
تتجه مصر إلى تمديد الإشراف القضائي على الانتخابات، بعد أن كان مقرراً إنهاء العمل به مطلع العام المقبل، عقب استجابة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتوصية مجلس أمناء الحوار الوطني، بإجراء تعديل تشريعي يضمن إتمام الاقتراع والفرز بنظام "قاض لكل صندوق"، وسط ترحيب سياسي.
وأشادت أحزاب سياسية بتلك الخطوة، معتبرة أنها تمثل "بادرة على دعم مؤسسة الرئاسة لجلسات الحوار، وجدية مجلس الأمناء في تأدية دوره".
وقال الرئيس المصري، في تغريدة على "تويتر"، الثلاثاء، إنه وجّه الحكومة والأجهزة المعنية في الدولة بدراسة مقترح "الحوار الوطني" بإجراء تعديل تشريعي يسمح بالإشراف الكامل من الهيئات القضائية على العملية الانتخابية.
وقدّم مجلس أمناء "الحوار الوطني"، الاثنين، أول مقترحاته التشريعية للرئيس المصري، وذلك بإجراء تعديل تشريعي على قانون الهيئة الوطنية للانتخابات يوجب إتمام الاقتراع والفرز، في الانتخابات والاستفتاءات، تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية "بنظام قاضٍ لكل صندوق".
وتنص المادة 34 من قانون الهيئة الوطنية للانتخابات على انتهاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات بعد 10 سنوات من تاريخ العمل بالدستور الصادر في 18 يناير 2014، ما يعني بدء تفعيل هذا النص في 17 يناير 2024.
ومن المتوقع أن تدخل تلك التوصيات حيّز التنفيذ بدءاً من العام المقبل حال إقرارها، لتصبح الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في النصف الأول من 2024، أول الاستحقاقات الانتخابية التي تنطبق عليها التعديلات.
"ضمانة كبيرة"
واعتبر عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب عن حزب الوفد، سليمان وهدان، في حديث لـ"الشرق"، أن الأمر يمثل ضمانة كبيرة لنزاهة الانتخابات، وتحقيق ميزان العدالة، كما يمثل أيضاً ضمانة للأحزاب السياسية غير الحاكمة.
وأشار وهدان إلى "رسوخ تجربة القضاء في الإشراف على الانتخابات"، لافتاً إلى أن "القضاء المصري مؤسسة شامخة ونزيهة لها عند الشعب الكثير، وتبعث الثقة في العملية الانتخابية، ولنا تجربة مع القضاء أثبتت نجاحها".
وفي ما يتعلق بالسيناريو المتوقع لتطبيق "التوجيهات الرئاسية"، قال وهدان إن المشرّع ترك الأمر للهيئة الوطنية للانتخابات، إذ لم يأت النص الدستوري مانعاً أو مؤيداً لاستمرار الإشراف القضائي".
وأضاف: "الهيئة الوطنية للانتخابات عليها أن تعد مشروع قانون يعرض على مجلس النواب، إما أن يعيد الإشراف القضائي أو يضع أُطر قانونية لمدى الإشراف القضائي على العملية الانتخابية".
وتنص المادة 210 من الدستور المصري على أن "يتولى إدارة الاقتراع والفرز في الاستفتاءات، والانتخابات أعضاء تابعون للهيئة (الوطنية للانتخابات) تحت إشراف مجلس إدارتها، ولها أن تستعين بأعضاء من الهيئات القضائية".
كما أشار البند السابع من المادة الثالثة في قانون 198 لسنة 2017 بشأن الهيئة الوطنية للانتخابات إلى ندب أعضاء لإدارة عملية الاقتراع والفرز في الاستفتاءات والانتخابات من بين العاملين المدنيين في الدولة وغيرهم، لافتاً إلى أن "يجوز" الاستعانة بأعضاء من الهيئات القضائية بعد موافقة المجالس الخاصة والعليا لكل منها بحسب الأحوال.
مسارات متوقعة
النائب البرلماني عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، توقّع اضطلاع الحكومة بإعداد مشروع قانون يتضمن التعديلات المطلوبة على أن ينظر داخل اللجنة التشريعية لمجلس النواب، قبل أن يعرض على الجلسة العامة.
وأضاف إمام لـ"الشرق": "من الممكن أن نشهد طرح التعديلات خلال الاجتماع المقبل لمجلس الوزراء، وربما يستغرق الأمر المزيد من الوقت".
