هل أطاح مشروع الاستقلال عن بريطانيا برئيسة وزراء اسكتلندا؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستيرجن خلال مغادرة مقر الحكومة في أدنبرة - 15 فبراير 2023 - REUTERS
رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستيرجن خلال مغادرة مقر الحكومة في أدنبرة - 15 فبراير 2023 - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

جاءت استقالة رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجين مفاجئة للجميع، ولكن من الواضح أن هذا القرار لم تتوصل له الأخيرة بين ليلة وضحاها، فقد استغرق الأمر أسابيع على حد قولها.

ستيرجين نوهّت إلى أن الاستقالة لم تكن تحت ضغط من حزبها أو غيره. ولكنها اعترفت بأنها لم تعد تمتلك اليقين إزاء قدرتها "على مواصلة المعركة من أجل الاستقلال الذي كرست له حياتها".

وقالت ستيرجن في خطاب إعلان الاستقالة، في وقت سابق الأربعاء، إنها سوف تواصل خدمة بلادها من خارج مقر الحكومة، مشددة على أن "اسكتلندا لا تستحق أداء أقل من 100% في ظل هذه الظروف التي تعيشها".

ولكن، برأي مختصين وخبراء، لم تعد رئيسة الحزب القومي الاسكتلندي قادرة على قيادة أدنبرة نحو الاستقلال بالطريقة التي يريدها المتطرفون في الحزب، كما لم تعد قادرة على التراجع عن مسار الاستقلال.

رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك شكر ستيرجن على خدماتها، وتمنى لها النجاح في خطواتها اللاحقة، كما أكد أنه سيواصل العمل عن كثب مع رأس الحكومة الاسكتلندية الجديد. 

هوية خليفة ستيرجن سوف تحدد إن كان سوناك سيفرح لاستقالتها أم أنه سيحزن على ذهابها، فملف وحدة أدنبرة ولندن لا زال مصدر صداع مستمر لحزب المحافظين منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست". 

خلفيات الاستقالة   

في خطاب استقالتها، قالت ستيرجن إنها تحملت الكثيرفي الفترة الأخيرة، واعترفت بأنها نظراً لكونها لم تعد قادرة على العطاء بشكل كامل اختارت الرحيل.

بناء على ما تقدم، ما المشكلات التي وضعت رئيسة وزراء اسكتلندا تحت الضغط خلال الفترة القصيرة الماضية؟ وهل الأمر يتعلق فقط بسعي أدنبرة نحو الاستقلال عن لندن، أم أن ستيرجن تعاني أزمات قيادية في أماكن ومواضيع أخرى بعيداً عن مشروع الانفصال؟

يقول عضو البرلمان الاسكتلندي عن "حزب المحافظين" راسل فيندلاي، إن حكومة أدنبرة تعرضت أخيراً لمشكلتين ربما ساهمتا بشكل كبير في استقالة ستيرجن، الأولى تتعلق بالرجل مغتصب النساء، الذي تحول جنسياً ووافقت الحكومة على نقله إلى سجن خاص بالنساء، والثانية تتمثل بفضيحة مالية طاولت زوج رئيسة الوزراء، وتبعها شبهات فساد يعيشها الحزب وتحقق بها الشرطة الاسكتلندية. 

ويوضح فيندلاي في حديث مع راديو "إل بي سي"، أن محاكمة "المتحول جنسياً" إيسلا برايسون، تحولت إلى قضية رأي عام في اسكتلندا خصوصاً والمملكة المتحدة عموماً. 

تجدر الإشارة إلى أن رئيسة الوزراء تعرضت للوم على تأييدها الضمني للمتهم، ولقانون التحول الجنسي في اسكتلندا، ولكن البرلمان البريطاني منع صدور القانون لأنه يمنح من هم دون الثامنة عشرة حق تغيير جنسهم وفق ما يريدون. 

كذلك تعرضت ستيرجن للاستجواب أخيراً بشأن قرض حصل عليه زوجها بقيمة 107 آلاف جنيه إسترليني، وجدت نفسها عاجزة عن تقديم الإجابات بشأنه، كما لا تملك إجابات أيضاً بشأن المصير المجهول لـ600 ألف جنيه دفعت من أعضاء الحزب دعماً لمشروع استقلال اسكتلندا، ناهيك عن استقالة نواب ومسؤولين بحجة غياب ما وصفوه بـ"الشفافية المالية" منذ انتهاء الانتخابات الماضية.  

في المؤتمر الصحافي الذي عقدته ستيرجن للإعلان عن استقالتها، سألها أحد الصحافيين عما إذا كانت تتوقع استجواباً من قبل الشرطة إزاء شبهات فساد تحيط ببعض المسؤولين في الحزب، فرفضت رئيسة الوزراء المستقيلة الرد والنقاش بشأن تحقيقات الشرطة.  

تجدر الإشارة إلى أن المشكلات المالية أو موقف حكومة أدنبرة إزاء قضية المتحول جنسياً، لم تنل من شعبية الحزب القومي الاسكتلندي بشكل عام. فقد أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن الحزب لا يزال يتصدر نوايا التصويت للانتخابات المقبلة بنحو 44% من أصوات الناخبين، ومن ثم يأتي حزب العمال بنحو 27%، وبعده حزب المحافظين بـ 17%، ويليه الحزب الليبرالي الديمقراطي بنسبة تقارب 7%. 

خليفة ستيرجن 

وانهالت الإشادات المحلية والأوروبية برئيسة وزراء اسكتلندا وتاريخها السياسي الطويل، ولكن ردود الفعل الصادرة عن نواب الحزب القومي كانت كلها تدور حول الشخصية القيادية الملهمة لمستقبل مشروع الاستقلال المنتظر عن بريطانيا. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن زعيم الحزب في برلمان لندن، إيان بلاكفورد قوله، إن ستيرجن ستكون مهندسة اسكتلندا بعد تحقيق الاستقلال. 

عضوة البرلمان البريطاني عن منطقة أدنبرة جوانا شيري، قالت إن الحزب القومي الاسكتلندي يجب أن يتفاعل مع استقالة نيكولا ستيرجن بما يعود بالنفع على اسكتلندا واستقلالها، مشيرة إلى أن الحزب يحتاج إلى انتخابات تدور حول سياسة القائد المقبل وليس شخصيته، أي أن أهداف الحزب على الأقل في انتخابات العام القادم، ستكون هي المحدد الرئيسي لاختيار الرئيس الجديد لحكومة أدنبرة.

تصريحات شيري لهيئة الإذاعة البريطانية تستدعي التساؤل بشأن مصير قرار الحزب إعلان استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، العنوان الرئيسي لمعركة الانتخابات العامة في 2024. 

ويقول وزير شؤون اسكتلندا في الحكومة البريطانية إليستر جاك على تويتر، إن استقالة ستيرجن تفتح الباب أمام الحزب الاسكتلندي للتخلي عن "هوس" الاستقلال عن بريطانيا، والالتفات إلى ما يفيد الناس ويخدمهم. 

انقسام حقيقي

وأوضح الصحافي المختص بالشأن الاسكتلندي جارث روز، أن تخلي الحزب القومي الاسكتلندي عن فكرة الاستقلال عن بريطانيا سيؤدي إلى هبوط كبير في شعبيته، فشريحة واسعة من قاعدته الجماهيرية تؤمن بهذه الفكرة، ولن تقبل بالتخلي عنها من دون مبرر، وقال روز لـ"الشرق" إن هناك انقساماً حقيقياً تجاه الاستقلال في المجتمع الاسكتلندي، وهذا الانقسام تعزز كثيراً بعد "بريكست". 

وأضاف أن الحزب الحاكم في اسكتلندا يعاني تباينات بشأن تحويل حملته الانتخابية بالكامل نحو الاستقلال العام المقبل، ولكن ذلك لا يلغي حقيقة حاجته لأن يكون طلاق لندن وأدنبرة ضمن أجندة الحزب في أول انتخابات عامة بعد تطبيق خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وما تبع "بريكست" من تداعيات على سكان اسكتلندا، كما بقية المملكة المتحدة، من مشكلات اقتصادية ومعيشية كثيرة.

ورأى روز أن خليفة ستيرجن سيكون على الأرجح شخصية وسطية في التعاطي مع الاستقلال، يبقيه عنواناً أول على أجندة الحزب في انتخابات 2024، ولكنه في الوقت ذاته لا يظهر خصومة مع بقية دول المملكة المتحدة، أو يظهر الأمر وكأن العلاقة بين لندن وأدنبرة ستتحول إلى خصومة وعداء مع مرور الوقت واستمرار الوحدة بين العاصمتين. 

تأثير الوحدة المعقدة 

وتسلمت ستيرجن السلطة ورئاسة الحزب القومي الاسكتلندي منذ 8 سنوات، إذ تولت رئاسة الحكومة خلفا لأليكس ساموند الذي استقال بعد تصويت الاسكتلنديين لصالح الوحدة مع بريطانيا في استفتاء عام 2014.

وتعتبر ستيرجن أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد، وقد عملت بقوة على إعادة إحياء مشروع الاستفتاء على الوحدة بين لندن وأدنبرة منذ وقوع "بريكست" قبل عامين.

ورفضت حكومة لندن وبرلمانها، إضافة إلى المحكمة العليا البريطانية، خطط الحزب القومي الاسكتلندي لإطلاق استفتاء جديد على الوحدة مع بريطانيا بعد "بريكست"، وهو ما دفع ستيرجن للقول إنها وحزبها سوف يجعلان الانتخابات العامة المقبلة بمثابة استفتاء شعبي على الوحدة، إذ أن الاستفتاء سيكون العنوان الوحيد على أجندة الحزب لخوض الاستحقاق المقبل.  

وبحسب المؤرخ البريطاني جون ماكهوجو "يصعب الحديث عن فك العلاقة المعقدة بين أدنبرة ولندن بهذه البساطة التي كانت تحاول نيكولا ستيرجن الترويج لها". 

وقال ماكجوجو لـ"الشرق" إنه حتى بعد "بريكست" لا يمكن القول إن الاسكتلنديين حسموا أمرهم نحو الانفصال عن بريطانيا نهائياً. ولفت إلى أن "الحالة الجدلية إزاء هذه المسألة لا زالت مستمرة كما كانت في عام 2014". 

وأشار ماكجوجو إلى أن الحزب القومي الاسكتلندي يدرك أن "التعصب" في قضية طلاق لندن وأدنبرة لن يكون مفيداً خلال المنافسة الانتخابية المقبلة. وقد يدفع بأنصاره نحو التصويت لغيره، إن كانت قناعاتهم لم تحسم لصالح هذه المسألة. أو أنهم يخشون انقسام البلاد إزاء الانفصال عن بريطانيا، أو وقوعها بمشكلات على غرار التي تعانيها المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. 

ويبدو أن اختيار خليفة ستيرجن سوف يظل معلّقاً إلى مارس المقبل. علماً أنه أياً كان المرشح لهذا المنصب، يقع على عاتقه أن يضمن وحدة الحزب القومي الاسكتلندي خلال أقل من عام ونصف على انتخابات 2024، خصوصاً أن غياب ستيرجن بعث بنوع من التفاؤل في الأحزاب الأخرى إزاء إمكانية التوسع في عدد مقاعدها داخل برلمان أدنبرة. وقد عبر عن ذلك صراحة رئيس "حزب العمال" كير ستارمر، عندما قال في وداع رئيسة الوزراء المستقيلة، إن حزبه "جاهز للتغيير" في اسكتلندا. 

بعد موافقة الملك تشارلز الثالث على استقالة نيكولا ستيرجن، سيكون أمام البرلمان الاسكتلندي 28 يوماً لاختيار رئيس جديد لحكومة أدنبرة، وإلا سوف يضطر للدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة. 

ويقول الحزب القومي الاسكتلندي الحاكم إن أي مرشح لخلافة ستيرجن يجب أن يحصل على أصوات 100 عضو فيف الحزب، من 20 مركز إداري على الأقل. ويشار إلى أن هذا الاقتراع الحزبي سيكون عبر البريد، وبالتالي لن تعرف هوية الرئيس الجديد للحزب والحكومة قبل مارس المقبل. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات