وجهت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن الخميس، اتهامات لدونالد ترمب بعد تحقيق حول دفع أموال لإسكات الممثلة الإباحية ستورمي دانيلز ، ليصبح أول رئيس أميركي سابق يواجه اتهامات جنائية حتى وهو يخوض محاولة أخرى للوصول إلى الرئاسة.
الاتهامات، الناتجة عن تحقيق قاده المدعي العام في مانهاتن ألفين براج المنتمي للحزب الديمقراطي، يمكن أن تعيد رسم سباق الانتخابات الرئاسية في 2024. وقال ترمب (76 عاماً) في السابق إنه سيواصل حملته للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات إذا وجهت له اتهامات جنائية.
ويُرجّح أن يتمّ في الأيّام المقبلة الإعلان عن لائحة الاتّهام الممهورة بختم من مكتب المدّعي العام في مانهاتن، حسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن أربعة أشخاص على دراية بالموضوع.
وأكد المدعي العام الخميس توجيه الاتهام للرئيس السابق وأفاد مكتبه بأنه تم الاتصال مع محامي ترمب لـ"تنسيق تسليم نفسه (...) من أجل مثوله لتلاوة الاتهام".
وقال المتحدث باسم مدّعي عام مانهاتن ألفين براج في بيان إنه "سوف يتم توفير الإرشادات عند اختيار موعد توجيه الاتهام"، مضيفاً أن قرار الاتهام لا يزال مختوماً.
والتهم ليست معروفة تحديداً بعد ومن المرجح أن يكشف قاض عنها في الأيام المقبلة. وعندها سيتعين على ترمب السفر إلى مانهاتن لأخذ بصماته ضمن إجراءات أخرى.
ترمب: ملاحقة سياسيّة
ورفض ترمب الخميس الاتّهام الموجّه له في قضيّة شراء صمت ممثلة أفلام إباحيّة تزعم أنّه أقام علاقة معها، وصبَّ جام غضبه على الادّعاء العامّ وخصومه السياسيّين.
وقال ترمب في بيان "هذه ملاحقة سياسيّة وتدخّل في الانتخابات على أعلى مستوى في التاريخ"، مضيفًا "أعتقد أنّ هذه الملاحقة سوف ترتدّ عكسياً على جو بايدن".
وأضاف: "حتّى قبل تأديتي اليمين رئيساً للولايات المتحدة، شارك الديمقراطيّون اليساريّون الراديكاليّون، أعداء الرجال والنساء الكادحين في هذا البلد، في حملة ملاحقة ضدّي".
"بريء تماماً"
وفي بيان من خمس فقرات صدر في غضون دقائق من انتشار الأنباء عن قرار الاتّهام، تعهّد ترمب الانتقام في وقتٍ يُخطّط للعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2024.
وقال ترمب "الديمقراطيّون كذبوا وخادعوا وسرقوا في هوَسهم بمحاولة اصطياد ترمب، لكنّهم الآن فعلوا ما لا يمكن تصوّره- توجيه اتّهام إلى شخص بريء تماماً، في تدخّل فاضح في الانتخابات".
وأضاف "استخدام نظامنا القضائي سلاحاً لمعاقبة خصم سياسي، صادَفَ أنّه رئيس للولايات المتحدة والمرشّح الجمهوري الأبرز لمنصب الرئيس، لم يحدث من قبل على الإطلاق".
وتابع: "أعتقد أنّ هذه الملاحقة سترتدّ عكسياً وبشكل هائل على جو بايدن".
وشدّد ترمب الذي نظّم أوّل مهرجان انتخابي له نهاية الأسبوع الماضي على "أنّنا سنهزم جو بايدن ونطرد فلول هؤلاء الديمقراطيّين المحتالين من البيت الأبيض".
وانتقد إريك، نجل دونالد ترمب، الادّعاء العام أيضاً، واصفًا القضيّة بأنّها ذات دوافع سياسيّة.
وقال إريك، الابن الثاني لترمب، على تويتر "هذا سوء تصرّف قضائي ينتمي إلى دول العالم الثالث. إنّه استهداف انتهازيّ لخصم سياسي في عام الحملات الانتخابيّة".
وقال محاميا ترمب جوزيف تاكوبينا وسوزان نيكيليس إنهما "سيحاربان بقوة" التهم، بينما توقعت محامية أخرى هي ألينا هابا، تبرئته.
والتحقيق في مانهاتن هو واحد من عدة تحديات قانونية تواجه ترمب، وقد تضر التهم بمساعيه للعودة للرئاسة. ويرى نحو 44% من الجمهوريين أنه يجب أن ينسحب من السباق إذا وجهت إليه اتهامات، وفقاً لاستطلاع أجرته رويترز/ إبسوس الأسبوع الماضي.
وانتقد حلفاء ترمب وزملاؤه الجمهوريون الاتهامات ووصفوها بأنها ذات دوافع سياسية، بينما قال الديمقراطيون إنه ليس منيعاً في مواجهة حكم القانون.
