طلب الرئيس اللبناني ميشال عون، من الأجهزة الأمنية، الاثنين، "قمع المخالفات"، وعدم السماح بإقفال الطرقات، فيما انتقد قائد الجيش العماد جوزف عون الطبقة السياسية بالبلاد، بعد أن أغلق محتجون طرقاً رئيسية في أنحاء مختلفة من البلاد لليوم السابع على التوالي، تعبيراً عن غضبهم في ظل أزمة اقتصادية مستمرة منذ أكثر من عام وجمود سياسي بدأ قبل أشهر.
وجاء في بيان للرئاسة اللبنانية، أن كبار مسؤولي الحكومة والمسؤولين الأمنيين، اتفقوا خلال اجتماع، على إجراءات من بينها "تكليف الأجهزة الأمنية بضبط جميع الأشخاص الذين يخالفون أحكام قانون النقد والتسليف، وقانون تنظيم مهنة الصرافة"، بما في ذلك مكاتب الصرافة الأجنبية.
من جانبه، قال قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون في بيان، إن الجيش هو جزء من الشعب، ويعاني مثله، وأشار إلى أن "الوضع السياسي المأزوم انعكس على جميع الصعد، وبالأخص اقتصادياً ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع، كما أن أموال المودعين محجوزة في المصارف، وفقدت الرواتب قيمتها الشرائية، وبالتالي فإن راتب العسكري فقد قيمته".
وأشار قائد الجيش اللبناني خلال اجتماع مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة، بحضور أعضاء المجلس العسكري: "العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب"، متوجهاً إلى المسؤولين بالسؤال: "إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره".
وأكّد أن "الجيش مع حرية التعبير السلمي التي يرعاها الدستور والمواثيق الدولية، لكن دون التعدي على الأملاك العامة والخاصة"، مشدداً على أن الجيش "لن يسمح بالمس بالاستقرار والسلم الأهلي".
"قمع المخالفات"
وقالت الرئاسة اللبنانية في سلسلة تغريدات عبر صفحتها على "تويتر"، إن الرئيس عون طلب خلال الاجتماع الاقتصادي المالي الأمني والقضائي في بعبدا، من الإدارات والجهات المعنية "قمع المخالفات التي تحصل، ولا سيما التلاعب بأسعار المواد الغذائية واحتكارها".
وبحسب بيان الرئاسة، ذكر عون أن "ما يجري له انعكاسات خطيرة على الأمن الاجتماعي والوطني، وهو يفرض اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، مالية وقضائية وأمنية، لملاحقة المتلاعبين بلقمة عيش اللبنانيين"، لافتاً إلى أن "ما يجري من قطع الطرقات يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي إلى عمل تخريبي منظم، يهدف إلى ضرب الاستقرار"، داعياً "الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبق القوانين من دون تردد".
"اعتداء"
وقال الرئيس اللبناني: "إذا كان من حق المواطنين التعبير عن رأيهم بالتظاهر، فإن إقفال الطرقات هو اعتداء على حق المواطنين بالتنقل والذهاب إلى أعمالهم خصوصاً بعد أسابيع من الإقفال العام".
ونقل بيان الرئاسة كلمة رئيس الوزراء حسان دياب خلال الاجتماع، إذ قال: "الوضع الذي وصلنا إليه على مستوى عالٍ من الخطورة. هناك من يتلاعب بسعر صرف الدولار الأميركي كيفما يشاء ويتحكّم بمصير البلد. هل يعقل أن تتحكم منصات مجهولة بسعر صرف الدولار والدولة بكل أجهزتها عاجزة عن مواجهة هذه المنصات؟".
وتابع: "هناك من يدفع البلد نحو الانفجار، ويجب أن يكون هناك حسم وحزم في التعامل مع هذه القضية، وقطع الطريق على التلاعب بمصير البلد من قبل جهة أو جهات تتآمر على الناس ولقمة عيشهم وتتلاعب بالاستقرار الاجتماعي والأمن الوطني".
"تقشف في الجيش"
وذكر قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون أن موازنة الجيش تُخفَّض في كل سنة، حتى أصبحت الأموال لا تكفي لنهاية العام، موضحاً أن "المؤسسة العسكرية، بادرت إلى اعتماد سياسة تقشف كبيرة من تلقاء نفسها تماشياً مع الوضع الاقتصادي".
وأضاف عون: "البعض يتهمنا بأننا نعيش في نعيم، لكن هذا غير صحيح، وهذه اتهامات باطلة لن نقبل بها، ولن نرضى المس بحقوق عسكريينا سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو متقاعدين. وعلى الرغم من استعدادنا الدائم للتضحية في سبيل وطننا وأهلنا، لكن حقوقنا هي واجب على الدولة تجاهنا".
وعن المساعدات التي يقبلها الجيش، أوضح عون، أنه لولا هذه المساعدات لكان الوضع أسوأ بكثير، ومهما كان حجمها فالجيش يقبلها بحسب الأصول للحفاظ على الجهوزية.
وأكد أن الجيش يتعرض لحملات إعلامية وسياسية تهدف إلى جعله "مطواعاً"، مؤكداً أن "هذا لن يحدث أبداً، فالجيش مؤسسة لها خصوصيتها، ومن غير المسموح التدخل بشؤونها سواء بالتشكيلات والترقيات أو رسم مسارها وسياستها. وهذا الأمر يزعج البعض بالتأكيد".
وأردف: "إذا كان هدف هذه الحملات هو ضرب الجيش وتشويه صورته، فإننا لن نسمح بأن يكون الجيش مكسر عصا لأحد، ولن يؤثر هذا الأمر في معنوياتنا ومهماتنا"، مؤكداً أن "كرامة المؤسسة فوق أي اعتبار، وكرامة العسكريين والشهداء أمانة في أعناقنا ولن نسمح لأحد بأن يمسّ بها ".
وفي شأن عمليات التهريب عبر الحدود، دعا عون الذين يتّهمون الجيش بالتقصير، إلى معاينة الحدود عن قرب والاطلاع على ما أنجزه الجيش من أبراج مراقبة وإجراءات، والظروف التي يتواجد فيها العسكريون.
انهيار الليرة وتصاعد الاحتجاجات
ويغلق المحتجون الطرق يومياً منذ أن هوى سعر الليرة اللبنانية إلى مستوى منخفض جديد الأسبوع الماضي، إذ فقدت العملة 85% من قيمتها.
ومع اندلاع الأزمة المالية في لبنان أواخر عام 2019، تفجرت موجة احتجاجات حاشدة وصب المتظاهرون جام غضبهم على الزعماء الذين لم يحركوا ساكناً إزاء الفساد المستمر منذ عقود.
وفقد عشرات الآلاف وظائفهم بسبب الأزمة التي أدت أيضاً لتجميد الحسابات المصرفية وبدأ كثيرون يعانون من الفقر.
وأغلقت 3 طرق رئيسية تؤدي إلى العاصمة بيروت جنوباً من الزوق، وجل الديب، والدورة. وفي بيروت نفسها أغلق المحتجون طريقاً رئيسياً أمام مصرف لبنان المركزي.
وفي صور بالجنوب، حاول رجل إحراق نفسه بعدما سكب البنزين على جسمه، لكن الدفاع المدني أوقفه في الوقت المناسب وفقاً لما نشرته الوكالة الوطنية الرسمية للإعلام.
وفي طرابلس، وهي من أفقر المدن اللبنانية وتقع في الشمال، أقام المتظاهرون جداراً من القرميد بارتفاع متر لمنع السيارات من العبور لكنهم تركوا متسعاً للمرور في حالات الطوارئ.
ضغوط
وبعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، وإصابة أكثر من 6500 بجروح، وتهدم مبانٍ وبيوت في العاصمة أغسطس الماضي، استقالت حكومة رئيس الوزراء حسان دياب، لكنها تواصل تصريف الأعمال.
لكن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري على خلاف مع الرئيس ميشال عون، ولم يتمكن من تشكيل حكومة جديدة تنفذ الإصلاحات المطلوبة لصرف مساعدات دولية.
وهدد دياب يوم السبت، بالامتناع عن تأدية مهام منصبه للضغط على السياسيين لتشكيل حكومة جديدة، مشيراً إلى أن لبنان بلغ "حافة الانفجار بعد الانهيار، والخوف من ألاّ يعود ممكناً احتواء الأخطار".
من جهته، انتقد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي السياسيين في خطبته يوم الأحد، إذ قال فيها، بحسب وكالة "رويترز": "كيف لا يثور الناس وقد تجاوز سعر الدولار الواحد 10 آلاف ليرة في يوم واحد، كيف لا يثورون عندما يكون الحد الأدنى للأجور 70 دولاراً؟"، داعياً إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لمساعدة لبنان.
ويمثل أمر تشكيل حكومة جديدة ضرورة ملحة، من أجل تنفيذ إصلاحات مطلوبة لفتح الباب أمام تدفق مساعدات دولية بمليارات الدولارات لإصلاح الاقتصاد.