الصين تشعل "حرب الرقائق" بتقييد صادرات مواد أساسية

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تعبيرية للتنافس بين الولايات المتحدة والصين في مجال صناعة الرقائق - REUTERS
صورة تعبيرية للتنافس بين الولايات المتحدة والصين في مجال صناعة الرقائق - REUTERS
دبي-الشرق

فرضت الصين قيوداً على تصدير نوعين من المعادن، قالت الولايات المتحدة إنهما "مهمان لإنتاج أشباه الموصلات" ، والاتصالات، وصناعات السيارات الكهربائية، وأنظمة الصواريخ"، في خطوة تظهر أن لبكين "القدرة" على الرد على التحركات الأميركية والأوروبية لعزلها عن التكنولوجيا المتقدمة.

ويظهر التحرك الصيني، الذي وصفته صحيفة "وول ستريت جورنال"، بأنه "استعراض للقوة" قبل محادثات اقتصادية بين بكين وواشنطن، مكانة الصين "المهيمنة" في الإنتاج العالمي للغاليوم والجرمانيوم، وهما مادتان أساسيتان تستخدمان في صناعة الرقائق والصناعات المتقدمة، وفق "بلومبرغ".

وقالت وزارة التجارة الصينية، الاثنين، إن المعدنين، الغاليوم والجرمانيوم، وأكثر من 36 من المعادن ذات الصلة ومواد أخرى "ستخضع جميعها لضوابط تصدير غير محددة" بدءاً من أول أغسطس المقبل.  

وأشار بيان الوزارة إلى أن الخطوة تهدف لـ"حماية الأمن القومي والمصالح القومية"، مشيراً إلى أن "بعض طلبات التصدير المستقبلية ستخضع للمراجعة من قبل أعلى هيئة حكومية"، وهي مجلس الدولة.

وأدت حالة التنافس بين الصين والولايات المتحدة إلى فرض قيود على الصادرات بهدف إبطاء وتيرة صناعات التكنولوجيا المتقدمة في الدولة الأخرى.

كما أدت الشكاوى التجارية بشأن هذه القيود، والتي يعزيها كلا الطرفين إلى حماية الأمن القومي، إلى العودة إلى المحادثات رفيعة المستوى بين الحكومتين.

وتنتج الصين حالياً  حوالي 94٪ من إنتاج الغاليوم في العالم، وفقاً لمركز معلومات المعادن في المملكة المتحدة. ومع ذلك، لا تعتبر المعادن نادرة أو صعبة العثور عليها، على الرغم من أن الصين قد أبقت على أسعارها منخفضة وقد تكون مكلفة نسبياً لاستخراجها.

"سيف ذو حدين"

ووصفت "بلومبرغ" هذا الإجراء بأنه "سيف ذو حدين"، وقد يعمل ببساطة على تسريع الجهود المبذولة من قبل تلك الدول للحد من اعتمادها على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وإذا قامت بكين في وقت ما بتقييد الشحنات وتقليص إمداداتها إلى دول أخرى، فمن المحتمل أن ترتفع الأسعار، ما يدفع دولاً مثل اليابان أو كندا أو الولايات المتحدة إلى زيادة الانتاج.

وعملت الصين للمرة الأولى على نظام التراخيص لتصدير الأتربة النادرة في تسعينيات العام الماضي، مع رفع الضرائب تدريجياً على الشركات في اليابان وأماكن أخرى تعتمد على الإمدادات الصينية.

ولكن النقلة الكبيرة حدثت في عام 2010، عندما أوقفت بكين مؤقتاً الصادرات إلى اليابان، رداً على تصادم بين قارب صيد صيني وحرس السواحل الياباني بالقرب من جزر تطالب كل دولة السيادة عليها.

وأثار هذا الحادث سباقاً للعثور على مصادر بديلة من الصين. ثم ازداد الإنتاج في أستراليا والولايات المتحدة، مما أدى إلى انخفاض حصة الصين من الإمدادات العالمية إلى 70٪ عام 2022، مقارنة بذروتها التي بلغت 98٪ في عام 2010.

محادثات اقتصادية

ورجحت "وول ستريت جورنال" أن تحظى هذه القضية بـ "مزيد من التركيز" عندما تقوم جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية، بزيارة بكين هذا الأسبوع، وفي حال قامت وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو بزيارة متوقعة في الأشهر المقبلة إلى الصين.  

وكانت وزارة الخزانة الأميركية أعلنت أن الوزيرة ستزور بكين من الخميس إلى الأحد، حيث ستجتمع مع مسؤولين صينيين وأعضاء في الحكومة، لبحث أهمّية "أن يدير البلدان علاقتهما بطريقة مسؤولة، بوصفهما الاقتصادين الرائدين في العالم".

كذلك، تعتزم يلين التشديد على ضرورة "التواصل مباشرة بشأن مجالات الاهتمام، والعمل على مواجهة التحدّيات العالمية".

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول في وزارة الخزانة قوله، إن الوزارة لا تتوقع حدوث أي اختراق مهم في العلاقات بين البلدين خلال الرحلة، ولكنه أعرب عن أمله في إجراء مناقشات بنّاءة وإنشاء قنوات اتصال على المدى الطويل مع الصين.

وأضاف أن الوزراة تريد "في هذه الزيارة، تعميق وتيرة الاتصالات بين بلدينا وتعزيزها، وتحقيق استقرار في العلاقات لتجنّب سوء التفاهم، وتوسيع تعاوننا حيثما أمكن ذلك".

معركة أشباه الموصلات

الولايات المتحدة أوقفت في أكتوبر الماضي صادرات المعدات المستخدمة في إنتاج بعض أشباه الموصلات الأكثر تقدماً إلى الصين، واعتمدت على موردين من كوريا الجنوبية وهولندا لوقف صادراتهما أيضاً.  

وحضت بكين شركاتها على النظر في تداعيات التصدير إلى الولايات المتحدة على الأمن القومي الصيني. وحظرت استخدام منتجات شركة Micron، وهي أكبر منتج لرقائق الذاكرة في الولايات المتحدة، في شركات البنية التحتية المعلوماتية المهمة في الصين، فيما حضّت حلفاء الولايات المتحدة على رفض ما وصفته بـ"الحماية على نمط الحرب الباردة" التي تروج لها واشنطن.    

وتحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إغراء شركات مثل "سامسونج" و"شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات" بالتوسع في الولايات المتحدة، ولكن "وول ستريت جورنال" استبعدت "حمل هذه الشركات على إدارة ظهورها للصين".  

أهمية الغاليوم والجرمانيوم

رغم أن كلا من الغاليوم والجرمانيوم لا يُتداولان بكميات كبيرة، إلا أنهما مهمّان لصناعات معينة، خصوصاً صناعة اشباه الموصلات التي غالبا ما يتم تصميمها في الولايات المتحدة، حتى في حال تم تصنيعها في تايوان وكوريا الجنوبية.  

وقال ألاستير نيل، عضو مجلس إدارة معهد المعادن المهمة، والذي يمتلك نحو 30 عاماً من الخبرة في صناعة المعادن في الصين، لـ"وول ستريت جورنال"، إن "هذا الإجراء سيكون له تأثير فوري ومضاعف على صناعة أشباه الموصلات، خصوصاً فيما يتعلق بالرقائق عالية الأداء".  

وتضررت الصين من جهود الولايات المتحدة لإبطاء تقدم تصنيع أشباه الموصلات لديها، والذي حذّرت واشنطن من أنه يهدف في نهاية المطاف إلى تقوية الجيش الصيني، إذ فاقمت إدارة بايدن من صعوبة شراء آلات الطباعة الحجرية اللازمة لإنتاج شرائح عالية الأداء على الصين.

والأسبوع الماضي، حقّقت واشنطن نصراً جديداً عندما قالت الحكومة الهولندية إن الشركات الهولندية المنتجة لهذا النوع من المعدات، مثل ASML، ستحتاج إلى "تصريح حكومي" لشحن بعض منتجاتها إلى الخارج.  

"المعاملة بالمثل"

ويرى محللو الصناعة أن البلدين يتبعان "أسلوب المعاملة بالمثل". في هذا السياق قال ألاستير نيل: "إذا لم ترسل رقائق عالية الجودة إلى الصين، فستستجيب الصين بحظر إرسال العناصر عالية الأداء، التي تحتاج إليها لإنتاج هذه الشرائح". وأضاف: "بكين عادة ما تحاول مطابقة التدابير التجارية الأميركية بتدابير مضادة بنسبة مكافئة".  

ويظهر كل من الغاليوم والجرمانيوم ضمن 50 نوعاً من المعادن تعتبرها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية "مهمة"، ما يعني أنها جوهرية للاقتصاد أو الأمن القومي للبلاد، ولديها سلسلة إمداد معرضة لخطر الاضطراب.  

ويعد الغاليوم وهو معدن فضي ناعم في درجة حرارة الغرفة، مكوناً أساسياً في فئة سريعة النمو من أشباه الموصلات، تستخدم في شواحن الهواتف والمركبات الكهربائية وغيرها.  

واستوردت الولايات المتحدة نحو 53% من حاجتها من الغاليوم من الصين في الفترة بين عامي 2018 و2021، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، مع انخفاض الواردات بشكل كبير في عام 2019، بعد أن فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية أعلى على الغاليوم الصيني. ولا يوجد إنتاج أميركي من الغاليوم غير المكرر.  

ويستخدم زرنيخيد الغاليوم، وهو مركب يحتوي على الزرنيخ، على نطاق واسع في صناعة الشرائح عالية الأداء، لأنه أكثر مقاومة للحرارة والرطوبة، كما أنه موصل أكثر من السيليكون.  

وأشارت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام الحالي إلى أنه "لا توجد بدائل فعالة للغاليوم في هذه التطبيقات".  

استخدامات عسكرية

ويعتمد الجيش الأميركي على نيتريد الغاليوم، وهو منتج ذو صلة، لخصائصه المتعلقة بنقل الطاقة بكفاءة في أكثر الردارات المتقدمة قيد التطوير. كما يُستخدم أيضاً في نظام الدفاع الصاروخي "باتريوت" الذي تصنعه شركة "RTX"، المعروفة سابقاً بـRaytheon Technologies.  

وبلغت مبيعات الشرائح التي تستخدم نيتريد الغاليوم 2.47 مليار دولار العام الماضي، وفقاً لمنظمة Precedence Research، ويُتوقع أن تقفز إلى 19.3 مليار دولار بحلول عام 2030.  

كما يُتوقع أن ترتفع مبيعات الشرائح المنتجة باستخدام زرنيخيد الغاليوم من 1.4 مليار دولار العام الماضي، إلى 3.4 مليار دولار في عام 2030، وفقا لـResearch and Markets.  

أما الجرمانيوم، وهو معدن لامع أبيض مائل للرمادي، فيمكن أن يزيد من خاصية سرعة التوصيل في السيليكون، وغالباً ما يُستخدم في صناعة أنظمة الألياف الضوئية والخلايا الشمسية، بما في ذلك تلك المستخدمة في التطبيقات الفضائية.  

وبالنسبة لخبراء التجارة، فتذكر القيود الجديدة التي فرضتها الصين على الصادرات بنظام حصص التصدير السابق الذي فرضته بكين على المعادن النادرة، وهي مجموعة أخرى من المعادن تُنتج غالباً في الصين، وتتمتع بخصائص مميزة للشركات التي تعمل في مجال صناعة التكنولوجيا المتقدمة.  

معركة قانونية

وكسبت الولايات المتحدة في عام 2014 قضية في منظمة التجارة العالمية بشأن القيود التي فرضتها الصين على صادرات المعادن النادرة، إضافة إلى التنجستن والموليبدينوم، باعتبار أن هذه القيود لا تتماشى مع قواعد التجارة الدولية.  

وفي عام 2019، قام الرئيس الصيني شي جين بينج بزيارة إلى إحدى المناطق الرئيسية في إنتاج المعادن النادرة في البلاد. واعتبر المحللون هذه الزيارة بمثابة "تحذير" من قدرة بكين على إحداث اضطرابات في تجارة المعادن.

وقال بول تريولو، النائب الأول لرئيس الصين وسياسة التكنولوجيا في شركة Albright Stonebridge Group للاستشارات، ومقرها واشنطن، لـ "وول ستريت جورنال"، إن "ضوابط التصدير تسمح لبكين باستهداف بعض الشركات وقطاعات أوسع من الصناعات، واتخاذ قرارات بناء على اعتبارات جيوسياسية".  

اقرأ أيضاً:

تصنيفات