وأحجم البيت الأبيض عن التعليق.
"أضرار لا يمكن إصلاحها"
من جهته، اعتبر رئيس مجلس النوّاب الأميركي الجمهوري كيفين مكارثي الخميس أنّ قرار توجيه الاتّهام إلى ترمب ألحق بالبلاد "أضراراً لا يُمكن إصلاحها"، في وقتٍ يشنّ حلفاء الرئيس السابق هجوماً عنيفاً على الديمقراطيّين والمسؤولين القضائيّين.
وقال مكارثي إنّ المدّعي العامّ في مانهاتن الديمقراطي ألفين براج "أضرّ ببلادنا بشكلٍ لا يمكن إصلاحه، في محاولة للتدخّل في انتخاباتنا الرئاسيّة". وأضاف "الشعب الأميركي لن يتسامح مع هذا الظلم، ومجلس النوّاب سيُحاسب ألفين براغ واستغلاله غير المسبوق للسلطة".
بدوره، انتقد رون ديانتيس، المنافس الأبرز لترمب لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات 2024 الرئاسية، الخميس توجيه الاتهام للرئيس السابق واصفاً الأمر بأنه "منافٍ للقيم الأميركية".
وقال ديسانتيس حاكم فلوريدا حيث مقر إقامة ترمب إنه "لن يساعد في طلب تسليمه بالنظر إلى الظروف المشكوك فيها" للائحة الاتهام التي وصفها بأنها جزء من "أجندة سياسية".
في المقابل، صرّح محامي ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز الخميس أن توجيه الاتهام إلى الرئيس السابق يظهر أن "لا أحد فوق القانون".
وقال كلارك بروستر إن "اتهام دونالد ترمب ليس مدعاة للفرح"، مضيفاً "الآن لندع الحقيقة والعدالة تسودان".
أموال لشراء الصمت
ووفقاً لـ"رويترز"، تقول دانيلز، واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، إنها حصلت على أموال مقابل التزامها الصمت بشأن "علاقة جنسية" مع ترمب في عام 2006.
وقال مايكل كوهين المحامي الشخصي للرئيس السابق إنه نسق مع ترمب مسألة دفع المال لدانيلز وعارضة أزياء سابقة تدعى كارين مكدوجال، التي قالت أيضاً إنها أقامت علاقة معه. ونفى ترمب وجود تلك العلاقة بأي من المرأتين.
وأقر كوهين بالذنب في انتهاك لتمويل الحملات الانتخابية في عام 2018 وقضى أكثر من عام في السجن. وقال ممثلو الادعاء الاتحاديون إنه تصرف بناء على توجيهات ترمب.
تعقيد قانوني
وتُعتبر قضية "دانيلز" معقّدة من الناحية القانونية. إذ يسعى القضاء في نيويورك إلى تحديد ما إذا كان ترمب مذنباً بتحريف بيانات، والذي يعدّ جنحة، أو بسبب خرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية، في ما يشكّل جريمة جنائية، عبر دفع مبلغ 130 ألف دولار لهذه المرأة.
والتحقيق الذي استغرق سنوات، تسارع الأسبوع الماضي، بعدما أدلى كوهين، وهو المحامي السابق لترمب الذي سدّد المبلغ في عام 2016، بعد أن تحوّل إلى عدوّه منذ ذلك الحين، بشهادته أمام هيئة المحلّفين الكبرى، كما تعاونت الممثلة مع المدّعين العموم والهيئة نفسها.
وتولى ترمب الرئاسة من عام 2017 إلى عام 2021. وتعرض للمساءلة في مجلس النواب مرتين، الأولى في عام 2019 بسبب سلوك متعلق بأوكرانيا، والثانية في عام 2021 بسبب هجوم أنصاره على مبنى الكونجرس. وبرأه مجلس الشيوخ في المرتين.
وفي عام 2018، نفى ترمب في بادئ الأمر معرفة أي شيء عن المبلغ المدفوع إلى دانيلز. واعترف لاحقاً بتعويض كوهين عن المبلغ الذي وصفه بأنها معاملة "خاصة بسيطة".
ويواجه ترمب أيضا تحقيقين جنائيين. الأول بقيادة فاني ويليس، المدعية العامة الديمقراطية في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، ويتعلق بما إذا كان قد حاول بشكل غير قانوني قلب هزيمته في انتخابات 2020 في تلك الولاية.
كما يحقق المستشار القانوني الخاص جاك سميث بشكل منفصل في طريقة تعامل ترمب مع وثائق حكومية سرية بعدما ترك منصبه ومحاولاته لإلغاء نتائج انتخابات 2020.
ويبقى الخوف الرئيسي للسلطات متمثلاً في تكرار فوضى الهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن في السادس من يناير 2021، عندما دعا دونالد ترمب مناصريه إلى الاحتجاج على نتائج انتخابات عام 2020 التي هُزم فيها أمام جو بايدن. ولا يزال يؤكد، دون دليل، أنّ بايدن "سرق" منه الفوز.