
يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تغيير مواقفه السابقة من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بإظهار مزيد من الالتزام تجاه التكتل العسكري، بعدما كان يصرح في السابق بأن الناتو في حالة "موت سريري".
وأفادت "بلومبرغ" في تقرير، الأربعاء، بأن ماكرون يمارس "ضغوطاً سرية" لتوسيع الحلف، وتسريع انضمام أوكرانيا للناتو والاتحاد الأوروبي.
ويحاول ماكرون "تعويض الوقت الضائع"، مع استعداد قادة "الناتو" للاجتماع في العاصمة الليتوانية فيلنيوس يومي الثلاثاء والأربعاء.
وأشارت "بلومبرغ" في هذا الصدد إلى إرسال ماكرون الفرقاطة الفرنسية "أوفيرني" لأول مرة إلى بحر البلطيق، في 24 يونيو الماضي، والتي رست في هلسنكي على بعد 190 ميلاً (300 كيلومتر) فقط من مدينة سانت بطرسبرغ، مسقط رأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهدف إظهار الدعم إلى فنلندا، المنضمة حديثاً إلى حلف الناتو.
ووفق "بلومبرغ"، فإن الخطوة تعبر عن "حماس" الرئيس الفرنسي تجاه التحالف بعد عقود من التردد، إذ صرح علانية في 2020 بأن الناتو في حالة "موت سريري"، وجدد مطالبه بإنشاء "جيش أوروبي حقيقي موحد"، للحد من الاعتماد على الولايات المتحدة في مجال الدفاع.
التوسع شرقاً
وفي الوقت الراهن، يسعى الرئيس الفرنسي إلى تسريع وتيرة توسع "الناتو" والاتحاد الأوروبي شرقاً، من خلال تمهيد الطريق لانضمام أوكرانيا.
وفي خطاب ألقاه الشهر الماضي، تخلى ماكرون، الذي كان متشككاً في وقت سابق، عن معارضة فرنسا القائمة منذ فترة طويلة لتوسيع نطاق المظلة الأمنية الغربية، ودعا إلى تعزيز التنسيق بين "الناتو" والاتحاد الأوروبي في مجال الدفاع.
وقال دبلوماسيون إن ماكرون يضغط سراً من أجل السماح لأوكرانيا ببدء عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، عكس تحفظه بشأن انضمام ألبانيا ومقدونيا إلى الكتلة في عام 2018.
وأعرب مسؤولون فرنسيون عن ثقتهم في أن كييف ستفي بالشروط اللازمة لبدء محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية العام، ولكنهم أكدوا أن أوكرانيا لن تحصل على "معاملة خاصة".
ونقلت "بلومبرغ" عن دبلوماسي فرنسي قوله إن ماكرون أدرك أنه "يجب أن يكون على الجانب الصحيح من التاريخ، وأنه لا يزال لديه عمل يتعين القيام به في هذا الصدد".
من جهتها، قالت ريم ممتاز، الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لـ"بلومبرغ": "الرسالة هامة، سنرى ما إذا كانت ستُترجم إلى توجه استراتيجي جديد".
سنوات من التردد
ويتقمص ماكرون منذ وقت طويل، بحسب "بلومبرغ"، دور خليفة القادة الفرنسيين الذين نأوا بأنفسهم عن تحالف "الناتو" الذي تقوده الولايات المتحدة، مثل شارل ديجول مؤسس الجمهورية الخامسة، وجاك شيراك، الذي تجاهل مخاوف أوروبا الشرقية.
واستقبل ماكرون بوتين في عام 2017، وأثار ردود فعل غاضبة قبل الغزو مباشرة عندما تحدث عن إمكانية "إضفاء الطابع الفنلندي" على أوكرانيا، واستبعد احتمالية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أو "الناتو".
ونقلت "بلومبرغ" عن العديد من المسؤولين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، قولهم إنهم فوجئوا بالتحول الواضح في موقف ماكرون، وأن بعضهم كانوا متشككين إزاء هذا التحول.
سخرية من ماكرون
ووصف مسؤول أوروبي كبير الخطاب الذي ألقاه ماكرون الشهر الماضي، بأنه "تصريحات فارغة"، وسخر مسؤول آخر من خطط الرئيس الفرنسي للتوسط في مفاوضات السلام إلى جانب الصين، وأشار إلى محاولاته السابقة الفاشلة لإقناع بوتين بعدم مهاجمة أوكرانيا. ويرى مسؤول ثالث أن ماكرون أدرك أن جهود التواصل مع بوتين لم تنجح.
وفي مايو الماضي، أقر ماكرون بأن الغزو الروسي لأوكرانيا "أيقظ" حلف الناتو من "أسوأ صدمة".
سد الفراغ الألماني
وفي المقابل، قال دبلوماسي من أوروبا الشرقية للوكالة، إن وقوف فرنسا إلى جانب بولندا ودول البلطيق، الأكثر تأييداً لأوكرانيا، يساعد على سد الفراغ الذي خلفه النهج الأكثر حذراً الذي يتبعه المستشار الألماني أولاف شولتز.
واتفق مسؤول ألماني على أن تغير نهج ماكرون يمثل تحولاً كبيراً أدى إلى إنشاء تحالف جديد بين فرنسا ودول أوروبا الشرقية، في وقت تتزايد فيه الخلافات بين باريس وبرلين.
وقال بنجامين حداد، عضو البرلمان الفرنسي عن حزب ماكرون، إن العلاقات بين فرنسا وألمانيا لا تزال قائمة، وأنها ضرورية دائماً، ولكن لا ينبغي أن تكون "علاقة حصرية".
وأضاف حداد: "نحن بحاجة إلى شركاء آخرين، والدول الصغيرة تمثل عاملاً لتعزيز قوتنا ونفوذنا".
يأتي ذلك وسط تقارير عن استعداد ألمانيا للتحرك من أجل تأجيل انضمام أوكرانيا إلى الحلف، بسبب مخاوف من صراع مفتوح مع روسيا.
وتنص "المادة 5" من ميثاق الحلف على أن كل دولة عضو بالحلف تتعرض لهجوم من قبل عدو خارجي، لديها الحق في طلب تدخل عسكري من بقية أعضاء الحلف.
وسبق للرئيس الأميركي جو بايدن أن قال إنه يريد تجنب وضع "حيث نكون جميعاً في حرب مع روسيا". وأكد أن أوكرانيا "ليست جاهزة" لعضوية حلف الناتو، وأن الأمر سيأخذ وقتاً.
اقرأ أيضاً: