قالت الرئاسة التونسية إن الرئيس قيس سعيد أبلغ مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، بأن شروط الصندوق لتقديم الدعم المالي لبلاده، "تهدد بإثارة اضطرابات أهلية".
وأوضح سعيّد في تصريحات لوكالة تونس إفريقيا الرسمية للأنباء، أنه لا بد لمؤسسات التمويل الدولية وتحديداً صندوق النقد، أن "تغيّر سياساتها وتوصياتها وتراجعها".
وأضاف أنه أكد لجورجييفا على هامش قمة تمويل عقدت، الخميس، في باريس، أن وصفات الصندوق "لا يمكن أن تكون مقبولة إلا بناء على تصور بلادنا، إذ لا يمكن أن نقبل بوصفات هي بمثابة وضع عود ثقاب إلى جانب مواد شديدة الانفجار"، منبهاً إلى أن الأمر "ليس مجرد أرقام، فهناك فلذات بشرية يجب الحفاظ على كرامتها".
ونقلت وكالة "رويترز" عن الرئيس التونسي قوله، في بيان صادر عن الرئاسة، إن وصفات صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي لتونس "غير مقبولة، لأنها ستمس بالسلم الأهلية التي ليس لها ثمن"، مشدداً على أنه لن يقبل بأن "تسيل قطرة دم واحدة".
وتابع سعيّد أن الحديث مع مديرة صندوق النقد كان "واضحاً وصريحاً"، قائلاً: "لا أريد أن تسفك الدماء كما وقع في أحداث جانفي (يناير) 1984"، وذلك في إشارة إلى ما يعرف باسم "انتفاضة الخبز" التي انطلقت في تونس عام 1984، بعدما رفعت السلطات الدعم عن الخبر والعديد من السلع الأساسية.
مفاوضات مستمرة
ولا تزال تونس تخوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض تناهز قيمته ملياري دولار. ورغم توصل تونس إلى اتفاق مع الصندوق على مستوى الموظفين في أكتوبر الماضي، إلا أن الصفقة لم تتم مراجعتها بعد للموافقة عليها من قبل مديري الصندوق.
وكان الرئيس التونسي أعرب في أبريل الماضي، عن معارضته لما وصفه بـ"الإملاءات" الخارجية التي يمكن أن تزيد من إفقار البلاد، ما دفع السندات التونسية للهبوط، إذ سجلت أكبر تراجع في العالم، بسبب مفاقمة تصريحات سعيد لمخاوف من أن تونس تتجه نحو التخلف عن السداد.
وقال سعيد آنذاك في تصريحات رداً على سؤال حول ما إذا كان سيوقّع على الاتفاقية: "في ما يتعلق بصندوق النقد الدولي، الإملاءات التي تأتي من الخارج وتتسبب فقط في المزيد من الفقر، مرفوضة".
وعندما سئل عن البديل لخطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، كرّر مرتين: "البديل هو أنه يجب أن نعتمد على أنفسنا".
وأثار احتمال إجراء خفض واسع في الإنفاق، بما في ذلك القطاع العام الواسع، انتقادات وتهديدات بالإضراب من جانب أكبر نقابة عمالية في تونس (اتحاد الشغل).
تباطؤ الاقتصاد وخفض التصنيف
وخلال الربع الأول من العام الجاري، سجّل الاقتصاد التونسي تباطؤاً، بعدما نما بنسبة 2.1%، مقارنة بنمو نسبته 2.3% خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
تشير البيانات إلى أن السبب الرئيسي وراء التباطؤ هو قطاع الزراعة الذي انكمش بنسبة 3.1%، ومن المرتقب أن يمتد هذا الانكماش لباقي العام، وفق بيان المعهد الوطني للإحصاء. كما انكمش قطاع الصناعة بنسبة 1%، فيما عوّض قطاع الخدمات هذا الانكماش ونما بنسبة 3.2%.
وفي يونيو الجاري، خفضت "فيتش ريتينجز" Fitch Ratings تصنيف تونس أكثر إلى الدرجة عالية المخاطر CCC-، في ظل الأزمة المالية التي تواجهها، مشيرة في بيان إلى أن هذه الخطوة تعكس "عدم اليقين بشأن قدرة تونس على حشد التمويل الكافي لتلبية احتياجاتها المالية الكبيرة".
دعم أوروبي
ولكن محنة محنة تونس الاقتصادية تلفت انتباه أوروبا. فمنذ احتجاجات 2011، أصبحت الدولة الإفريقية نقطة انطلاق رئيسية للعبور غير المشروع للبحر المتوسط، من قبل كلّ من التونسيين وغيرهم من القارة الإفريقية. والحكومة الإيطالية من بين من يخشون أن يؤدي الانهيار إلى مزيد من الهجرة.
وخلال زيارة قامت بها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس، تعهدت بمنح تونس مساعدة بقيمة 750 مليون دولار، ودعمها في مفاوضاتها مع الصندوق.
وقالت ميلوني في تصريحات نُشرت بصفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك، إن إيطاليا تعتزم فتح خطوط ائتمان بقيمة 700 مليون يورو (748 مليون دولار) لدعم الخدمات التي يغلب عليها الطابع الحيوي، مثل الرعاية الصحية. وصرحت بأن إيطاليا ستسعى أيضاً إلى "تقريب وجهات النظر" بين "صندوق النقد الدولي" وتونس خلال مؤتمر دولي حول قضية الهجرة غير الشرعية والمقرر انعقاده في روما، دون تحديد موعد.
أضافت ميلوني: "علينا أن نتبع النهج العملي حتى نتمكّن من مساعدة تونس".
من جهته، أعلن البنك الدولي، الخميس، توقيع اتفاقية قرض بقيمة 268.4 مليون دولار، مع تونس لتمويل مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا، والمعروف باسم "ألماد"، بحسب وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
وكان البنك الدولي أعلن قبل أسبوع عن إطار شراكة استراتيجية جديدة مع تونس يقوم بمقتضاها بضخ ما يتراوح بين 400 و500 مليون دولار سنوياً في الدولة خلال الفترة من 2023 إلى 2027 لمساندة المخطط التنموي للحكومة التونسية.
اقرأ أيضاً: