اعتبرت "بلومبرغ"، أن الإضرابات العمالية في فرنسا تهدد تعافي أوروبا من أزمة الطاقة، وسط التداعيات الكبيرة لهذه الإضرابات على قطاع الطاقة في القارة، وتسببها في تراجع الإنتاج وخسائر تجاوزت مليار دولار.
وبعدما نجت أوروبا من أخطر مرحلة في أزمة الطاقة، التي ضربتها في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، دون حدوث اضطرابات كبيرة في الإمدادات، بدأ العمال في فرنسا إضراباً عن العمل أدَّى إلى عرقلة العمليات في كافة القطاعات، من الموانئ إلى محطات توليد الكهرباء.
وبدأت الإضرابات في يناير الماضي احتجاجاً على المُقترح الذي قدمه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن نظام التقاعد في البلاد، لكنها اكتسبت زخماً في الأسابيع الستة الماضية. وأدَّى ذلك إلى ارتفاع أسعار الكهرباء، وابتعاد ناقلات الوقود عن سواحل البلاد، واستهلاك مخزونات الغاز الطبيعي أكثر من الدول الأوروبية الأخرى.
حجم الخسائر
وكشفت مصادر لـ"بلومبرغ" أن إضرابات العمال في محطات الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية تسببت في خسائر في الإنتاج لدى شركة كهرباء فرنسا تُقدر بنحو مليار يورو (1.1 مليار دولار)، مشيرين إلى أنَّ التأثير الأوسع على الاقتصاد لم يُحدد بعد.
وعلى الرغم من أن فرنسا تُعد مصدراً قوياً للطاقة في أوروبا، جاءت الاضطرابات في مرحلة حاسمة تتعافى فيها المنطقة من إحدى أسوأ الأزمات في إمدادات الطاقة منذ عقود بعدما أوقفت روسيا إمدادات الغاز في أعقاب حربها في أوكرانيا، بحسب "بلومبرغ".
وتواجه الطاقة النووية في فرنسا، التي تمثل الأساس الذي تقوم عليه إمدادات الكهرباء في البلاد، ضغوطاً منذ شهور بسبب تعطل المفاعلات.
وبدأت بعض العمليات في منشآت الطاقة في التعافي مع انحسار الاحتجاجات، ولكن التداعيات الناجمة عن الاضطرابات التي ضربت فرنسا امتدت إلى جميع أنحاء القارة. وتسعى أوروبا إلى الوقوف على قدميها مرة أخرى بعد أزمة الطاقة، ولكنها تفعل ذلك في الوقت الذي تواجه فيه فرنسا، التي تُعد أحد الركائز الأساسية للطاقة في أوروبا، بفترة ضعف.
معاناة من نقص الغاز
وتسبَّبت الإضرابات في فرنسا في غلق ثلاث محطات غاز طبيعي مُسال تديرها شركة "إلنجي" منذ بداية مارس الماضي. وتواجه محطة أخرى تديرها شركة "دونكيرك" انقطاعات متكررة عن العمل. وغيَّرت ناقلات الوقود وجهاتها إلى دول أخرى من بينها إسبانيا وبريطانيا.
واستؤنفت التدفقات لكميات قليلة في محطات "إلنجي"، وقد تُستأنف عمليات تفريغ ناقلات الوقود اعتباراً من نهاية الأسبوع الجاري. ولكن واردات البلاد من الغاز الطبيعي المسال تلقت بالفعل ضربة موجعة، وفقاً لـ"بلومبرغ".
وتُشير بيانات تتبع السفن إلى تراجع التدفقات بمقدار 1.1 مليون طن في الفترة من فبراير إلى مارس 2023، ما يعادل 650 مليون يورو من الغاز الطبيعي المُسال، وفقاً لحسابات الوكالة.
وقالت "بلومبرغ" إنَّ مخزونات الغاز لدى فرنسا انخفضت عما كانت عليه في عام 2019، مبينة أن مواقع التخزين في البلاد ممتلئة بنسبة 29% فقط، وفقاً لبيانات شركة "غاز إنفراستركشر أوروبا".
وتفوق هذه النسبة المُعدل التاريخي قليلاً، ولكنها أقل من نسبة ملء مواقع التخزين في ألمانيا (65%) وجميع أنحاء أوروبا (56%). ومع ذلك، قد تواجه فرنسا منافسة إقليمية أقل عند إعادة ملء مواقع التخزين في صيف العام الجاري.
متاعب نووية
ويعتمد أمن الطاقة في فرنسا على أسطول المفاعلات النووية في البلاد، وهو الأسطول الأكبر في أوروبا، لكن أعمال الصيانة والأعطال غير المُخطط لها الناجمة عن تعرض خطوط الأنابيب في نحو 12 وحدة للكسر العام الماضي، أدت إلى تراجع الإنتاج النووي إلى أدنى مستوى له منذ عام 1988.
وأدَّت إضرابات العمال إلى زيادة تراجع الإنتاج النووي، وعطلت إعادة تشغيل المفاعلات في الشهور الأخيرة، ما تسبب في انخفاض الإنتاج النووي لشركة كهرباء فرنسا بنسبة 7.4% في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وفقاً للشركة. وأعاد ذلك المخاوف بشأن بشأن إمدادات الطاقة النووية على المدى القريب.
وقبل بضعة أسابيع، طلبت هيئة الأمان النووي الفرنسية من شركة كهرباء فرنسا، مراجعة برنامجها الخاص بفحص المفاعلات بسبب اكتشاف تشققات جديدة في وقت سابق من العام الجاري.
أزمة الكهرباء والنفط
كما أدَّت إضرابات العمال وتجدُّد المخاوف النووية إلى ارتفاع أسعار الكهرباء في فرنسا، حيث ارتفعت العقود الآجلة الخاصة بتوصيل الطاقة في العام المقبل بنحو 50% إلى أكثر من 220 يورو لكل ميجاوات/ ساعة منذ أوائل مارس الماضي.
وعلى الرغم من أن هذا السعر أقل من المستويات القياسية التي وصلت إليها العقود في أغسطس الماضي، إلا أنه أعلى بكثير من أسعار العقود الألمانية.
وكما هو الحال مع منشآت الغاز الطبيعي المُسال، تسببت إضرابات العمال في وقف العمليات في محطات الوقود، ومصافي النفط، ومصانع البتروكيماويات في فرنسا. وغيرت ناقلات النفط وجهاتها إلى دول قادرة على تفريغ شحناتها.
واعتمدت فرنسا خلال هذه الجولة من الإضرابات على مخزونات الوقود بشكل أكبر مما كانت عليه خلال الإضرابات المنفصلة التي حدثت في أكتوبر الماضي؛ بسبب الاضطرابات التي شهدتها الموانئ، وفقاً لباحثي شركة "فاكتس جلوبال إنرجي". واستهلكت الحكومة الفرنسية أكثر من 3 ملايين برميل نفط خام من مخزوناتها الاستراتيجية منذ بداية مارس الماضي.
والجمعة، أعطى المجلس الدستوري في فرنسا، الضوء الأخضر لمشروع قانون رفع سن التقاعد الذي طرحه الرئيس إيمانويل ماكرون وأثار موجة من الاحتجاجات الشعبية لأسابيع.
وينص مشروع القانون الذي وضعه ماكرون، على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، ما تسبب في احتجاجات ضخمة، وأحياناً عنيفة في الأسابيع الأخيرة.