مارس المسؤولون الأميركيون في عهدي الرئيس السابق دونالد ترمب والحالي جو بايدن، ضغوطاً على الحكومات الأوروبية لوقف الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الاستراتيجية، مثل الموانئ والسكك الحديدية، لوقف نفوذ بكين التي تعمل على توسيع مصالحها في الموانئ الأوروبية.
وقبل 3 سنوات، دقت أجراس الإنذار في الولايات المتحدة بعد إبرام اتفاق لإعادة بناء ميناء في شمال البحر الأدرياتيكي استخدمه حلف شمال الأطلسي (الناتو) والبحرية الأميركية قبل ذلك.
وفازت 3 شركات مملوكة للحكومة الصينية بمناقصة لبناء وتشغيل محطة سفن حاويات جديدة في مدينة رييكا الكرواتية، في صفقة تمتد 50 عاماً.
وقال مسؤولون أميركيون وكرواتيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إن هذا الاتفاق أدى إلى إطلاق حملة مكثفة وسرية شنتها واشنطن، استخدمت فيها الدبلوماسية ومعلومات استخبارية وأدوات أخرى لإقناع كرواتيا، العضو بحلف الناتو، بتجنب التعامل مع الصين.
كما دعم المسؤولون الأميركيون سراً عرضاً بديلاً قدمته شركة "إيه.بي مولر-ميرسك" الدنماركية.
وساعدت الدبلوماسية الأميركية والضغط الذي مارسه الاتحاد الأوروبي في عرقلة الطموحات الصينية في نهاية المطاف، إذ ألغت الحكومة الأوكرانية المناقصة دون إبداء أسباب في يناير 2021، ثم أعادت طرحها مرة أخرى وفازت بها شركة "إي بي إم تيرمينالز"، التابعة لـ"ميرسك"، وشركة "إينا لوجيك" الكرواتية للخدمات اللوجستية، وفقاً لمصادر مطلعة على الملف.
وقال أوليج بوتكوفيتش، وزير النقل الكرواتي، في مقابلة أجرتها الصحيفة الأميركية في العاصمة زغرب: "لم يكن هناك تدخل مباشر، ولكن كانت هناك بعض الإشارات، فهذه قضية حساسة للغاية".
وتوضح الجهود التي بُذلت لمنع الصين من دخول ميناء رييكا، والتي لم يسبق الحديث عنها، كيفية عمل المسؤولين الأميركيين في إطار استراتيجية أوسع نطاقاً لمواجهة نفوذ بكين في أوروبا.
استراتيجية أميركية
وتُعد هذه الاستراتيجية إحدى مبادرات السياسة الخارجية القليلة التي اتبعتها إدارتي الرئيس الأميركي جو بايدن والسابق دونالد ترمب، وفقاً للصحيفة.
وقالت "وول ستريت جورنال" إن المسؤولين الأميركيين في عهدي بايدن وترمب ضغطوا على الحكومات الأوروبية لوقف الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الاستراتيجية، مثل الموانئ والسكك الحديدية وشبكات الطاقة ومصانع أشباه الموصلات.
وأضافت الصحيفة أن أحد أبرز هذه الجهود تمثل في حث الحلفاء الأوروبيين على إبقاء شركة "هواوي" الصينية خارج شبكات اتصالات الجيل الخامس.
وتعمل الصين على توسيع نطاق مصالحها في الموانئ في جميع أنحاء أوروبا، في دول مثل إسبانيا، وبلجيكا، واليونان حيث تمتلك بكين حصة الأغلبية في ميناء بيرايوس.
وانتقدت الولايات المتحدة العام الماضي خطة الصين للاستحواذ على حصة مسيطرة في ميناء هامبورج، الأمر الذي عارضه أيضاً بعض أعضاء الحكومة الائتلافية للمستشار الألماني أولاف شولتز.
وتم تقليص حصة مجموعة كوسكو الصينية من 35% إلى 24.9%، ومنعها من التدخل في قرارات إدارة الموانئ.
قلق شديد
وأثارت خطط الصين للسيطرة على ميناء رييكا قلقاً خاصاً لدى واشنطن؛ لأن حلف "الناتو" استخدمه لنقل المعدات العسكرية داخل وخارج أوروبا، كما استخدمته البحرية الأميركية لصيانة السفن وإصلاحها، بحسب "وول ستريت جورنال".
وقال السفير الأميركي لدى كرواتيا حينها دبليو روبرت كهورست، إن سيطرة الشركات الصينية على ميناء رييكا كانت ستزيد من صعوبة نقل الأشياء عبر الميناء على "الناتو" والدول الأخرى.
وأعرب مسؤولو الأمن القومي في الولايات المتحدة عن قلقهم الشديد بشأن توسع الدور الصيني في الموانئ البحرية الاستراتيجية.
وفي العام الماضي، زار وفد أميركي غينيا الاستوائية لحثها على رفض محاولة الصين بناء قاعدة عسكرية على الساحل الأطلسي للبلاد، ولكن نتيجة هذه الجهود لا تزال غير واضحة.
كما أعرب بعض المسؤولين الأميركيين، الشهر الماضي، عن قلقهم من أن تكون الرافعات الصينية العملاقة، التي تعمل في الموانئ الأميركية وفي جميع أنحاء العالم؛ تستخدم كأدوات تجسس.
قاعدة بيانات ضخمة
وتستطيع الصين الإطلاع على بيانات ضخمة عن عمليات الشحن العالمية، من خلال شبكة بيانات الشحن "لوجينك" التي تُستخدم على نطاق واسع.
ويتمتع ميناء رييكا، الذي يعود تاريخه إلى قرون، بقيمة استراتيجية بسبب قربه النسبي من قناة السويس في مصر.
وواجه الميناء فترات عصيبة عندما اندلعت الحرب وتفككت يوغوسلافيا في عام 1991.
وتحولت حركة السفن بعد ذلك إلى الموانئ القريبة في البحر الأدرياتيكي في إيطاليا وسلوفينيا، وخرجت كرواتيا من سوق حاويات الشحن، بحسب دينيس فوكوريبا، المدير التنفيذي لهيئة ميناء رييكا.
وقال فوكوريبا: "إذا كان لديك ميناء لا يحتوي على محطة للحاويات، فأنت لا تمتلك ميناء".