تواجه السياسة الخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن تحديات كبيرة مع سعي دول محورية إلى تجنب المواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، أو استغلال هذا التنافس أحياناً لتحقيق مكاسب خاصة، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الأحد، نقلاً عن تقييمات استخباراتية أميركية سرية.
وقالت "واشنطن بوست" إن الوثائق، التي تأتي ضمن مجموعة من الأسرار الأميركية التي تم تسريبها على الإنترنت من خلال تطبيق "ديسكورد"، تقدم لمحة نادرة عن الحسابات الخاصة التي تجريها القوى الناشئة الرئيسية، مثل الهند، والبرازيل، وباكستان، ومصر وجنوب إفريقيا.
وتضيف الصحيفة أن التسريبات تأتي "في الوقت الذي تحاول فيه هذه الدول اتخاذ مواقف مبهمة بشأن التحالفات، بينما لم تعد الولايات المتحدة قوة عظمى بلا منازع في العالم".
ولم يرد البيت الأبيض على طلب للتعليق على الأمر. ورفضت وزارة الدفاع الأميركية، حيث اطلع كبار القادة على العديد من الوثائق قبل تسريبها على الإنترنت، التعليق على الأمر.
وقال الباحث في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ماتياس سبكتور إن الدول النامية تغير طريقة تفكيرها في وقت تواجه فيه واشنطن منافسة جديدة قوية من بكين التي تخطط لزيادة نفوذها الاقتصادي والعسكري، وموسكو التي تظهر قدرتها على تفادي الضغط الغربي رغم تراجع قوتها الناجم عن الحرب في أوكرانيا.
وأضاف سبكتور: "ليس واضحاً من الذي سينتهي به المطاف في المقدمة في غضون 10 سنوات من الآن، ولذلك فهم (الدول النامية) بحاجة إلى تنويع المخاطر التي تواجههم والتحوط من رهاناتهم".
"الخيارات الصعبة لباكستان"
ويتضح ذلك في باكستان، التي تقول الصحيفة إنها حصلت على مساعدات اقتصادية وأمنية بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، وتعتمد الآن اعتماداً كبيراً على الاستثمارات والقروض الصينية.
وقالت وزيرة الدولة الباكستانية للشؤون الخارجية، حنا رباني خار، في مارس الماضي، إن بلادها "لم تعد تحاول الحفاظ على موقف وسطي بين الصين والولايات المتحدة"، وفقاً لإحدى الوثائق المُسربة.
وحذرت خار، في مذكرة داخلية تحمل عنوان "الخيارات الصعبة لباكستان"، من أن إسلام أباد يجب أن تتجنب تفادي إعطاء انطباع بأنها تسترضي الغرب.
وقالت خار إن غريزة الحفاظ على شراكة باكستان مع الولايات المتحدة ستؤدي في النهاية إلى التضحية بالاستفادة الكاملة من الشراكة "الاستراتيجية الحقيقية" مع الصين، وفقاً للصحيفة.
ولم توضح الوثيقة الاستخباراتية المُسربة، والتي لا تحمل تاريخاً، كيفية تمكنت الولايات المتحدة من الحصول على مذكرة خار.
وتضمنت وثيقة أخرى، تحمل تاريخ 17 فبراير، مداولات أجراها رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف مع أحد مساعديه بشأن تصويت في الأمم المتحدة بشأن الصراع في أوكرانيا، وتوقعات الحكومة بتعرضها لضغوط جديدة من الغرب لدعم قرار يدين الغزو الروسي.
ونصح المساعد شريف بأن تأييد هذا الإجراء سيكون بمثابة مؤشر على تغير موقف باكستان بعد امتناعها عن التصويت على قرار مماثل في وقت سابق، وفقاً للوثيقة. وقال المساعد إن باكستان قادرة على التفاوض مع روسيا على اتفاقيات في مجالي الطاقة والتجارة، وأن تأييد القرار المدعوم من الغرب سيهدد العلاقات مع موسكو.
وكانت باكستان ضمن 32 دولة امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالبت فيه روسيا "بسحب جميع قواتها فوراً، وبشكل كامل، ودون أي شروط، من أوكرانيا".
ورفض مسؤولون من باكستان ودول أخرى وردت أسماؤهم في الوثائق المُسربة طلب الصحيفة التعليق على الأمر.
جنوب أفريقيا "ترفض الترهيب"
وواجهت واشنطن معارضة في أماكن أخرى، في الوقت الذي تعاون فيه الحلفاء الرئيسيون للولايات المتحدة في أوروبا وشرق آسيا لدعم جهود بايدن في أوكرانيا من خلال تقديم الأسلحة إلى كييف وإيقاف الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية.
وقالت إدارة بايدن لهذه الدول إنها لا تطلب منها الانحياز إلى الولايات المتحدة من جهة، أو إلى روسيا والصين من جهة أخرى، وهي الرسالة التي أكدها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زياراته إلى هذه الدول.
وعندما زار بلينكن جنوب إفريقيا، العام الماضي، قال مسؤولون هناك لوزير الخارجية الأميركية إنهم لن يقبلوا الترهيب لاتخاذ قرارات لا تناسبهم.
وأجرت جنوب إفريقيا، وهي قوة ناشئة جديدة، مؤخراً تدريبات عسكرية مع روسيا، وربما ترفض طلباً من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بوتين (الرئيس الروسي فيلاديمر) إذا زارها خلال قمة مجموعة "بريكس"، التي تُعقد هناك في أغسطس المقبل.
الهند تتجنب الانحياز
وعلى نفس المنوال، تجنبت الهند على ما يبدو الانحياز إلى أحد الأطراف في المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، خلال محادثة أُجريت في 22 فبراير الماضي بين مستشار الأمن القومي الهندي، أجيت دوفال، وسكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، وفقاً لوثيقة مُسربة أخرى.
وقالت الوثيقة إن دوفال أكد لباتروشيف على دعم الهند لروسيا، وأن نيودلهي كانت تعمل على ضمان عدم اندلاع صراع في اجتماعات قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند، على الرغم من تعرضها لـ"ضغوطات كبيرة".
وأشار دوفال إلى مقاومة الهند للضغط الذي تعرضت له لتأييد القرار المدعوم من الغرب بشأن أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال إن الهند لن تتراجع عن المبدئي الذي اتخذته في الماضي، بحسب الوثيقة.
وذكر أشخاص مطلعون على موقف الهند إن نيودلهي لا تدعم الحرب الروسية، وأن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، نقل إدانته إلى بوتين بشكل شخصي.
وأضاف الأشخاص أن الهند تعتمد على دعم موسكو في الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وأنها ليس أمامها خيار سوى الحفاظ على العلاقات مع روسيا في مجالي الطاقة والاقتصاد.
وقالت وثيقة، تحمل تاريخ 17 فبراير، إن دول آسيا الوسطى "تسعى إلى استغلال" المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا، والاستفادة من الاهتمام المتزايد بها من قبل الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا، بينما تحاول تقليل اعتمادها على روسيا.
ولم تحدد الوثيقة هذه الدول، ولكنها على الأرجح تشمل دولاً تسعى إلى تقليص النفوذ الروسي وبناء شراكات جديدة في مجالي الطاقة والتجارة، مثل كازاخستان.
تداعيات في مصر
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن تداعيات التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا كانت "حادة بشكل خاص في مصر"، لافتة إلى أن القاهرة، التي تتلقى مساعدات تتجاوز قيمتها مليار دولار سنوياً من واشنطن، عمقت علاقاتها مع موسكو التي تبني أول محطة نووية في مصر، وتعد بتزويدها بمعدات عسكرية.
وأظهرت وثائق مُسربة أن مصر حاولت التغلب على المواجهة المتعلقة بأوكرانيا وتفادي طلبات الحصول على مساعدات عسكرية من قبل روسيا والولايات المتحدة.
وجددت الصحيفة الأميركية الإشارة إلى ما زعمت أنها وثيقة بشأن قرار مصري يخص "إنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ لتقديمها إلى روسيا سراً"، مرجحة أنه "تم التراجع عن ذلك أمام الضغوط الأميركية وتأجيل الصفقة".
وسبق أن نفت مصر وروسيا والولايات المتحدة، تقرير "واشنطن بوست" بهذا الشأن.
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد للصحيفة إن موقف مصر منذ البداية كان قائماً على "عدم التدخل في الأزمة، والالتزام بالحفاظ على مسافة واحدة من الجانبين، مع التأكيد على دعم مصر لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي في قرارات الجمعية العام للأمم المتحدة".
البرازيل
وأثار الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا غضب دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد أن قال إنها تطيل أمد الصراع في أوكرانيا من خلال إمداد كييف بالسلاح. واقترح لولا خطة للسلام، وافق عليها مسؤولون في وزارة الخارجية الروسية، وقالوا إنها تتصدى لرواية الغرب المتعلقة بالمعتدي والضحية في الصراع في أوكرانيا، وفقاً لمعلومات استخباراتية واردة في الوثائق المُسربة.
وكانت مبادرة لولا تتبلور في نفس الوقت الذي استقبلت فيه حكومته سفينتين حربيتين إيرانيتين تخضعان لعقوبات أميركية. وأظهرت وثيقة بتاريخ مارس الماضي إن السفينتين التابعتين للأسطول البحري 86 التابع للجيش الإيراني غادرت ريو دي جانيرو في 4 مارس بعد توقفها هناك لمدة أسبوع.
وأشارت تقديرات البنتاجون إلى أن لولا وافق على توقف السفينتين لتعزيز سمعته كوسيط عالمي وإبراز صورة البرازيل كقوة محايدة، لكنها قالت إن الأمر لا يشير بالضرورة إلى توسع كبير في العلاقات العسكرية بين البلدين.
وقالت الوثائق إن حكومات شيلي والأرجنتين وأوروجواي وفنزويلا رفضت طلبات مماثلة من إيران، بحسب الصحيفة.
كما خطط رئيس الأرجنتين، ألبرتو فرنانديز، لاستغلال تجدد التحالف بين دول أميركا اللاتينية، مثل الأرجنتين والمكسيك والبرازيل، لكسب مزيد من القوة في التفاوض مع الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، وفقاً لوثيقة مُسربة أخرى.
اقرأ أيضاً: