توصلت بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق يضع حداً لخلافات الطرفين بشأن عمليات المراقبة لمرحلة ما بعد بريكست في إيرلندا الشمالية، الاثنين.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، خلال مؤتمر صحافي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن الطرفين حققا "اختراقاً حاسماً"، بالتوصل إلى اتفاق يقضي بتعديل بروتوكول إيرلندا الشمالية، في حين اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أوروسولا فون دير لاين أن الاتفاق يسمح بـ"بدء فصل جديد" في العلاقات بين الجانبين بعد خروج بريطانيا من التكتل.
وأكد سوناك أن الاتفاق يضمن التدفق السلس للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، مشدداً على أن الطرفين "حلفاء، أصدقاء، وشركاء تجاريين". ووصف الاتفاق المسمى بـ"إطار عمل ويندسور" بأنه بداية فصل جديد في علاقات بريطانيا بالاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن مفاوضي الجانبين وجدوا طريقة لإنهاء حالة "عدم اليقين" في إيرلندا الشمالية، مشيراً إلى أن الاتفاق يحفظ "التوازن الدقيق لاتفاق بلفاست"، في إشارة لاتفاق أبرم عام 1998 بين المملكة المتحدة وإيرلندا وأنهى عقود من الصراع في الجزيرة المنقسمة بين إقليم تابع للتاج البريطاني وجمهورية مستقلة.
خطوط تجارية
وأضاف سوناك أن "إطار عمل ويندسور" يحدد خطوطاً تجارية، وتابع "ستستخدم البضائع التي ستبقى في المملكة المتحدة طريقاً أخضر جديداً مع خط أحمر منفصل لنقل البضائع إلى الاتحاد الأوروبي"، موضحاً أن المواد الغذائية المتوافرة في بريطانيا ستكون موجودة أيضاً في إيرلندا الشمالية، وكذلك الأدوية المسموح بها في المملكة المتحدة.
وشدد على أن الاتفاق يزيل أي صورة من صور الحدود في البحر الإيرلندي، كما أنها تضمن سيادة بريطانيا في إيرلندا الشمالية، والاستقرار لشعبها.
وأشار إلى أن الجانبين البريطاني والأوروبي أنهيا البنود القانونية لبروتوكول إيرلندا الشمالية، وستحتاج أحزاب برلمان الإقليم وقتاً لدراسة الصفقة بالتفصيل.
وبشأن تطبيق القوانين الأوروبية في إيرلندا الشمالية، قال سوناك إن قانون الاتحاد الأوروبي الوحيد الذي سيتم تطبيقه في شمال إيرلندا سيكون الحد الأدنى اللازم لتجنب تطبيق "الحدود الصعبة".
ولفت إلى أن برلمان إيرلندا الشمالية "ستورمونت" يمكنه إيقاف تطبيق قوانين الاتحاد الأوروبي على أراضي الإقليم، لكنه أوضح أنه إذا عرقل البرلمان الإقليمي الصفقة، فإن للحكومة البريطانية حق النقض "الفيتو". وأوضح سوناك أن البرلمان البريطاني "مجلس العموم" سيصوت على اتفاق إيرلندا الشمالية.
واختتم حديثه بالقول إن الاتفاق مبني على تحقيق الاستقرار في إيرلندا الشمالية، وأن وحدة بريطانيا سوف تستمر.
"مفيد للجميع"
من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن الاتفاق الجديد سيكون مفيداً للجميع، وأضافت أن إطار عمل وندسور "يحترم ويحمي أسواقنا المعنية".
وأضافت أن محكمة العدل الأوروبية سيكون لها كلمة الفصل في مسائل قانون الاتحاد الأوروبي وقضايا السوق الموحدة، مؤكدة أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه "من حيث المبدأ"، يسمح للطرفين بـ"بدء فصل جديد" في علاقتهما، مشددة على أنه تم التوصل إلى "ضمانات قوية" لضمان نجاح الاتفاق.
وقالت إن إطار العمل يحمي الأسواق البريطانية والأوروبية، مشيرة إلى أن الاتفاق يدعم "جميع المجتمعات التي تحتفل بالسلام في جزيرة إيرلندا".
وأشارت إلى أن "هناك دوراً لقانون الاتحاد الأوروبي في إيرلندا الشمالية"، ولكنها أوضحت أن ذلك سيتم بالتوافق. وأوضحت أن مراجعة برلمان الإقليم للاتفاق مبني على عملية السلام في الجزيرة، مشيرة إلى أن هناك العديد من الإجراءات المتاحة لتفادي "مكابح" البرلمان الإقليمي، وأوضحت أنها ستكون لـ "الاستخدام الطارئ".
وتابعت أنه بمجرد بدء تنفيذ الاتفاق، يمكن لبريطانيا الانضمام لمشروع البحث العلمي الأوروبي المشترك.
واجتمع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في ويندسور قرب لندن لإجراء محادثات "نهائية" حول هذا الملف المتوتر.
وأصدرت الحكومة البريطانية وثيقة بشأن بنود "إطار عمل ويندسور"، أكدت فيه حصول المملكة المتحدة على "صلاحيات كاملة ودائمة لفرض ضريبة القيمة المضافة وقواعد صارمة على الكحول والسلع الأخرى في أيرلندا الشمالية".
وأضافت الوثيقة أن حق الاعتراض الممنوح لبرلمان إيرلندا الشمالية ينطبق على "التغييرات التي تطرأ على قواعد الجمارك والسلع والزراعة في الاتحاد الأوروبي ضمن نطاق البروتوكول الأصلي"، موضحة أن القواعد المنظمة لذلك ستكون على نفس أسس "التماس القلق" المطبقة في اتفاق بلفاست أو "الجمعة العظيمة".
وأكدت الحكومة البريطانية أن تطبيق "مكابح" البرلمان الإقليمي لن يكون "لأسباب تافهة"، وقالت "بمجرد أن تخطر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي بأن المكابح قد تم تحريكها، يتم تعليق البند محل الاعتراض تلقائياً".
سحب الإجراءات القانونية
وعقب التوصل إلى الاتفاق، أعلنت الحكومة البريطانية أن لندن لن تمضي قدماً في تشريع يعتزم إلغاء بعض القواعد التجارية لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يخص إيرلندا الشمالية.
وقال مكتب رئيس الوزراء ريشي سوناك في بيان: "لن تمضي حكومة المملكة المتحدة بعد الآن في مشروع قانون بروتوكول إيرلندا الشمالية، إذ توصلت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تفاوضي".
وأضاف البيان أن الاتفاق يعني أيضاً أن الاتحاد الأوروبي سيسحب جميع الإجراءات القانونية التي اتخذها ضد بريطانيا.
وقال مكتب سوناك: "اتفقت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على العمل معاً لتوقع أي قضايا أخرى قد تظهر والتعامل معها، وأصدرا إعلاناً مشتركاً لحل القضايا من خلال الحوار، بدلاً من إجراءات النزاع الرسمية".
ويبقى على سوناك مواجهة زملائه. فعلى صعيد هذا الملف يواجه معارضة قوية من برلمانيين محافظين، ولا سيما سلفه بوريس جونسون الذي رفض البروتوكول في 2022 بعدما وقعه قبل سنتين.
ويثير احتمال إبقاء قوانين الاتحاد الاوروبي سارية في إيرلندا الشمالية غضب الحزب الوحدوي الديمقراطي، الذي من شأن موقفه أن يثير رد فعل محافظين مشككين في جدوى الاتحاد الأوروبي في لندن.
زعيم الحزب الوحدوي جيفري دونالدسون، الذي يرفض تشكيل حكومة تقاسم للسلطة في بلفاست، من المفترض أن يقودها قوميون موالون لإيرلندا، أعلن في تغريدة أن الحزب سيدرس بتمعن تفاصيل الاتفاق.
ترحيب إيرلندي وأميركي
من جانبه، رحب وزير الخارجية الإيرلندي ميشال مارتن بالاتفاق الذي أبرمته بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وحث أطراف إيرلندا الشمالية على التحرك بسرعة لاستعادة حكومة تقاسم السلطة.
وقال مارتن، الذي كان يشغل رئاسة الوزراء خلال معظم فترة المفاوضات، في بيان "سمعت بنفسي مخاوف العديد من النقابيين. وأعتقد أنهم سيرون في هذا استجابة حقيقية لمخاوفهم الحقيقية".
وأضاف "أقدر أنه قد تكون هناك حاجة لبعض الوقت للنظر في تفاصيل الصفقة، لكنني أحث الزعماء السياسيين في إيرلندا الشمالية على التحرك بسرعة، لإنشاء مؤسسات يمكن أن تستجيب بشكل مباشر لاحتياجات شعب إيرلندا الشمالية".
كما رحب الرئيس الأميركي جو بايدن بالاتفاق، ووصفه بأنه "خطوة أساسية لضمان الحفاظ على السلام الذي تم تحقيقه بشق الأنفس والتقدم في اتفاقية بلفاست"، وفق بيان البيت الأبيض.
وأعرب عن تقديره لجهود قادة ومسؤولي الجانبين البريطاني والأوروبي "الذين عملوا بلا كلل لإيجاد طريقة للمضي قدماً لحماية مكانة إيرلندا الشمالية في السوق الداخلية للمملكة المتحدة وكذلك السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لصالح جميع المجتمعات في إيرلندا الشمالية".
وأكد بايدن ثقته في قدرة المواطنين والشركات في إيرلندا الشمالية على الاستفادة الكاملة من الفرص الاقتصادية التي يخلقها هذا الاستقرار واليقين"، مشيراً لاستعداد واشنطن لدعم "الإمكانات الاقتصادية الهائلة للمنطقة".
وأشار الى أن المبعوث الأميركي الخاص للشؤون الاقتصادية في إيرلندا الشمالية جو كينيدي، سيقود جهود الدعم الأميركية بالتعاون الوثيق مع السفيرة جين هارتلي في لندن والسفيرة كلير كرونين في دبلن، وكذلك مع قادة الأعمال في إيرلندا الشمالية.
وقال الرئيس الأميركي "يمكن لإيرلندا الشمالية أن تحقق ما هو غير عادي عندما يعمل قادتها معاً من أجل قضية مشتركة. وآمل، كما نفعل جميعاً، أن تعود المؤسسات السياسية في أيرلندا الشمالية إلى العمل قريباً".
تفاصيل البروتوكول
وجاء التوصل للاتفاق خلال اجتماع عقده سوناك مع فون دير لاين في ويندسور قرب لندن.
وتوّجهت فون دير لايين للقاء الملك تشارلز الثالث في ويندسور، ما عرّض سوناك لانتقادات داخلية اتّهمته بالسعي لمنح الاتفاق الجديد غطاء ملكياً.
وشدد المتحدث باسم سوناك على أن اللقاء بين فون دير لايين والملك قرّره قصر باكينجهام.
ويأتي التوصل للاتفاق بعد محادثات مضنية استمرت أكثر من عام حول "بروتوكول إيرلندا الشمالية"، الذي أثار توتراً في المقاطعة بعد 25 عاما على اتفاق سلام تاريخي وضع حداً لنزاع مسلّح استمر ثلاثة عقود.
ويحكم بروتوكول إيرلندا الشمالية الموقع في يناير 2020، انتقال السلع بين هذا الإقليم البريطاني وبقية مناطق المملكة المتحدة. وإيرلندا الشمالية هي المنطقة البريطانية الوحيدة التي لها حدود برية مع الاتحاد الأوروبي (جمهورية إيرلندا).
ويفرض الاتفاق عمليات تدقيق جمركية بين الإقليم البريطاني وبقية أرجاء المملكة المتحدة عند وصول السلع إلى إيرلندا الشمالية.
أراد هذا الاتفاق تجنب قيام حدود برية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، ما قد يُضعف اتفاق السلام المبرم في عام 1998 بين الطرفين بعد أحداث دامية استمرت 3 عقود.
وأثار البروتوكول توترات بين الاتحاد الأوروبي ولندن، وأصبح كذلك مشكلة داخلية لسوناك الذي يواجه معارضة مؤيدي "بريكست" المتشددين والوحدويين في بلفاست.
ويرفض الوحدويون أي تطبيق بحكم الأمر الواقع للقانون الأوروبي في الإقليم البريطاني، ويعطلون عمل السلطة التنفيذية المحلية منذ نحو العام.
وتضررت العلاقات بين إيرلندا والمملكة المتحدة التي غادرت التكتل الأوروبي عام 2021، نتيجة خلافات بشأن تطبيق الاتفاقيات التجارية في إيرلندا الشمالية، التابعة للمملكة المتحدة.
وأدى الاتفاق إلى تفتيش السلع المتجهة إلى الإقليم من بريطانيا العظمى (إنجلترا واسكتلندا وويلز)، وهو أمر تعارضه الأحزاب البريطانية وتلك المؤيدة لبريطانيا في إيرلندا الشمالية.
وتسعى المملكة المتحدة التي يسجل اقتصادها نمواً ضعيفاً، وتواجه أسوأ أزمة غلاء في المعيشة منذ عقود، إلى تعزيز العلاقات لتحسين التجارة.
اقرأ أيضاً: