العراق.. ماذا بعد إقرار تعديلات "الكبار" على قانون الانتخابات؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
المشرعون العراقيون يحضرون جلسة برلمانية للتصويت على رئيس جديد للدولة في بغداد. 13 أكتوبر 2022 - REUTERS
المشرعون العراقيون يحضرون جلسة برلمانية للتصويت على رئيس جديد للدولة في بغداد. 13 أكتوبر 2022 - REUTERS
بغداد-باسل حسين*

أثار إقرار مجلس النواب في العراق، قبل أيام، "قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم 12 لسنة 2018"، معارضة كبيرة بين المستقلين داخل البرلمان نتج عنها مشادات كلامية ليتم إخراجهم من القاعة، من أجل إكمال التصويت، وهو القانون الذي يزيد من فرص الأحزاب "الكبيرة" على حساب الأحزاب المستقلة والصغيرة.

وفي غضون ذلك، شهدت بغداد ومحافظات عراقية عدّة احتجاجات وقطع طرق من قبل قوى مدنية وقوى احتجاجات أكتوبر التي وصفت إقرار هذه التعديلات بأنها ارتداد إلى ما قبل عام 2018، والذي أدّى إلى اندلاع حركة احتجاجية واسعة أطلق عليها "حراك تشرين (أكتوبر)" عام 2019.

وتستعرض "الشرق" في هذا التقرير أبرز ملامح الجدل وأهم التغييرات التي طرأت على القانون، فضلاً عن السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة.

جدل بسبب العنوان

وتضمن التعديل على قانون الانتخاب تغييراً في عنوانه، من "قانون التعديل الثالث لانتخابات مجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018" إلى "قانون التعديل الثالث لانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018".

وأثار ذلك التعديل اعتراض عدد من البرلمانيين والمختصين بالشأن الانتخابي العراقي، بدعوى أنه يتعارض مع أصل القانون.

وأشار أستاذ القانون الدستوري والخبير القانوني حبيب عبد، إلى أن التعديل ينبغي أن يكون على قانون نافذ، ونبّه أنه "لا يوجد قانون مُشرع في العراق باسم قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم 12 لسنة 2018 يقتضي تعديله".

وأوضح عبد أن "أصل القانون تحت اسم قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، وبالتالي إضافة عبارة مجلس النواب إلى القانون إجراء غير صحيح، سيقود إلى فتح المجال أمام إمكانية الطعن عليه لدى المحكمة الاتحادية العليا، لوجود إشكالية في عنوان قانون التعديل".

ما أهم التغييرات في القانون؟

أقدم الإطار التنسيقي مع حلفائه من السنة والكرد ضمن تحالف إدارة الدولة على تضمين تعديلات عدّة على القانون، من أهمها:

أولاً: دمج قانون انتخابات مجلس النواب مع قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية في قانون واحد هو قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب وانتخابات مجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018.

ثانياً: التعديل على انتخابات مجلس النواب من خلال إلغاء قانون انتخابات مجلس النواب رقم 19 لسنة 2020، واعتماد النظام النسبي بدلاً من النظام الأكثري.

ثالثاً: إقرار نظام أو آلية "سانت ليجو" لاحتساب الأصوات، والتي تعني توزيع المقاعد بعد قسمة الأصوات الصحيحة لكل قائمة على أرقام تسلسلية فردية بعدد مقاعد الدائرة (1.7 ، 3 ، 5 ،....)، على أن تفوز القوائم الحاصلة على أعلى نواتج القسمة بالمقاعد.

وتتبع دول عدّة آلية سانت ليجو، التي ابتكرها الفرنسي سانت ليجو عام 1910، وطبقت أول مرة في الدول الإسكندنافية عام 1951 ثم انتشرت في أوروبا وأميركا اللاتينية ونيوزيلندا وعدة مناطق في العالم، وجاء تطبيقها لتقليل عدم التماثل بين عدد الأصوات المعبر عنها وعدد المقاعد المتحصل عليها، ما يصب بشكل عام في صالح الأحزاب الكبيرة على حساب الصغيرة.

وآلية "سانت ليجو" في الأصل تعتمد القسمة على تسلسل الأعداد الفردية بدايةً من رقم 1 وليس 1.7 كما في التعديل الذي أقره البرلمان العراقي، ما يقلل فرص الأحزاب الصغيرة في حصد مقاعد.

وكلما بدأ التقسيم برقم أعلى من 1، تقل احتمالية فوز الأحزاب الصغيرة والمتوسطة، وتطبيق الدول الإسكندنافية مثل النرويج والسويد آلية سانت ليجو بـ(1.4) بينما تطبق دول أخرى في أميركا اللاتينية الآلية بداية من رقم (1).

وخلال انتخابات مجالس المحافظات في العراق عام 2013، تم اعتماد آلية سانت ليجو بنظام البدء بالقرم (1)، وهو ما أدّى إلى صعود عدد كبير من الأحزاب الصغيرة.

رابعاً: النص على إقرار البطاقة البايومترية الموحدة (طويلة الأمد) كوثيقة وحيدة معتمدة في يوم الاقتراع لانتخابات مجلس النواب وانتخابات مجالس المحافظات.

خامساً: تم اعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة في انتخابات مجلس النواب وانتخابات مجالس المحافظات، بدلاً من تقسيم المحافظة إلى دوائر متعددة كما كانت في انتخابات مجلس النواب 2021 طبقاً لقانون رقم 19 لسنة 2020 الملغي وفقاً لأحكام التعديل.

سادساً: تم اعتماد أجهزة العد والفرز الإلكتروني إلى جانب العد والفرز اليدوي، مع إعطاء الأولوية في حالة عدم التطابق إلى العد الفرز اليدوي.

سابعاً: رفع سن الترشيح لعضوية مجلس النواب من 28 عاماً في انتخابات مجلس النواب إلى 30 عاماً.

ما الاعتراضات؟

لم يمر إقرار القانون من دون اعتراض القوى المدنية و"قوى أكتوبر" والمستقلين.

وجاءت أسباب الاعتراض من جوانب عدّة، أهمها عدم وجود أي مسوغ لجمع القانونين معاً في قانون واحد، خاصة أن قانون انتخابات مجلس النواب "فيدرالي" يشمل جميع المحافظات، بينما قانون مجالس المحافظات "نصف وطني" (جزئي) لأنه يقتصر على المحافظات غير المنتظمة بإقليم وهي (15) محافظة، ولا يشمل إقليم كردستان.

ورأى المعترضون أن "الجمع بين القانونيين لا ينبع من حاجة فعلية وإنما نتيجة إرادة سياسية تستهدف استيعاب الاعتراضات الموجهة على تغيير قانون مجلس النواب والتهرب من إجراء انتخابات مبكرة، واقتصار الأمر على إجراء انتخابات مجالس المحافظات فقط".

الاعتراض الثاني، والأكبر هو الرجوع إلى النظام النسبي وبآلية "سانت ليجو" التي تبدأ بتسلسل فردي 1.7 في انتخابات مجلس النواب بدلاً من نظام الأكثرية، وفوز من يحصد أعلى الأصوات.

ويرى المعترضون أن الرجوع إلى هذه الآلية "بمثابة نكوص، وعودة إلى القواعد السابقة التي حكمت انتخابات 2018 والتي أدّت إلى حراك أكتوبر، وأيضاً مخالفة لإرادة المرجعية الدينية في النجف التي طالبت بنظام انتخابي عادل".

وتحاجج الأحزاب الكبيرة في مجلس النواب بأن هذا القانون يحافظ على الاستقرار، لأنه يؤدي إلى فوز عدد قليل من الاحزاب الكبيرة مما يسهل الاتفاق بينها بما يحافظ على الاستقرار الهش.

ومن الاعتراضات أيضاً العودة إلى اعتبار المحافظة دائرة انتخابية واحدة بدلاً من أن تكون المحافظة دوائر متعددة كما جرى في انتخابات مجلس النواب الماضية، لأن ذلك يعني عدم التوزيع العادل للتمثيل النيابي داخل المحافظة الواحدة، واستثمار الأحزاب الكبيرة لأسماء القيادات السياسية في جمع الأصوات واحتلال قوائمها الفوز في المراتب الأولى، ومن ثم توزيع المقاعد على مرشحين لم يحصلوا إلّا على أرقام محدودة مقابل حرمان الأحزاب الصغيرة والمتوسطة والمستقلين من التمثيل في الانتخابات.

وأثار اعتماد التصويت اليدوي والفرز الإلكتروني معاً مع إعطاء الأولوية للفرز اليدوي في حالة عدم التطابق، مخاوف من زيادة التدخل البشري في تحريف نتائج الانتخابات لصالح القوى المهيمنة.

واعتبرت القوى الشبابية أن رفع سن الترشيح من 28 عاماً إلى 30 عاماً "استهداف للشباب"، ويعرقل تمكينهم في الحياة السياسية، لا سيما أن قانون الأحزاب العراقي رقم 35 لسنة 2015 المعدل يسمح لمن يبلغ 25 عاماً من تأسيس أو ترؤس الأحزاب.

ويمكن تفسير ذلك أن قوى الإطار التنسيقي لا ترى في الشباب جمهوراً لها لأن معظم القوى المعارضة لها هي قوى شبابية، وبالتالي تقف ضد قضية تمكين الشباب في الحياة السياسية.

كما برز خلاف بشأن المادة 35 من قانون انتخابات مجالس المحافظات المتعلقة بمحافظة كركوك، قبل أن يتم إقرارها بعد مباحثات بين (العرب والكرد والتركمان) حول خصوصية المحافظة وتكويناتها المتعددة لاسيما من جهة تقاسم السلطة بين مكوناتها.

التيار الصدري يراقب من بعيد

ولم يصدر عن التيار الصدري حتى الآن أي رد فعل أو موقف، سواء صادر من زعيمه مقتدى الصدر أو الهيئة السياسية أو أحد قياداته الرئيسية، سوى موقف واحد حينما نشر القيادي البارز في التيار حسن العذاري منشوراً على "فيسبوك" قال فيه إن الصدر أبلغ المسؤول الإداري مصطفى اليعقوبي عدم سفر قيادات بارزة تشمل "محمود الجياشي، وحيدر الجابري، عون آل النبي، حسن العذاري، جليل النوري، أحمد المطيري، كاظم العيساوي ومؤيد الأسدي"، مرجعاً الأمر إلى "أسباب تتعلق بالوضع العام والخاص" وعقد عدة اجتماعات مهمة يجب عليهم حضورها.

وفسر البعض منشور "العذاري" بأنه مرتبط بإقرار القانون الانتخابي واحتمالية عودة التيار الصدري للمجال السياسي، وإنهاء العزلة الطوعية التي فرضها الصدر عليه وعلى تياره.

ولعل من المفيد الإشارة إلى أن المواقف الصادرة على خجل من بعض الأصوات القريبة من التيار الصدري تحمل المستقلين عبء فشل مشروع الأغلبية الوطنية، وتتهمهم بالخذلان مع إصدار مواقف التشفي بهم مما حدث في جلسة التصويت على القانون، والتأكيد على موقف التيار الصدري بأنه لن يكون إلى جانبهم وأنه أي التيار الصدري، قادر على المنافسة والفوز بأي قانون بما فيه القانون الذي أقر وبآلية "سانت ليجو (1.7)".

السيناريوهات المحتملة 

أولاً: تقديم طعن من قبل المعترضين على جلسة التصويت والقانون لدى المحكمة الاتحادية العليا، لاسيما أنه سبق للمحكمة في قرارها (38) اتحادية لسنة 2016 إلغاء إحدى جلسات مجلس النواب لدخول القوات الأمنية الى داخل القاعة الدستورية.

ثانياً: اتساع حركة الاحتجاج ضد هذا القانون.

ثالثاً: دخول التيار الصدري إلى خط المواجهة والاعتراض على القانون بعد نشره في الجريدة الرسمية.

رابعاً: الإقرار بالأمر الواقع والتكيّف مع القانون.

*رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات