
نفت مصادر فلسطينية ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن بحث السلطة الفلسطينية إمكانية إعلان إفلاسها نتيجة وضعها المالي الصعب، ولكنها حذرت في الوقت ذاته أن هذه التقارير بمثابة "جرس إنذار" حول الوضع المالي الصعب للسلطة.
ونقلت وكالة أنباء العالم العربي عن مسؤول رفيع بوزارة المالية الفلسطينية قوله، إنه لا صحة أبداً للتسريبات المتعلقة بإفلاس السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى "أهداف إسرائيلية مجهولة" بهذا الصدد.
كما نفى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رمزي رباح في تصريح للمصدر ذاته، الأنباء التي تتحدث عن إفلاس السلطة، وقال إنَّ المطروح على طاولة المنظمة هو "العكس تماماً"، وهو "التعاطي بمسؤولية مع الأحداث الجارية في الوضع الراهن".
من جهته، اعتبر وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي أن هذا النقاش يعود إلى "خلافات بين الأحزاب الإسرائيلية"، نافياً أن يكون موضوع إعلان الإفلاس "حقيقياً".
وأشار العسيلي إلى وجود صعوبات مالية فلسطينية "نتيجة للاحتجازات والتدخلات" الإسرائيلية، مشدداً على أنَّ التسريبات الحالية "تمثل رغبات فردية لبعض الشخصيات الإسرائيلية فقط".
وحول ما يمكن أن يترتب من نتائج عن إعلان السلطة إفلاسها، قال تيسير نصر الله عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، إنَّ السلطة "ليست شركة لتعلن إفلاسها. لا يمكن لأي دولة أو هيئة حكومية أن تعلن إفلاسها، طالما أنَّ هناك مردودات من قبل المواطنين".
ولفت مسؤول فلسطيني كبير إلى وجود نقاش في ملف الوضع المالي للسلطة الفلسطينية، "لكن من دون الوصول إلى مرحلة البحث المعمق".
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي، أن "السلطة الفلسطينية هي مكسب للشعب، ولا يمكن التخلي عنها بسهولة، في حين تسعى إسرائيل لتقويض هذا الإنجاز"، مشيراً إلى أنَّ القيادة الفلسطينية تناقش خيارات متعددة لمواجهة الأزمة المالية التي تسببها الخصومات الكبيرة وغير القانونية لإسرائيل، وفق تعبيره.
ويشير المسؤول الفلسطيني بشكل مباشر إلى الأموال الضخمة التي تحتجزها إسرائيل من العوائد الضريبية الخاصة بالسلطة، وذلك في إطار ما تصفه تل أبيب بـ"العقاب" نظراً لأن السلطة الفلسطينية تدفع منها مخصصات للأسرى ولعائلات منفذي الهجمات.
وحسب بيانات رسمية فلسطينية، وصلت قيمة الخصومات الإسرائيلية من عام 2019، إلى أكثر من ملياري شيكل.
"وقف احتلال الخمس نجوم"
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن القيادة الفلسطينية تعمل على قاعدة "وقف احتلال الخمس نجوم"، وتكبيده الخسائر، وإلزامه بمهامه التي تفرضها المعاهدات والقوانين الدولية على الدول القائمة بالاحتلال، مشيراً إلى اتفاقيات جنيف واتفاقية لاهاي 1901، وما تبعها من قرارات أممية مماثلة للدول القائمة بالاحتلال.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نشرت مؤخراً تقارير تفيد بأنَّ السلطة الفلسطينية تدرس إمكانية إعلان إفلاسها نتيجة صعوبة وضعها المالي.
وأفادت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية، أن وزارة المالية الفلسطينية قامت بعدة مناقشات حول هذا الموضوع، بالتنسيق مع رئيس الوزراء محمد إشتية.
ووفقًا لتقرير الهيئة، فإنَّ السلطة الفلسطينية تدرس ما وصفته بهذه "الخطوة الدراماتيكية"، مشيرة إلى أن الإعلان عنها سيؤدي إلى تعطيل أنشطة السلطة، وخلق فراغ سلطوي أكبر في المناطق التي تخضع لسيطرة السلطة، ويمكن أن يؤدي إلى تفكيكها.
كما قالت قناة "كان" الإسرائيلية، إن نقاشات فلسطينية داخلية تدور حول إمكانية إعلان إفلاسها، بسبب خصومات كبيرة تقوم بها إسرائيل من أموال المقاصة الفلسطينية.
وأضافت القناة أنه في حالة إعلان الإفلاس "ستُغلق الوزارات، وقد يحدث فوضى وتدهور في الخدمات الحكومية".
جرس إنذار
على الرغم من النفي الفلسطيني للتسريبات المتعلقة بانهيار السلطة الفلسطينية مالياً، إلا أنهم يرون في تلك التسريبات "جرس إنذار" حول الوضع المالي الصعب للسلطة، والذي يعزونه إلى الخصومات الإسرائيلية من أموال المقاصة.
وأوضح العسيلي أنَّ السلطة تعاني عجزاً في ميزانيتها، مما يتطلب دفع نسبة تتراوح بين 80 إلى 85% من رواتب الموظفين، مشيراً إلى أنَّ هذا العجز يعود إلى اقتطاع إسرائيل من الأموال الفلسطينية التي تقدر بنحو 260 مليون شيكل شهرياً.
وأضاف "يتم تبرير هذه السرقة بزعم دفع 100 مليون دولار شهرياً لأسر الشهداء والمعتقلين والجرحى وغيرهم"، لكنه استدرك بالقول "مع ذلك فإنَّ انهيار السلطة المالي الذي يجري الحديث عنه غير وارد، وغير موجود على الإطلاق".
وأشار العسيلي إلى أنَّ "القطاع الخاص في فلسطين يتمتع بوضع اقتصادي جيد، ويعتمد دخل السلطة على جمع الضرائب من قبل وزارة المالية والمقاصة، وهذه الإيرادات تغطي نفقاتها، لولا التدخلات الإسرائيلية وسرقة الأموال شهرياً".
أما الخبير الاقتصادي سمير أبو مدللة فإنه يعتبر الحديث عن إفلاس السلطة، إنذاراً للمجتمع الدولي بوجود أزمة مالية تتفاقم في السلطة الفلسطينية.
وقال أبو مدللة إنَّ السلطة تعاني أزمة مالية منذ سنوات بسبب تراجع الدعم المالي، مؤكداً أن تصاعد الضغوط الاقتصادية يمكن أن يزيد من حدة الأزمة.
كما يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، أن ما يتم تداوله في الإعلام الإسرائيلي بشأن احتمال "إفلاس السلطة" يهدف لخدمة أغراض سياسية إسرائيلية داخلية.
وقال منصور إنَّ خبر "إفلاس السلطة" يتم تداوله لأغراض إسرائيلية داخلية، بهدف "إثارة الاهتمام والتحذير من أن الوضع الحالي للسلطة غير مستدام".
استمرار الدعم الأوروبي
وفي هذا الصدد، أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية شادي عثمان، أن الدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية سيبقى مستمراً، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي يقدم نحو 300 مليون يورو سنوياً.
وحول ما يتردَّد عن إعلان إفلاس السلطة، شدد عثمان على عدم تعاطي الاتحاد الأوروبي مع ما وصفه بـ"الإشاعات"، لافتاً إلى عدم إصدار موقف رسمي من السلطة حول هذا الأمر.
وقال: "نحن لا نتعامل مع الإشاعات، وما يرد في وسائل الإعلام، وإذا كان هناك موقف رسمي يصدر بشكل واضح عن السلطة سيتم الحديث عنه، أما ما يصدر عن وسائل الإعلام حول قضية إفلاس السلطة فليس له مصدر واضح".
وعن موقف الاتحاد الأوروبي حول اقتطاع الحكومة الإسرائيلية جزءاً من أموال المقاصة الخاصة بالسلطة، أشار عثمان إلى أن الاتحاد الأوروبي يطالب بشكل دائم خلال الاتصالات، بوقف هذه الاقتطاعات، مطالباً إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها، بموجب اتفاقيات باريس.
مصادر الإيرادات الفلسطينية
على الرغم من أنَّ تقرير سلطة النقد الفلسطينية الصادر حديثاً أظهر نمواً طفيفاً في الاقتصاد الفلسطيني، حيث نما خلال عام 2022 بنسبة 3.9% مقارنةً بـ 7.0% في عام 2021، إلا أن ذلك لم يحل الأزمة المالية التي تخنق السلطة الفلسطينية.
وقال وزير الاقتصاد الفلسطيني، إن الوضع المالي يعتمد على ثلاثة مصادر رئيسة: الجباية الداخلية، والمقاصة التي تجبيها إسرائيل من خلال الموانئ الإسرائيلية على الواردات، والدعم المقدم من الجهات المانحة. وأشار إلى انخفاض دعم الجهات المانحة إلى أرقام صغيرة جداً، حيث وصلت في عام 2022 إلى 345 مليون دولار فقط.
وأشار المحلل الاقتصادي سمير أبو مدللة إلى أن السلطة مَدينة خلال السنوات الماضية، حيث بلغ الدين التراكمي نحو 9 مليارات دولار، ما بين الدين الداخلي والخارجي للقطاع الخاص وللتأمين والمعاشات.
وشدد أبو مدللة على أن الأزمة المالية للسلطة، ستؤثر على استمراريتها واستمرارية عملها، ولفت إلى أن السلطة منذ أكثر من عامين تقريباً، تُعطي نحو 70% من الرواتب للموظفين، معتبراً هذا الأمر "ديْن عليها".
من جهته، أكد مسؤول سياسي فلسطيني كبير، أن القيادة الفلسطينية تناقش العديد من الخيارات، بما في ذلك رفع قضايا تحكيم دولية حول الاقتطاعات الإسرائيلية غير الشرعية.
وقال إنه "تم تأجيل هذه الخطوة لفترة قصيرة بناءً على تأكيدات أميركية بحل القضية، ولكن من الواضح أن الاقتطاعات مستمرة وتتزايد"، لافتاً إلى إمكانية تعليق استلام أموال المقاصة، حتى يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته كاملة.
وأشار المسؤول إلى إجراءات داخلية تتعلق بخفض النفقات وإصلاحات مالية، بالإضافة إلى العمل بنظام التقشف في ظل استمرار الأزمة المالية.
"دولة تحت الاحتلال"
أمَّا باسل منصور أستاذ القانون الدولي، فيرى أن السلطة الفلسطينية ليست "دولة"، بل "دولة تحت الاحتلال"، لذا لا يمكن لها إعلان إفلاسها كالدول السيادية.
وأضاف أن إسرائيل، بوصفها الدولة القائمة بالاحتلال"، هي المسؤولة عن إدارة الشعب الفلسطيني وشؤونه، بما في ذلك الجانب المالي.
ويشير منصور إلى أن الأراضي الفلسطينية محاصرة بالكامل من قبل إسرائيل، سواءً اقتصادياً أو أمنياً أو في مجالات أخرى، مؤكداً على ضرورة أنْ تتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الأراضي الفلسطينية وفق القانون الدولي.
ووفقاً لتوصيف منصور، تعد السلطة الفلسطينية مجموعة من المؤسسات والهيئات، لكنها لم تتحول إلى دولة ذات سيادة كاملة.