أكد تقييم استخباراتي أميركي سري أن اختراق الطائرات بدون طيار من كوريا الشمالية للمجال الجوي لجارتها الجنوبية في ديسمبر الماضي كشف عن افتقار سول للاستعدادات اللازمة للدفاع ضد مثل هذه التهديدات، مرجحاً أن يحتاج الجيش لسنوات لمعالجة عيوبه.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إن الوثيقة التي تم تسريبها على منصة المراسلة "ديسكورد" وحصلت على نسخة منها ضمن ما يعرف إعلامياً بـ"وثائق البنتاجون"، تسلط الضوء على ضعف الدفاع الجوي لكوريا الجنوبية في الوقت الذي أدى فيه التطوير العدواني من قبل جارتها لترسانتها النووية إلى دفع سول وواشنطن نحو حافة الهاوية.
ويقول الخبراء إن كوريا الجنوبية أعطت الأولوية لدفاعاتها لمواجهة الصواريخ القادمة واستثمرت بكثافة في تنمية قواتها الجوية والبحرية، لكن تركيز سول جاء على حساب إهمال احتياجات الدفاع الجوي الأخرى، مما جعل البلاد عرضة لتهديدات مثل تلك التي أدت لمجازر واسعة النطاق في أوكرانيا وسوريا وأماكن أخرى.
اختراق منطقة حظر الطيران
وكانت 5 طائرات بدون طيار كورية شمالية قد حلقت في عمق المجال الجوي لكوريا الجنوبية في 26 ديسمبر الماضي، بما في ذلك واحدة اخترقت منطقة حظر الطيران حول المكتب الرئاسي في سول، وأطلق حينها الجيش طائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر للرد على ذلك لكنه فشل في إسقاط أي منها، وقال مسؤولون عسكريون إن بعضها اختفى من على شاشات الرادار أثناء تعقبها.
وأثار الحادث تداعيات سياسية للرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، الذي ألقى باللوم على سلفه في عدم الاستعداد لمثل هذه التهديدات، وقال إنه يسارع إلى تفعيل وحدة متخصصة لمكافحة الطائرات بدون طيار في وقت لاحق من هذا العام.
من جانبه، رفض مكتب يون ووزارة الدفاع الكورية الجنوبية الرد على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، كما رفضت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أيضاً، قائلة إنها لن تتحدث عن "تسريبات استخباراتية مزعومة"، كما لم يجب المتحدث باسم البنتاجون على أسئلة الصحيفة حول ما إذا كانت الوزارة تعتقد أن نقاط ضعف كوريا الجنوبية تشكل تهديداً لآلاف من أفراد الجيش الأميركي وعائلاتهم المتمركزة هناك، أو ما إذا كان إمداد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي كبيرة قد أدى إلى إجهاد قدرتها على بيع تلك الأنظمة إلى سول.
وشملت تسريبات "ديسكورد" أيضاً وثائق سرية تشير إلى تنصت الولايات المتحدة على المحادثات الخاصة للمسؤولين الكوريين الجنوبيين، بما في ذلك نظرهم في طلب الولايات المتحدة بأن ترسل سول ذخيرة مدفعية إلى أوكرانيا، الأمر الذي قاومته كوريا الجنوبية بسبب تأثيره المحتمل على تجارتها مع روسيا، فضلاً عن خوفها من أن ترد موسكو عن طريق مساعدة كوريا الشمالية على تطوير برامج أسلحتها.
وأثارت هذه التسريبات رد فعل عنيف من قبل منتقدي الرئيس الكوري الجنوبي الذين طالبوه بمواجهة واشنطن بشأن هذه القضية، لكن مكتبه قال إن "مزاعم التنصت هذه غير صحيحة على الإطلاق"، من دون أن يوضح أي أجزاء من الوثائق يعتبرها ملفقة.
قصور في قدرات الجيش الكوري
وقالت "واشنطن بوست" إن هذا التقييم الاستخباراتي الأخير، الذي يتم الكشف عنه لأول مرة، يعود إلى أوائل مارس الماضي، وإنه كان جزءً من تقرير مقدم للقيادة العليا للجيش الأميركي، مشيرة إلى أنه يلقي الضوء على سبب معاناة قوات كوريا الجنوبية للكشف عن الطائرات بدون طيار وتعقبها وتدميرها خلال الاختراق الذي تم في ديسمبر الماضي، إذ أكد أن قدرة الدفاع الجوي الضعيفة لدى سول لا تتناسب مع التهديدات الناشئة.
وأوضحت الوثيقة المسربة أن الاتصال البطيء بين الرادارات الأرضية والطائرات أعاق استجابة سول أثناء الاختراق، فضلاً عن افتقار القادة في كوريا الجنوبية إلى وجود قواعد اشتباك واضحة.
ولفتت الوثيقة أيضاً إلى وجود ثغرات في تغطية الدفاع الجوي الكوري الجنوبي، والتي يمكن أن يستغلها طيارو كوريا الشمالية الذين يبحثون عن ثقوب في المجال الجوي غير الآمن.
وعلى الرغم من تعهد سول بمعالجة نقاط الضعف هذه وإنشاء وحدة مضادة للطائرات بدون طيار في وقت لاحق من هذا العام، يقول مسؤولون أميركيون إنها غالباً ستحتاج من 3 إلى 5 سنوات لتنفيذ خطتها بالكامل والحصول على التكنولوجيا والأسلحة المطلوبة، إذ جاء في الوثيقة أن القوات الكورية الجنوبية "لن تكون على الأرجح قادرة على تفعيل رد منسق بشكل مستمر على غارات كوريا الشمالية بدون طيار خلال الأشهر الستة المقبلة على الأقل".
وكانت كوريا الجنوبية قد اعتمدت بعض قدرات الدفاع الجوي، بما في ذلك امتلاكها لرادارات إنذار مبكر إسرائيلية، لكن المسؤولين في سول أقروا بصعوبة اكتشافهم الطائرات بدون طيار التي يقل طول جناحيها عن 10 أقدام، قائلين إن الطائرات المسيرة الأكبر حجماً تكون أسهل في الرؤية.
وتقول الوثيقة الأميركية المسربة إن السباق من أجل تأمين سماء كوريا الجنوبية قد فرض ضغوطاً هائلة على قواتها في الخطوط الأمامية، حيث تعمل الوحدات بالفعل في حالة تأهب قصوى، وقد أدى هذا الضغط الجديد لمعالجة الإخفاقات التي تم الكشف عنها خلال فصل الشتاء إلى "مستويات عالية من الإجهاد والإرهاق"، محذرة من الصعوبات التي قد تأتي مع إنهاك القوات.
اقرا أيضاً: