"ميونيخ للأمن".. قصة مؤتمر أسّسه عسكري ألماني لفهم السياسة عبر الأطلسي

time reading iconدقائق القراءة - 9
عشاء دولة للمشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن يستضيفه رئيس حكومة ولاية بافاريا هوفرست سيهوفر، ميونيخ. 14 فبراير 2016 - securityconference.org
عشاء دولة للمشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن يستضيفه رئيس حكومة ولاية بافاريا هوفرست سيهوفر، ميونيخ. 14 فبراير 2016 - securityconference.org
دبي-محمد سعد

انطلقت النسخة الـ59 من "مؤتمر ميونيخ للأمن" في فندق بيرشير هوف الفخم، الجمعة، وتمتد على مدار 3 أيام تشهد نقاشات على مستوى عال ٍ بشأن "تحديات سياسية وأمنية رئيسية" قبيل ذكرى مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، وينتهزها المؤتمر فرصة لـ"تقييم تماسك التحالف الغربي والالتزام السياسي بنظام عالمي قائم على القواعد".

فندق بيرشير هوف الذي يستضيف المؤتمر مبنى تاريخي فتح أبوابه للمرة الأولى عام 1841، وأشرف على بنائه المعماري فريدريك فون جارتنر، بناءً على تكليف من الملك لودفيج الأول عام 1839، إذ عبّر عن رغبته في بناء فندق من الطراز الأول، فعهد به إلى المعماري المفضل لديه.

تعرّض المبنى للتدمير بشكل شبه كامل، ولم يتبق منه سوى قاعة المرايا التي بقيت دون خدش. وأعيد بناء الفندق بعد الحرب.

 التأسيس

بحسب موقعه الإلكتروني، تأسس مؤتمر ميونيخ للأمن في خريف 1963، وتغيّر مذاك بشكل كبير لم يكن الاسم أقله، إذ تأسس في البداية تحت اسم "الاجتماع العسكري الدولي" أو بالألمانية "Internationale Wehrkunde-Begegnung" على يد ضابط مشاة ألماني سابق يدعى إيوالد فون كلايست، خدم في الحرب العالمية الثانية، وكان ضمن المشاركين في خطة ملغاة لاغتيال الزعيم النازي أدولف هتلر.

ورغم التغيرات التي لحقت بالمؤتمر بدءاً من الاسم والمشاركين والحضور، إلا أن الهدف الرئيسي وراء اللقاء السنوي "لم يتغير منذ بدايته".

ويصف المؤتمر في صفحته التعريفية على موقعه الإلكتروني أهدافه بأنه "منصة مستقلة لصنّاع السياسة والخبراء لخوض نقاشات مفتوحة وبناءة بشأن أبرز القضايا الأمنية الملحة في حاضرنا ومستقبلنا".

 إيوالد فون كلايست

إيوالد فون كلايست (1922 - 2013) الذي أسس المؤتمر هو ضابط مشاة ألماني شارك في الحرب العالمية الثانية، وكان أحد الضباط الذين خططوا لاغتيال هتلر بقنبلة انتحارية عام 1944 حين تبين لهم أن ألمانيا تخسر ولن تفوز بالحرب.

وكان كلايست موكلاً إليه مهمة عرض زي عسكري جديد على هتلر، ووافق على ارتداء معطف مفخخ قبل أن يتم إلغاء الخطة، بعد تغيير مفاجئ قام به هتلر لجدوله، ضمن تغييرات في اللحظة الأخيرة كان يقوم بها عادة توخياً لسلامته، وفقاً لما ذكرته صحيفة "الجارديان" البريطانية.

وظل كلايست، الذي عمل منذ الخمسينات ناشراً ومؤلفاً غزير الإنتاج، راعياً للمؤتمر لنحو 30 عاماً، وكان عاملاً حاسماً في دفع الحوار الأمني عبر الأطلسي، ودخول ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكذلك عالم الحرب الباردة الأمني الأوسع نطاقاً.

فهم السياسة الأمنية والدفاعية

في العقد الأول من تاريخ المؤتمر اقتصر الحضور على عدد محدود من الدول، وكان هذا مقصوداً، إذ إن الحضور كان صغيراً نسبياً ولا يتعدى العشرات، ورغم أن اللقاء العسكري كان دولياً منذ بدايته، إلا أنه في المقام الأول كان منصة يلتقي من خلالها المشاركون الألمان بنظرائهم من الدول الحليفة مثل الولايات المتحدة، وعدد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ونتيجة لذلك كان يطلق على المؤتمر مجازاً "اجتماع عائلة عبر الأطلسي"، وركزت النقاشات في ميونيخ على السياسة الغربية في إطار مواجهات الحرب الباردة.

وأسس كلايست "اللقاء العسكري الدولي" في1963 لما رآه من "نقص الخبراء في القضايا النووية"، ولتحسين فهم المشرّعين الألمان للسياسة الأمنية الأميركية.

خلال الحرب الباردة، وفي ظل أزمة الصواريخ الكوبية وأزمة برلين، بدا واضحاً أمام كلايست غياب أي منتدى عابر للأطلسي يناقش القضايا الأمنية والدفاعية الملحة خارج القنوات الرسمية.

ومن بين أبرز الحضور في السنوات الأولى للمؤتمر وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، والمستشار الألماني هيلمون شميدت (1974 – 1982).

وفي الذكرى الـ66 لمحاولة الاغتيال الفاشلة لهتلر، ألقى كلايست خطاباً قال فيه: "لقد عشنا سنوات من السلام في وسط أوروبا. يجب ألا يؤخذ هذا كأمر مسلم به".

نهاية الحرب الباردة

مع نهاية الحرب الباردة، بدأ مؤسس المؤتمر إيوالد فون كلايست وخليفته هوريست تيلتشيك في دعوة المزيد من المشاركين من دول لم تكن جزءاً من العالم الغربي من قبل. وبدأوا في إفساح المجال أمام مشاركين من دول وسط وشرق أوروبا، وكذلك من الاتحاد الروسي.

وبدأت رئاسة المؤتمر في ذلك الوقت التحرك إلى ما بعد حدود جانبه من الحرب الباردة، مثلما فعل حلف الناتو، رغبة في أن يظل المؤتمر والحلف منتميين إلى عصرهما.

اتساع دائرة المشاركين

مع تزايد عدد اللاعبين الدوليين في المجال الأمني، اتسعت دائرة المشاركين في المؤتمر، ولكنه أصر على أن يظل في صلبه "عابراً للأطلسي"، يعني أنه يجمع أوروبا والولايات المتحدة.

وبات المؤتمر يدعو مشاركين رفيعي المستوى من الصين والبرازيل والهند. وفي السنوات الأخيرة، مع تزايد النقاش حول طموحات إيران النووية، بدأ المؤتمر في دعوة قادة من الشرق الأوسط إلى ميونيخ، ما "فتح الباب أمام حجج ونقاشات جدلية، ومنح الفرصة لتعميق الحوار خارج وداخل منصة المؤتمر".

وبدلاً من اقتصار الحوار على العسكريين، يحضر المؤتمر في بيرشير هوف، إلى جانب القادة العسكريين، رؤساء تنفيذيون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان ومدافعون عن البيئة وقادة المجتمع المدني.

 "Zeitenwende"

انطلق الغزو الروسي لأوكرانيا بعد أيام على انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن في 2022، وهو ما بات يُرى في العالم الغربي أنه "Zeitenwende"، وهي كلمة ألمانية تعني اللحظة الفاصلة، وسيبحث المؤتمر في دورته الحالية تداعيات الغزو وتلك اللحظة على العالم.

قال مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الـ59 إن "الحرب الوحشية لم تقد فقط إلى معاناة كبيرة في أوكرانيا، ولكنها فاقمت أيضاً الأزمات حول العالم".

وسيبحث المؤتمر في 2023 شكل العالم بعد عام على بدء الغزو، و"ما إذا كانت الحرب مؤشراً على عالم أكثر عنفاً، تتسيد فيه الحصانة من العقاب، ويفعل فيه القوي ما يشاء، ويعاني فيه الضعيف ما يجب أن يعانيه، وما إذا كانت تلك الحرب محفزاً لتجديد الالتزام بنظام عالمي يقوم على القواعد".

يحكم المؤتمر منذ انعقاده قبل نحو 6 عقود قاعدة تُعرف باسم "قاعدة ميونيخ"، وهي تنص على أن "ينخرط المشاركون ويتفاعلوا معاً، وألا يحاضر أحدهم الآخر، وألا يتجاهلوا بعضهم البعض سواء على المنصة أو خارجها".

وتضم قائمة المتحدثين في دورة هذا العام عدداً كبيراً من القادة العالميين، من بينهم نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ماتسوتاكيس، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال وعدد من المسؤولين والمشرّعين الأوروبيين والأميركيين.

ومن خارج الدائرة الغربية وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية مريم بنت محمد سعيد المهيري، ووزير الخارجية الباكستاني بيلاول بوتو زرداري.

وتضم قائمة الموضوعات المطروحة على طاولة النقاش في دورة المؤتمر للعام 2023  الدفاع والأمن، والاقتصاد والتكنولوجيا، والديمقراطية وحكم القانون، والعلاقات مع الصين، والعلاقات مع روسيا، والعلاقات مع الجنوب، وأمن الصحة، وأمن الغذاء، والمناخ والطاقة. يمكن الاطلاع على الأجندة الكاملة للمؤتمر من هنا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات