شحنة يورانيوم روسي إلى الصين تثير مخاوف أميركية

time reading iconدقائق القراءة - 10
العلم الصيني داخل مفاعل نووي يُطلق عليه اسم "الشمس الاصطناعية" - REUTERS
العلم الصيني داخل مفاعل نووي يُطلق عليه اسم "الشمس الاصطناعية" - REUTERS
دبي- الشرق

أثار تسليم روسيا شحنة ضخمة من الوقود النووي إلى الصين مؤخراً، مخاوف أميركية من تعميق التعاون بين موسكو وبكين، لتوسيع الترسانة النووية الصينية إلى مستوى يضاهي الترسانة الأميركية، بما يخل بالتوازن العسكري في آسيا، ويرفع مستوى التوتر، في وقت باتت آخر معاهدة بين موسكو وواشنطن للحد من التسلح النووي "على شفا الانهيار".

وفيما كان دبلوماسيون صينيون وأميركيون، يقولون إنهم عقدوا محادثات بناءة لخفض التوتر العسكري بين البلدين في ديسمبر الماضي، كان مهندسون روس ينقلون شحنة ضخمة من الوقود النووي إلى جزيرة نائية تبعد 220 كيلومتراً عن سواحل شمال تايوان.

وتحوي جزيرة تشانجبياو المفاعل الصيني من طراز "CFR-600"، الذي يطلق عليه المفاعل السريع، وهو أحد أكثر المنشآت النووية مراقبة في العالم.

وتشير تقديرات مسؤولي الاستخبارات الأميركية إلى أنه حين يبدأ العمل في المفاعل خلال العام الجاري، فإنه سينتج بلوتونيوم بدرجة كافية لتصنيع سلاح نووي، ما قد يساعد الصين في رفع مخزونها من الرؤوس الحربية النووية أربعة أضعاف خلال 12 شهراً، وفق "بلومبرغ".

وسيسمح هذا للصين بمضاهاة الترسانة النووية المنتشرة في روسيا والولايات المتحدة حالياً.

وقال مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إن شركة "روساتوم" النووية المملوكة لروسيا، زودت الصين بـ6477 كيلوجراماً من اليورانيوم، وهي شحنة يمكنها توفير الوقود لبرنامج ذري بإمكانه زعزعة التوازن العسكري في آسيا، حيث تتزايد التوترات بشأن تايون والسيطرة على بحر الصين الجنوبي.

ولدى الصين قدرات محدودة حالياً لزيادة مخزوناتها من البلوتونيوم المستخدم لتصنيع الأسلحة النووية، بعد أن أغلقت برنامجها لإنتاجه في تسعينات القرن الماضي وفقاً لـ"بلومبرغ".

مرحلة "نووية" حرجة

وتأتي قدرة الصين المتزايدة على توسيع أسلحتها النووية، تزامناً مع تعليق روسيا العمل بآخر معاهدة تحد من المخزونات النووية الاستراتيجية لروسيا وأميركا، وهي معاهدة "نيو ستارت"، التي باتت على شفا الانهيار.

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 فبراير تعليق روسيا مشاركتها في المعاهدة، وهو قرار دانه الرئيس الأميركي جو بايدن، معتبراً أنه "خطأ كبير".

وفي مؤتمر عبر الفيديو في 30 ديسمبر، أبلغ بوتين نظيره الصيني شي جين بينج، أن التعاون الدفاعي والعسكري له "مكانه خاصة" في العلاقات بين البلدين.

وقالت الخبيرة الألمانية في شؤون الحد من التسلح هانا نوتي لـ"بلومبرغ"، إنه "من الواضح أن الصين تستفيد من الدعم الروسي"، مشيرة إلى أن "المخاطرة التي تأخذها بكين هي أن الولايات المتحدة قد توسع من مخزوناتها النووية في رد على توسيع الصين ترسانتها، وكذلك تعليق الكرملين مشاركته في معاهدات الحد من التسلح"، مضيفة أن الخلاف "سينمو مجدداً".

وحذر مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية مراراً من طموحات الصين فيما يتعلق بالأسلحة النووية، منذ إصدار تقريرهم في عام 2021.

ويقدر المخططون العسكريون أن المفاعل من طراز "CFR-600"، سيلعب دوراً حيوياً في رفع مخزونات الصين من الرؤوس الحربية إلى 1500 رأس، بدلاً من 400 حالياً.

وقال بافيل بودفيدج، الخبير بالشؤون النووية بمعهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع التسلح ومقره جنيف، لـ"بلوملرغ"، إنه "من الممكن تماماً أن يكون هذا البرنامج نووي بالكامل، ولكن ما يثير المخاوف هو أن الصين توقفت عن الإبلاغ عن مخزوناتها من البلوتونيوم المدني والبلوتونيوم المفصول. هذا ليس دليلاً دامغاً، ولكنه بالتأكيد ليس علامة جيدة".

ورفضت الصين المخاوف الأميركية، وقالت وزارة خارجيتها إن الصين "أوفت بشكل كامل بالتزاماتها تحت بموجب اتفاقية عدم الانتشار النووي"، كما أنها قدمت تقريرها "طوعاً" بشأن الجزء المدني من نشاطاتها النووية إلى الوكالة الدولية إلى الطاقة الذرية.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تان كيفي في 23 فبراير الماضي، إن الولايات المتحدة تبالغ في "التهديد النووي الصيني" كحجة لتوسيع ترسانتها الاستراتيجية، بينما تحافظ الصين على سياسة دفاعية تشمل عدم استخدام الأسلحة النووية أولاً.

الشراكة الصينية-الروسية

ولم تفلح اعتراضات واشنطن في إثناء شركة الصين النووية الوطنية من استلام شحنة الوفود من "روساتوم" لمفاعلها "CFR-600"، والذي تم بناءه على النموذج الروسي، الذي يستخدم المعادن السائلة بدلاً من المياه للتبريد.

وتظهر بيانات تجارية غير متاحة للعلن تفاصيل الصفقة، والتي قدمها مركز أبحاث "المعهد الملكي للخدمات" في لندن إلى "بلومبرغ".

وقالت "بلومبرغ" إن الشراكة بين الصين وروسيا، لها تأثير كبير على جهود عدم الانتشار النووي، فبين سبتمبر وديسمبر الماضيين، أظهرت بيانات المعهد الملكي أن روسيا صدرت يورانيوم مخصب بدرجة عالية إلى الصين لاستخدامه في مفاعلها، بما يوزاي 7 أضعاف المواد النووية التي تم التخلص منها عالمياً خلال العقود الثلاث الأخيرة تحت إشراف الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ودفعت الصين 384 مليون دولار على 3 أقساط مقابل 25 ألف كيلوجرام من الوقود لمفاعلها "CFR-600"، من شركة "روساتوم" في تلك الفترة، وفقاً لبيانات المعهد الملكي، والتي حصل عليها من طرف تجاري ثالث بناءً على سجلات الجمارك الروسية.

ورفضت "روساتوم" التعليق على التقرير. ولكن شركة الوقود النووي "TVEL" التابعة لها، قالت في 28 ديسمبر إن المشروع سيصبح "أول مفاعل نووي سريع بقدرات عالية خارج روسيا"، مؤكدة أنباء تسليم الشحنة.

ويتم الحصول على اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، عند الحصول على نظائر اليوارنيوم-235 المكررة بدرجة نقاء عالية تزيد عن 20%، وهو معدن محظور، تتحكم فيه قلة من الدول التي تملكه أو تملك قدرات تصنيعه.

وكلما زادت درجة التخصيب كلما زادت ملائمته للاستخدام في سلاح نووي. وأصبح حظر تجارة اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، أحد أعمدة سياسة عدم الانتشار النووي منذ تسعينات القرن الماضي.

مفاعل نووي في الصحراء

ومفاعل "CFR-600" جزء من برنامج الصين الطموح، للاستحواذ على مكانة الولايات المتحدة كأكبر مزود للطاقة النووية عالمياً بحلول منتصف العقد المقبل.

وبعكس مفاعلات الماء الخفيف التقليدية، فإن مفاعلها يعمل بتركيبة من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، وما يعرف بالوقود مختلط الأوكسيد، والذي ينتج بلوتونيوم قابل للاستخدام في الأسلحة النووية، كمنتج جانبي.

وتبني الصين مفاعلاً آخراً في الصحراء في جانسو، مصمم لاستخلاص البلوتونيوم من الوقود المستنفد من مفاعل "CFR-600"، ما أن تنتهي عملية التشييد في غضون عامين. وأوقفت بكين الإبلاغ الطوعي عن مخزوناتها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ 2017.

اللقاء الدبلوماسي الرفيع المستوى الذي عقد في ديسمبر الماضي بين مسؤولين أميركيين وصينيين في لانفاجنج، وهي مدينة مجاورة للعاصمة بكين، كان يهدف إلى تمهيد الطريق أمام زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأولى إلى بكين، ضمن جهود تهدئة التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم.

لكن التوترات عاودت الارتفاع مرة أخرى عقب إلغاء بلينكن رحلته مطلع فبراير الماضي، رداً على رصد منطاد "تجسس" صيني في أجواء الولايات المتحدة، والذي أمر بايدن بإسقاطه في 4 فبراير بمقاتلة حربية.

وفي "مؤتمر ميونيخ للأمن" الذي عقد بين 17 إلى 19 فبراير، انتقد كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي في كلمته الرد الأميركي، معتبراً أنه "هستيري"، فيما حذر بلينكن بكين من توفير مساعدات فتاكة إلى روسيا في حربها مع أوكرانيا.

الند بالند بين واشنطن وبكين

ويكمن الخطر الآن، وفق "بلومبرغ"، في أن تأخذ استراتيجية الند بالند بين بكين وواشنطن، في أن تأخذ منحنى نووي ما أن يبدأ مفاعل "CFR-600" في العمل، وتمكين بكين من إنتاج بلوتونيوم لأسلحة نووية للأعوام المقبلة.

وقال الخبير الروسي في شؤون الحد من التسلح أليكسي أرباتوف: "في السابق، كانت الصين تحد من نشاطها النووي إلى ما تسميه (الحد الأدنى من الردع)، وهذا الحد كان أقل بكثير من الحد الأميركي، ولكن من الواضح أن الصينيين قرروا مضاهاة الولايات المتحدة، وروسيا بحكم الأمر الواقع، من ناحية عدد وكفاءة الأسلحة النووية".

وأصبحت روسيا أكثر اعتماداً على الصين منذ أن بدأ بوتين غزو أوكرانيا العام الماضي، وهو ما أدى إلى موجة غير مسبوقة من العقوبات ضد موسكو.

وأظهرت الصين أن لا نية لديها للتخلي عن شريكها الدبلوماسي، ضد خصمهما المشترك الولايات المتحدة، حتى في الوقت الذي رسمت فيه بكين نفسها كلاعب محايد في الحرب.

وكجزء من "نادي الخمسة" النووي الرسمي، والممضين رسمياً على معاهدة عدم الانتشار النووي لعام 1970، فإن الصين وروسيا غير ملزمتان بالإبلاغ عن مخزوناتهما وأي تفاصيل قد تساعد على معرفة ما إذا كان مفاعل "CFR-600" يستخدم لرفع مخزونات بكين النووية أم لا.

ولا يخضع موقع بناء المفاعل لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما أدى بالبنتاجون ومحللي الحد من التسلح، إلى محاولة تخمين هدفه.

وقدّر الفيزيائي فرانك فون هيبل، وهو مستشار سابق للبيت الأبيض، ويعمل بجامعة برينستون حالياً، أن مفاعل "CFR-600" يمكنه إنتاج 50 رأس نووي سنوياً، ما أن يبدأ تشغيله.

وقال الباحث بمعهد كارنيجي ألكساندر جابوف، بالنسبة للصين، فإن الحصول على التكنولوجيا والوقود "أمر مهم"، لأنه "لا توجد أماكن كثير يمكنها منها الحصول على البلوتونيوم، وروسيا لم تعترض إذا ما استخدم المعدن الثقيل لإنتاج أسلحة نووية".

وأضاف: "أي شيء يمكن أن يكون سيئاً لأميركا، نتيجة مساعدة منافسيها، ينظر إليه الآن على أن أمر جيد لروسيا".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات