تسعى أوكرانيا منذ عقود إلى الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي يضم الولايات المتحدة و29 دولة أوروبية، لكن هذه المساعي تواجه دائماً غضب موسكو، إذ تعتبره روسيا "تهديداً أمنياً لها".
وفي وقت سابق الثلاثاء، أعلن أمين عام حلف "الناتو" ينس ستولتنبرج خلال زيارة إلى فنلندا، أن أوكرانيا ستصبح عضواً في الحلف ولكن "على المدى الطويل"، في الوقت الذي تطلب فيه كييف تسريع انضمامها.
وبدأت العلاقات بين الحلف الأطلسي وأوكرانيا رسمياً في عام 1991، عندما انضمت الدولة المستقلة حديثاً آنذلك عن الاتحاد السوفيتي، إلى مجلس تعاون شمال الأطلسي، وهو منتدى للحوار والتعاون بين الحلفاء في "الناتو"، وخصومهم السابقين في حلف "وارسو".
وحلف "وارسو" أو "منظمة معاهدة وارسو"، والتي عُرفت بمعاهدة الصداقة والتعاون المشتركة، تأسس في عام 1955، وهي معاهدة أمن مشترك وُقّعت في العاصمة البولندية وارسو، بين الاتحاد السوفييتي، وألمانيا الشرقية، وبولندا، والمجر، ورومانيا، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وألبانيا.
وبعد سنوات، تحديداً في عام 1994، انضمت كييف إلى برنامج الشراكة من أجل السلام، وهو مشروع للتعاون الثنائي العملي بين "الناتو" وكل الدول الشريكة، بحسب موقع حلف "الناتو".
وكانت أوكرانيا إحدى الدول الأعضاء المؤسسة لمجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية، والذي حل محل مجلس تعاون شمال الأطلسي في مايو 1997.
ولا يزال "الميثاق المتعلق بالشراكة المتميزة بين الناتو وأوكرانيا"، الركيزة الأساسية التي تستند إليها العلاقات بين الحلف وكييف.
وتدير لجنة "الناتو وأوكرانيا" الأنشطة التعاونية، وتمثل منتدى للتشاور بين الحلفاء وأوكرانيا بشأن القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك.
ويُمكن أن تنعقد اللجنة على مستويات مختلفة، بما في ذلك رؤساء الدول والحكومات، ووزراء الخارجية أو الدفاع، والسفراء.
تطلعات أوكرانيا
وأعطى الإعلان المُكمل للميثاق، الذي وُقع عام 2009 في سياق القرارات المُتخذة بقمة بوخارست لـ"الناتو" في العام 2008، "لجنة الناتو وأوكرانيا" دوراً رئيساً في تعزيز الحوار السياسي والتعاون لدعم جهود الإصلاح التي تبذلها كييف، لتحقيق تطلعاتها بالانضمام إلى التحالف الأوروبي الأطلسي.
ويمثل "البرنامج الوطني السنوي"، الذي يعكس أهداف الإصلاح الوطنية وخطط التنفيذ السنوية في أوكرانيا، الأداة الرئيسية لدعم هذه العملية.
ويتكون "البرنامج الوطني السنوي" من 5 فصول تركز على القضايا السياسية والاقتصادية، والقضايا الدفاعية والعسكرية، والموارد، والقضايا الأمنية، والقضايا القانونية.
وتتضمن عملية انضمام أوكرانيا إلى الناتو أيضاً، الإصلاحات المتعلقة بالإدارة الجيدة، ومكافحة الفساد، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وقطاع الأمن والدفاع، وتنفيذها وفقاً للمبادئ والمعايير الأوروبية الأطلسية.
ويقيّم الحلفاء التقدم المُحرز في هذا الشأن من خلال "البرنامج الوطني السنوي"، وتقع مسؤولية تنفيذ البرنامج في المقام الأول على عاتق أوكرانيا.
وتعمل لجنة تنسيق الاندماج الأوروبي الأطلسي لأوكرانيا التي ترأسها نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، أولها ستيفانيشينا، على ضمان تنفيذ أجهزة الدول للبرنامج.
وتدعم بعثة "الناتو" في أوكرانيا التي تأسست في عام 2015، التعاون العملي. وتتكون البعثة من "مركز إعلام وتوثيق"، و"مكتب اتصالات".
وافتُتح "مركز الإعلام والتوثيق التابع لحلف الناتو" في كييف عام 1997، لدعم الجهود المبذولة لتوعية الجمهور الأوكراني بأنشطة "الناتو"، وفوائد التعاون مع كييف.
ويمثل المركز جزءاً من "قسم الدبلوماسية العامة"، وهو أول مركز للإعلام ينشئه "الناتو" في دولة شريكة ويكون مفتوحاً أمام الجمهور العام.
وتأسس "مكتب الاتصالات التابع للناتو" في كييف عام 1999، ويلعب دوراً رئيسياً في تسهيل التعاون بين أوكرانيا و"الناتو".
ويُمكن المكتب الحلف من الاتصال بأهم الأجهزة في كييف، بما في ذلك وزارات الداخلية والخارجية والدفاع، ومكتب الرئاسة، ومجلسي الأمن القومي والدفاع، والعديد من الأجهزة الأوكرانية الأخرى.
وتتضمن أولويات "مكتب الاتصالات التابع للناتو" تعزيز الجهود الأوكرانية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة للانضمام إلى "الناتو"، وتعزيز الحوار السياسي والعملي بين "الناتو" وأوكرانيا، ودعم الإدارة الديمقراطية لقطاعي الأمن والدفاع.
وفي 2014، قرر "الناتو" تعليق جميع أشكال التعاون المدني والعسكري العملي مع روسيا بعد الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم، مع الحفاظ على استمرار قنوات الاتصال السياسية والعسكرية.
وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، جعلت أوكرانيا الانضمام للحلف أولوية لها، لكن هذا لم يحدث، ويرجع ذلك أساساً إلى معارضة موسكو الشديدة للأمر.
وفي قمة "الناتو" عام 2016 بوارسو، أصبحت إجراءات الحلف لدعم أوكرانيا جزءاً من حزمة المساعدة الشاملة "CAP"، والتي صممت لدعم قدرة كييف على توفير الأمن وتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق بناءً على معايير الحلف الأطلسي، والمبادئ الأوروبية الأطلسية.
واعتمدت أوكرانيا تعديلاً دستورياً في عام 2019، تلتزم بمتابعة عضوية الحلف، ولكن رغم أن البلاد قد اتبعت بعض الإصلاحات على مدى السنوات الماضية، إلا أن الخبراء والحكومات الشريكة ترى أن هناك المزيد الذي يتعين على كييف القيام به، لدمجها في المؤسسات الغربية.
ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، فرض الحلفاء عقوبات صارمة على روسيا لاستنزاف الموارد التي يستخدمها الكرملين في الحرب.
ويواصل الحلفاء تعديل هذه العقوبات لزيادة الضغط على موسكو، وستصعب هذه الجهود على روسيا مهمة إعادة بناء دباباتها، وتصنيع الصواريخ، وتمويل حربها.
"عضو الناتو بحكم الواقع"
وطلبت أوكرانيا في سبتمبر الماضي، تسريع عملية الانضمام إلى التحالف العسكري، فيما كرر "الناتو" علناً سياسة "الباب المفتوح"، لكنه لم يقدم رداً ملموساً.
وأشعل هذا الطلب انقساماً غربياً بشأن عضوية أوكرانيا في الحلف، التي تتجنب "استفزاز" روسيا، لإدراكها مدى حساسية قضية التوسع شرقاً بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين.
وقال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، في يناير الماضي، إن بلاده أصبحت "عضواً فعلياً في الناتو"، نظراً لأن "الدول الغربية التي كانت قلقة من نظرة روسيا إلى المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا على أنها تصعيد، غيّرت طريقة تفكيرها".
وأضاف ريزنيكوف لقناة "بي بي سي" البريطانية: "أوكرانيا كدولة، وقواتها المسلحة، أصبحت عضواً في الناتو. بحكم الواقع، وليس بحكم القانون".
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن الغرب يجب أن يفكر في ضمانات أمنية لروسيا، إذا عادت إلى طاولة المفاوضات، في لفتة انتقدتها كييف، ويبدو أنها تتعارض مع سياسة "الباب المفتوح" التي يتبعها الحلف.
بدوره، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا: "بعض أصدقاء كييف المقربين يخشون الرد الإيجابي على طلب أوكرانيا للانضمام إلى الناتو، أكثر من خوفهم من تزويد أوكرانيا بأحدث الأسلحة".