قالت "بلومبرغ" إن الرئيس الصيني شي جين بينج يعيد تقييم نهجه المتشدد تجاه تايوان، قبل عام على إجراء الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الجزيرة في 2024، والتي يحظى الشريك التفاوضي المفضل لحكومته (حزب الكوميتانج المعارض) بإمكانية الفوز بها.
وذكرت أن نائب رئيس حزب "الكومينتانج" في تايوان أندرو هسيا سيتوجه إلى الصين، الأربعاء، في أحدث اللفتات الودية بين الخصمين السابقين في الحرب الأهلية الصينية (الحزب والصين).
كما ذكرت أن هسيا سيقوم على مدى 9 أيام، بزيارة العديد من المدن الصينية وبينها العاصمة بكين، لكنه قال في تصريحات إعلامية إنه لا ترتيبات مسبقة لمقابلة الرئيس الصيني.
بدورها، ألمحت بكين إلى أنها تعتزم استئناف عمليات الاستيراد من أكثر من 60 شركة أغذية تايوانية كانت ضمن قائمة المصدرين الذين حظرتهم العام الماضي، في خطوة تمثل تراجعاً عن "عقوبة غير رسمية" استخدمتها الصين لإبداء استيائها من الرئيسة تساي إنج ون، على خلفية بعض الممارسات مثل تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.
"خطاب تصالحي"
الباحث المتخصص في السياسة التايوانية والعلاقات عبر المضيق في الجامعة الوطنية الأسترالية ون تي سونج، قال لـ"بلومبرغ" إنه "مع اقترب بدء الحملات الرئاسية في تايوان، أصبح الوقت ملائماً لبكين لتقليص عقوباتها ضد تايبيه، وإلا فإن هذه العقوبات ستصبح عبئاً كبيراً على السياسيين التايوانيين الذين تربطهم علاقات ودية ببكين"، مضيفاً أن "هذا ما نراه الآن".
وفي حين أن من السابق لأوانه تحديد مدى التحول في المقاربة الصينية تجاه تايوان، إلا أن هذه الاستراتيجية تتزامن مع تبني الصين خطاباً "أكثر تصالحية" في تعاملاتها مع الولايات المتحدة وحلفائها، منذ اللقاء الذي جمع شي بنظيره الأميركي جو بايدن في جزيرة بالي الإندونيسية، نوفمبر الماضي، وفقاً لـ"بلومبرغ".
وتهدف هذه "النبرة التصالحية" إلى معالجة الانهيار الذي تعانيه بكين في الدعم العام بجميع أنحاء العالم المتقدم، والعودة إلى التركيز على الاقتصاد الذي تضرر جراء تطبيق سياسة "صفر كوفيد" الصارمة على مدى 3 سنوات، بحسب "بلومبرغ".
وكان مقرراً أن تبدأ زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين هذا الأسبوع، في أول رحلة من نوعها يقوم بها دبلوماسي أميركي رفيع منذ أكثر من 4 سنوات، إلا أنها تأجلت على خلفية المنطاد الصيني، الذي قالت واشنطن إنه يتجسس على مواقع حساسة في البلاد.
وفي إشارة مستقبلية على استخدام الصين "نبرة أكثر سلاسة" تجاه تايوان، نشرت قيادة جيش التحرير الشعبي في الشرق، وهي الوحدة العسكرية المنوط بها قيادة أي "غزو صيني محتمل ضد تايوان"، مقطع فيديو في نهاية الأسبوع للاحتفال مع الشعب التايواني بعطلة صينية، وفق "بلومبرغ".
وأبرز الفيديو دور جيش التحرير الشعبي في حماية رفاهية الشعب الصيني على المدى الطويل والحياة الطيبة للأسر على جانبي المضيق.
ومع ذلك، مزج المقطع بين صور الألعاب النارية وصوراً لأقارب تايوانيين يتشبثون بطائرات مقاتلة وصواريخ قصيرة المدى في تذكير بالأسلحة التي أطلقتها الصين حول وفوق الجزيرة، رداً على الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي حينها نانسي بيلوسي في أغسطس الماضي لتايبيه.
وقد تُظهر زيارة محتملة لرئيس مجلس النواب الجديد كيفين مكارثي في الأشهر المقبلة، إلى أي مدى "قيمت الصين مقاربتها"، وفقاً لـ "بلومبرغ".
انتخابات 2024
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن الانتخابات الرئاسية المقررة في تايوان في يناير 2024، تمثل أحد الأسباب التي تدفع ببكين إلى تعديل خطتها من أجل ضمان السيطرة على الجزيرة الخاضعة للحكم الديمقراطي.
ولفتت إلى أنه لم يعد بمقدور الرئيسة التايوانية تساي إنج الترشح مرة أخرى، بسبب القيود المحدِدة لعدد الفترات الرئاسية في تايوان ما يفتح المجال أمام مرشحين جدد على رأسهم ويليام لاي، نائب الرئيسة، ليكون مرشح الحزب الديمقرطي التقدمي على مقعد الرئاسة.
وكان لاي قد وصف نفسه باعتباره "العامل السياسي من أجل استقلال تايوان"، وهو الخطاب الذي يثير غضب بكين التي ينتقد مسؤولوها في كثير من الأحيان "الحزب الديمقراطي التقدمي" الحاكم على خلفية "تواطئه" مع الولايات المتحدة، الداعم العسكري الرئيسي لتايوان.
ويأتي هو يو إيه، عمدة مدينة تايبيه الجديد، وتيري جو، مؤسس مجموعة "فوكسكون تكنولوجي جروب" على رأس قائمة مرشحي حزب "الكومينتانج" الأوفر حظاً، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته قناة TVBS التايوانية، الشهر الماضي.
انتصار محتمل لـ"الكومينتانج"
وفتح الأداء القوي لحزب "الكومينتانج" في الانتخابات المحلية الباب أمام احتمالية تحقيقه أول انتصار في الانتخابات الرئاسية منذ عقد من الزمان.
وترتبط محاولات فوز الحزب بأصوات الناخبين بقدرة بكين على إصلاح صورتها في تايوان، والتي ارتبطت على مدى السنوات الأخيرة بالتهديد بالغزو وتفاقم الضغوط الاقتصادية والسياسية على حكومة تساي إنج، وقمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في هونج كونج، وفقاً لـ "بلومبرغ".
وبحسب استطلاع نشره مجلس شؤون البر الرئيسي في تايبيه، أكتوبر الماضي، أعرب أكثر من 78% من المستطلعين عن شعورهم بأن الصين تتبنى موقفاً "غير ودي" تجاه حكومة تايوان، فيما قال نحو 61% إن بكين كانت "غير ودودة" مع الشعب التايواني.
ورغم قتاله وهزيمته أمام الشيوعي ماو سي تونج في الحرب الأهلية بالنصف الأول من القرن الـ20، يبقى حزب "الكومينتانج" الشريك التفاوضي المفضل لدى بكين في تايوان، حيث يتشاركان فكرة أن "الجزيرة جزء من الصين"، وفقاً لـ "بلومبرغ".
وفي عهد الرئيس السابق لحزب "الكومينتانج" والرئيس التايواني السابق ما ينج جيو، خففت تايبيه وبكين حدة قيود على السياحة والاستثمار استمرت على مدى عقود.