويسكونسن وأريزونا ونيفادا وبنسلفانيا.
بين الرئيس ونائبه
واعتبرت "أسوشيتد برس" أن هذه الجهود تجعل نأي بنس عن الخلافات مستحيلاً، كما كان يأمل حلفاء له. وأسِف آخرون لأن موالين لترمب، بينهم مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين، والمحامية سيدني باول، حاولوا دقّ إسفين بين الرئيس ونائبه.
وذكرت الوكالة أن بنس أبلغ ماكنتوش إحباطه، من إعلان أعدّته مجموعة "مشروع لينكولن" المناهضة لترمب، مروّجاً لنأي نائب الرئيس عن ترمب. لذلك أعدّ "نادي النموّ" إعلاناً خاصاً، نشره في بالم بيتش، خلال عطلة ترمب في فلوريدا، معلناً ولاء بنس للرئيس.
ورجّح ماكنتوش أن يتجاوز بنس هذه المعضلة، محتفظاً بسُمعة سليمة. وقال: "هناك شعور غير مريح الآن، ولكن على المدى البعيد، يحترمك الناس إذا فعلت ما تعتقد بأنه صحيح، وشرحت سبب قيامك بذلك. هذه اللحظة ستمرّ، وسيُتخذ القرار".