وشدد إمام على أن "الإشراف القضائي على الاستحقاقات الانتخابية لا يتعارض مع دور الهيئة الوطنية للانتخابات، إذ أنه من الحقوق المخوّلة لها الاستعانة بمن تراه ملائماً لإتمام العملية الانتخابية".
وأضاف: "يمكن أن تتحول مسألة الإشراف القضائي إلى جزء من الآلية التي تتخيرها الهيئة الوطنية للانتخابات، وعلينا ألّا نتجاهل أن تشكيل الهيئة قوامه الأساسي شخصيات من هيئات قضائية".
"جدية الحوار"
وقال مدير تحرير مجلة "السياسة الدولية" أبو الفضل الإسناوي، لـ"الشرق"، إن الانطلاق من هذه التوصيات يبث رسالة للقوى السياسية بأن الحوار الوطني جاد تماماً ويتمتع بحالة من الاستقلال عن السلطة التنفيذية.
ورأى الإسناوي أن اللجنة المختصة بالمحور السياسي في الحوار الوطني، التي يُشرف عليها الوزير السابق علي الدين هلال، وتتضمن 60 ممثلاً من القوى السياسية، ستباشر صياغة تعديلات قوانين مباشرة الحقوق السياسية، والتمثيل النيابي، ورفع التوصيات للرئيس، الذي سيعيده بدوره إلى البرلمان ليقرّه.
وتابع: "بعد التصويت عليه من البرلمان، من شأن التعديلات أن تعود للرئيس ليصدّق عليها كإجراءات ضمن القانون المنظم للانتخابات والإشراف القضائي".
واعتبر مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، جمال عبد الجواد، استجابة القيادة السياسية لمقترح مجلس الأمناء، دلالة على متابعة السيسي للحوار الوطني واستعداده للتعامل مع مخرجاته بجدية.
وأضاف عبد الجواد: "هناك دور كبير منتظر من الحوار الوطني خلال الفترة المقبلة، خاصة في ضوء رغبة القائمين على الحوار في التغلب على العقبات التي واجهته وتسببت في تأجيله".
تاريخ الإشراف القضائي
ونظمت المادة "209" من الدستور تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات وإدارتها، وذلك عبر مجلس مكون من 10 أعضاء يُنتدبون ندباً كلياً بالتساوي من بين نواب رئيس محكمة النقض، ورؤساء محاكم الاستئناف، ونواب رئيس مجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية.
ومنذ عهد الخديوي إسماعيل، كان الإشراف على انتخاب مجلس شورى النواب عام 1866، من مسؤولية وزارة الداخلية، وظلت تلك المسؤولية مرتبطة بها حتى عام 1971، إذ نص الدستور في المادة "88" على إشراف أعضاء الهيئات القضائية على الاقتراع والفرز.
وعلى الرغم من ذلك، لم يكن الإشراف القضائي بشكل كامل على العملية الانتخابية بموجب دستور 1971، فقد كان أقرب ما يكون إلى "الإشراف الصوري"، على اللجان العامة وبعض اللجان الفرعية، فيما واصلت وزارة الداخلية وأجهزتها الاضطلاع بالإشراف والتنظيم.
وشهد عام 2000 حكماً صادراً من المحكمة الدستورية العليا، فسرت فيه الإشراف القضائي على العملية الانتخابية في دستور 1971 بتخصيص قاض لكل صندوق. ورغم ذلك فإن تغييراً جوهرياً لم يحدث سوى في عام 2005 بعد تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية.
وتعززت ثقة المصريين في الإشراف القضائي على الانتخابات عام 2005 مع إدلاء المستشارة نهي الزيني، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية آنذاك، بشهادة مكتوبة حول تزوير نتائج دائرة بندر دمنهور، شمال مصر، لصالح مرشح الحزب الوطني الحاكم وقتها.
وألغت مصر الإشراف القضائي في 2007، وتم تقليصه لمستوى اللجان العامة دون الفرعية استعداداً لانتخابات مجلس الشعب نهاية عام 2010، والتي واجهت طعوناً غير مسبوقة واتهامات واسعة بالتزوير وتلاها بأسابيع اندلاع ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك.
وأوكل الإعلان الدستوري الصادر في 2011 للقضاء مهمة الإشراف على الاستفتاءات، والانتخابات البرلمانية، وحتى إعداد قاعدة بيانات الناخبين.
اقرأ أيضاً: