أعادت الاضطرابات في فرنسا تسليط الضوء على العلاقة بين منصات التواصل الاجتماعي وتصاعد العنف، بعدما ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باللّوم على منصات "تيك توك"، و"سناب شات"، وغيرهما في "تأجيج أعمال الشغب على نطاق واسع"، إثر وفاة الشاب نائل برصاص الشرطة.
واتهم ماكرون، الجمعة، وسائل التواصل الاجتماعي بلعب "دور كبير" في تشجيع أعمال العنف، في وقت تحاول البلاد "إخماد نار الاحتجاجات" التي طفت بقوة على سطح التوترات المتأججة منذ فترة طويلة بين الشرطة والشباب.
وأكد ماكرون، الذي انتقد في الوقت نفسه ألعاب الفيديو على خلفية أعمال الشغب، أنَّ حكومته ستتعاون مع وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل "المحتوى الأكثر حساسية"، والكشف عن هوية من "يدعون إلى الفوضى أو يفاقمون العنف".
"روح المسؤولية"
في هذا السياق، استشهد مسؤول فرنسي تحدث إلى وكالة "أسوشيتد برس" بشرط عدم الكشف عن هويته، بنشر اسم وعنوان ضابط الشرطة الذي أطلق الرصاص على نائل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال المسؤول إنَّ أحد ضباط السجون شاهد بطاقته المهنية "تُتداول عبر الإنترنت"، مشيراً إلى أن "هذا قد يعرض حياة الضباط وأسرهم إلى الخطر".
وخلال خطابه الذي ألقاه، الجمعة، لم يحدد الرئيس الفرنسي نوع المحتوى الذي يراه "حساساً"، لكنه قال إنه يتوقع أن تشيع منصات التواصل الاجتماعي "روح المسؤولية".
وقال المسؤول للوكالة الأميركية إن المحادثات بين الحكومة وشركات التواصل الاجتماعي، ومنها "سناب شات" و"تويتر"، بدأت بهدف "تسريع وتيرة عملية إزالة المحتوى الذي يحض على العنف".
وأضاف أن الحكومة الفرنسية تدفع أيضاً باتجاه "تحديد هوية الأشخاص الذين يطلقون الدعوات إلى ممارسة العنف"، واصفاً هذه المحادثات بأنها "لا تزال في طور النقاش".
بدوره، حذّر وزير الداخلية جيرالد دارمانان شبكات التواصل الاجتماعي في اجتماع عقد أخيراً، من أنها "لا يمكنها أن تسمح لنفسها بأن تُستخدم كقنوات تسري عبرها دعوات استخدام العنف". وأضاف أنَّ الشركات كانت "متعاونة للغاية"، موضحاً: "سنرى الليلة إذا كانت كذلك بالفعل".
وأشار إلى أن السلطات الفرنسية ستمد شركات التواصل الاجتماعي بـ"أكبر قدر ممكن من المعلومات"، حتى تكشف لها في المقابل عن هويات الأشخاص الذين يحضون على العنف، مضيفاً أن السلطات "ستقوم بتتبع كل شخص يستخدم هذه الشبكات لارتكاب أعمال عنف".
وشدد أيضاً على أنَّ بلاده ستتخذ "كل التدابير اللازمة، في حال لم تحترم شبكات التواصل الاجتماعي، أياً كان اسمها، القانون في البلاد".
ماذا يقول القانون الفرنسي؟
وفقاً لـ"أسوشيتد برس"، تمتلك فرنسا قانوناً ضد التحرش السيبراني، حيث يمكن ملاحقة التهديدات الجنائية عبر الإنترنت، مثل التهديدات بارتكاب جرائم اغتصاب أو قتل، وأيضاً السب عبر الإنترنت، قضائياً.
إلا أن الوكالة وصفت ذلك بأنه "نادر الحدوث في واقع الأمر"، ففي عام 2020، وافق البرلمان الفرنسي على مشروع قانون يجبر المنصات ومحركات البحث عبر الإنترنت، على إزالة المحتوى المجَرَّم في غضون 24 ساعة.
بعد عام، أدانت محكمة فرنسية 11 من أصل 13 متهماً بالتحرش وتهديد مراهقين عبر الإنترنت. ولكن المتهمين كانوا من أولئك الذين يمكن تعقبهم.
ماذا تقول مواقع التواصل الاجتماعي؟
من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم "سناب شات"، راشيل راكوسين: "منذ الثلاثاء، زادت الشركة من مرونتها للكشف والعمل على المحتوى المتعلق بأعمال الشغب في فرنسا".
لكن العديد من وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى لا تزال تلتزم الصمت، إذ أشارت "أسوشيتد برس" إلى أن شركتي "تيك توك"، و"ميتا"، التي تمتلك "فيسبوك"، و"إنستجرام"، "لم تستجيبا على الفور"، الجمعة، لطلبها للتعليق.
الوكالة قالت أيضاً إن "تويتر" لم ترد إلا "عبر رسالة آلية من خلال رمز تعبيري (إيموجي)"، كما اعتادت دائماً أن تفعل منذ أن استحوذ عليها الملياردير الأميركي إيلون ماسك.
كيف تستجيب المنصات عادةً؟
قالت "أسوشيتد برس"، إن منصات التواصل الاجتماعي، مثل "تيك توك"، و"سناب شات"، و"تويتر"، غالباً ما تفرض رقابة على الأشخاص الذين يدعون إلى العنف، لأنها يمكن أن تتعارض مع سياساتها.
لكن هذه الشركات يمكن أيضاً أن تحذف بعض المواد المنشورة على منصاتها امتثالاً للقوانين المحلية والمطالبات الحكومية، ما يثير الجدل في بعض الأحيان.
وأشارت الوكالة الأميركية لذلك، بالقرار الذي اتخذته "تويتر"، في مايو الماضي، بفرض رقابة على الخطابات بناء على طلب من الحكومة التركية في الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد.
وقالت "سناب شات" على موقعها، إنها تتعاون مع وكالات إنفاذ القانون والوكالات الحكومية لتلبية "الطلبات الصالحة" بشأن الكشف عن المعلومات التي يمكن أن تفيد أثناء إجراء التحقيقات.
وتتلقى الشركة الكثير من الطلبات على مدار العام. وأظهر أحدث تقرير شفافية أصدرته "سناب شات" بشأن تعاملها مع الطلبات من هذا النوع في النصف الثاني من العام 2022، أن الشركة تلقت "أكبر عدد من الطلبات" من الحكومة الأميركية، تليها حكومات المملكة المتحدة وكندا وألمانيا تباعاً.
"100 طلب طارئ"
بدورهم، قدَّم المسؤولون الفرنسيون "100 طلب طارئ" بشأن الحصول على معلومات عن المستخدمين تتضمن بعض المُعرفات بحساباتهم، مثل عنوان البريد الإلكتروني ورقم الهاتف. وقالت بعص الشركات إنها قدمت "بعض البيانات" استجابة لـ 54% من هذه الطلبات.
وخلال الفترة نفسها أظهر تقرير الشفافية الخاص بـ"تيك توك"، أن الشركة حصلت على طلبات أقل بكثير، دون الـ 20، من الحكومة الفرنسية، وأنها حذفت أو قيدت المحتوى، أو حسابات، 86% من هذه الطلبات.
وقالت إيما لانسو، مديرة مشروع حرية التعبير، التابع لمركز الديمقراطية والتكنولوجيا الأميركية: "رغم أن حذف العبارات التي تحرض على العنف بشكل غير قانوني، مناسب للخدمات عبر الإنترنت، إلا أن هذا الأمر يجب أن يتم بحرص شديد، خاصة في ما يتعلق بالطلبات التي يمكن أن تكون شاملة أو موسعة إلى درجة كبيرة".
وخلال النقاشات السياسية الحماسية والاحتجاجات العامة، قد يستخدم الأفراد لغة حادة، أو "تلميحات للعنف"، من دون أن يكون لديهم أي نية للتحريض أو ارتكاب أعمال عنف، بحسب تعبير لانسو.
وأضافت أن "ما يفعله الشباب في فرنسا هو احتجاج ضد عنف الدولة"، معتبرةً أن هذا "نوع مهم من النشاط السياسي"، ومن ثم فإن "كيفية استجابة شركات التواصل في هذه اللحظة ستكون بالغة التأثير على قدرة الناس على إيجاد صوتهم السياسي"، مشددةً على أنه "حبل مشدود يصعب بشدة السير عليه".
اقرأ أيضاً: