بات الاستخدام العسكري لتقنيات الذكاء الاصطناعي في الصين، يثير القلق في كل مكان بالولايات المتحدة من وادي السيليكون إلى وزارة الدفاع "البنتاجون"، بحسب ما أفادت "بلومبرغ"، فيما تتنامى المخاوف من تفجر سباق تسلح يفاقم الصراع بين البلدين.
وأشارت الوكالة إلى أن أحد الأشخاص الذين أثاروا المخاوف الأميركية مؤخراً، كان الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل إريك شميدت، عندما أدلى بشهادته في جلسة استماع بمجلس النواب الأميركي حول الصين، الأربعاء، باعتباره رئيساً لمبادرة تهدف إلى تسريع تبني مؤسسة الدفاع الأميركية للذكاء الاصطناعي.
وتؤكد مبادرة شميدت التي تسمى بـ"مشروع الدراسات التنافسية الخاصة" في تقرير جديد أصدرته هذا الشهر أنه يجب على الولايات المتحدة إعادة ترتيب جيشها للرد على هذا التهديد.
ووفقاً للتقرير، فإن "الصين تواصل حشد مجموعة واسعة من القدرات المتقدمة المُصمَمة خصيصاً لمواجهة الطريقة الأميركية التقليدية في القتال".
وكشف عن جهود بكين المستمرة منذ 30 عاماً لدراسة العمليات القتالية الأميركية بهدف التمكن من اختراق قوتها العسكرية، وهو ما يتم الآن بمساعدة الذكاء الاصطناعي، معتبراً أن أحد أهم عوامل قوة أي جيش باتت تتمثل في قدرته على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أسرع من عدوه.
سباق تسلح
ونقلت "بلومبرغ" عن يلبر باجراكتاري، وهو أحد مؤلفي التقرير، قوله إن الهدف من إصداره هو إبلاغ وزارة الدفاع والكونجرس والجمهور، بالحاجة المُلِحة إلى تسريع الجهود لتطوير قوة عسكرية أميركية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ولفتت الوكالة إلى أن هذه الجهود تثير مخاوف من حدوث "سباق تسلح للذكاء الاصطناعي" يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم أي صراع بين الولايات المتحدة والصين.
وحذر شميدت، في شهادته في جلسة الاستماع في مجلس النواب، من أن الصين تستثمر في الذكاء الاصطناعي للدفاع أكثر بكثير من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى "الاندماج المدني العسكري" الذي جعل الشركات التجارية الصينية تعمل بشكل وثيق مع الجيش.
وقال شميدت إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تتقدم قليلاً ببضع سنوات في المجالات الرئيسية مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، فإنه بات هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن الصين لديها المزيد من الأشخاص الذين يعملون على الذكاء الاصطناعي الاستراتيجي.
ووفقاً لـ"بلومبرغ"، فإن خبراء الدفاع الأميركيين يشعرون بالقلق من احتمال تجاوز الخطوط الحمراء، مثل شن الهجمات التي يدعمها الذكاء الاصطناعي ضد الأقمار الصناعية في الفضاء والهندسة النووية، وكذلك من خطر التصعيد السريع الذي لم يتم استكشافه بعد من قبل الولايات المتحدة والصين بالنظر إلى مناخ العداء الحالي بين البلدين.
محادثات حول الذكاء الاصطناعي
ومن جانبه، يشير جريجوري ألين، وهو المدير السابق للاستراتيجيات والسياسات في مركز الذكاء الاصطناعي المشترك في البنتاجون، والذي كان يشمل دوره جهوداً لتسريع تبني الجيش الأميركي للذكاء الاصطناعي، إلى المحاولات المتعددة لمسؤولي الدفاع الأميركيين لعقد ما وصفه بـ"حوارات الحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي العسكري" مع نظرائهم الصينيين، قائلاً إنه لم تنجح أي فرصة منهم للتواصل.
وعن انهيار الدبلوماسية العسكرية بين البلدين أضاف ألين: "لقد رفضت الصين كل المبادرات لإجراء محادثات حول الذكاء الاصطناعي العسكري، وهو ما يعد وضعاً مأساوياً".
ولم يعلق المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، ليو بينجيو، بشكل مباشر على رفض الصين المزعوم للمبادرات الثنائية الأميركية لمناقشة الذكاء الاصطناعي العسكري، لكنه قال إن بكين "تأخذ على محمل الجد الحاجة إلى منع المخاطر والتحديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وإدارتها، كما أنها تعمل بنشاط لتعزيز الحوكمة الدولية لهذه التكنولوجيا".
وأضاف المتحدث الصيني أن بكين قدمت في عام 2021 ورقة إلى أحد منتديات الأمم المتحدة تقترح فيها تنظيم التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي، وتشجيع تطويرها بشكل مسؤول، مشيراً إلى أنها كانت على استعداد لتكثيف التبادلات والتعاون "مع جميع الأطراف" لمواجهة المخاطر التي تشكلها التطبيقات العسكرية لهذه التقنية.
1.8 مليار دولار للذكاء الاصطناعي
ومن جانبه، يعمل البيت الأبيض على إجراء يطلب مراجعة الاستثمارات الخارجية في صناعات معينة، وخاصة التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية، فيما طلبت وزارة الدفاع الأميركية 1.8 مليار دولار للذكاء الاصطناعي في ميزانية 2024، وهو المبلغ الذي يفوق الميزانية اللازمة لهذه التكنولوجيا في السنوات الماضية.
ونقلت "بلومبرغ" عن كاثلين هيكس، وهي نائبة وزير الدفاع الأميركي، قولها في بيان إن "هذا التمويل من المرجح أن ينمو بمرور الوقت لأننا ندمج هذه التكنولوجيا في عملنا بشكل فعَال".
وأضافت: "الذكاء الاصطناعي هو أحد التقنيات الرائدة في عصرنا، ولذلك فإننا بالطبع نرى جمهورية الصين الشعبية تحاول تطويره واستغلاله، ولكن وزارة الدفاع تحرص على التأكد من استمرار واشنطن في التقدم عليها من خلال تضمين تقنية الذكاء الاصطناعي في العديد من جوانب مهامها، بما في ذلك الوعي في ساحة المعركة، والإنترنت، والاستطلاع، والخدمات اللوجستية، ودعم القوات، وستظل الولايات المتحدة ملتزمة بالاستخدام المسؤول لها".
ويقول النائب الجمهوري مايك جالاجر، والذي يرأس لجنة مجلس النواب المختارة لشؤون الحزب الشيوعي الصيني، إن الولايات المتحدة تبدو متقاربة مع الصين فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، والذي وصفه بأنه تقنية مهمة يمكن أن تحدد الهيمنة الجيوسياسية في هذا القرن، مطالباً بوقف تدفق رأس المال الأميركي إلى شركات الذكاء الاصطناعي الصينية.
وكان معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، وهو مركز أبحاث يركز على الأمن القومي، قد أعلن في مارس الماضي أن الصين تتقدم في 37 من 44 تقنية مهمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
في حين أكد المعهد أن الولايات المتحدة متقدمة في معالجة اللغات الطبيعية (وهي فرع من فروع الذكاء الاصطناعي والذي يتيح لأجهزة الكمبيوتر فهم اللغة البشرية وإنشائها ومعالجتها)، كما أشار إلى أن الصين رائدة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، بما في ذلك الشبكات العصبية والتعلم العميق.
اقرأ أيضاً: