بايدن في لندن.. زيارة خاطفة لا تبدد "الفتور"

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس الأميركي جو بايدن ينزل من الطائرة الرئاسية عقب وصوله إلى  مطار لندن ستانستد في بريطانيا - 9 يوليو 2023 - REUTERS
الرئيس الأميركي جو بايدن ينزل من الطائرة الرئاسية عقب وصوله إلى مطار لندن ستانستد في بريطانيا - 9 يوليو 2023 - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

حل الرئيس الأميركي جو بايدن ببريطانيا في زيارة خاطفة  يرتقب أن يلتقي خلالها بملك البلاد تشارلز الثالث ورئيس الوزراء ريشي سوناك، قبل أن يتوجه إلى ليتوانيا لحضور قمة حلف الناتو.

وبينما لا توجد أجندة واضحة ومعلنة من الطرفين للزيارة سوى تمتين العلاقات بين الدولتين، فإن التكهنات تشير إلى أن تنسيق المواقف بين الولايات المتحدة وبريطانيا، إزاء حرب أوكرانيا خلال الفترة المقبلة، سيتصدر موضوعات الزيارة.

في بريطانيا يخيم التشاؤم على زيارة الرئيس الأميركي، فهي من وجهة نظر محللين لا تحمل أي أهداف تخص البلدين بعيداً عن ملف أوكرانيا الذي يشوبه هو الآخر بعض التوتر بين لندن وواشنطن عقب رفض الولايات المتحدة دعم ترشح وزير دفاع المملكة المتحدة لأمانة حلف الناتو خلفاً للنرويجي ينس ستولتنبرج.

كما أن الرئيس الأميركي لم يحضر تنصيب الملك تشارلز الثالث قبل شهرين، فيما يرجح بأن لقائه القصير بالملك الاثنين، لن يبدد اعتقاداً سائداً في الشارع بأن بايدن لا يحب بريطانيا.

أما اجتماعه المرتقب برئيس الوزراء فهو وإن كان السادس منذ وصول ريشي سوناك إلى 10 داونينج ستريت في أكتوبر الماضي، إلا أنه لا يبشر بانفراجة في ملفات اقتصادية وسياسية خلافية، وفق مراقبين. 

أجندة مختصرة  

التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض و10 داونينج ستريت، تقول إن زيارة الرئيس الأميركي لبريطانيا "تهدف إلى تمتين العلاقات بين الحليفين الاستراتيجيين".

لكن شبكة "سكاي نيوز" البريطانية نقلت عن نواب محافظين في البرلمان البريطاني، شعورهم بالضيق لأن "الولايات المتحدة لم تعد تعامل بلادهم كحليف رئيسي في القارة الأوروبية".  

من جهتها قالت صحيفة "الجارديان" إن رئيس الوزراء ريشي سوناك استطاع أن يبدد التوتر الذي كان سائداً بين لندن وواشنطن خلال عهد سلفه بوريس جونسون، ولكن ما فعله لا يبدو كافياً حتى الآن لدفع علاقات البلدين إلى المستويات المطلوبة، خاصة فيما يتعلق بإطلاق مفاوضات التجارة الحرة.

ولا تمر علاقات لندن وواشنطن بأحسن فتراتها، وفقاً للباحث في الشأن البريطاني جوناثان ليز، الذي يشير إلى أن الأمور لا تمضي على ما يرام بين البلدين حتى في الملف الأوكراني الذي أظهرت العاصمتين اتفاقاً كبيراً في إدارته منذ بداية الحرب في 24 فبراير 2022. لأسباب مختلفة يرتبط بعضها بالوضع الداخلي لكل بلد.

ويقول ليز لـ"الشرق"، إن الحكومة البريطانية بقيادة سوناك لم تتلق من البيت الأبيض ما يمكن اعتباره مكافأة على الجهود التي بذلتها خلال الأشهر الماضية، سواء إزاء حلحلة خلافات "بريكست" مع الاتحاد الأوروبي، أو لجهة دعم الولايات المتحدة في معاركها ضد روسيا والتنين الصيني.

ويلفت الباحث في الشؤون البريطانية إلى أن الزيارة السريعة والأجندة المختصرة لبايدن في لندن تشي بمواطن اتفاق هشة إزاء قمة الناتو المقبلة أو في إدارة الحرب الأوكرانية الروسية.

وفي أحسن الحالات يمكن القول إن قيادة البلدين تحتاج إلى خطط مختلفة في هذين الملفين استعداداً للانتخابات العامة المقبلة في كليهما خلال 2024، وفقاً لليز.

ملف أوكرانيا

ونشرت صحيفة "الإندبندنت" تقريراً عن زيارة بايدن ركزت فيه على التحذير الذي استبق به سوناك وصول الرئيس الأميركي بدعوته أعضاء حلف الناتو إلى الالتزام بإنفاق ما يعادل 2% من ميزانياتها على الأقل لصالح الدفاع، منوهاً إلى الأخطار الحقيقية الأمنية والوجودية التي تهدد القارة الأوروبية خاصة والسلم العالمي عموماً.  

وتعتبر المملكة المتحدة من الدول القلائل التي تلتزم بمعدل الإنفاق المطلوب على سياساتها الدفاعية.

كما تجدر الإشارة إلى أن هذه المسألة لطالما كانت محط خلاف بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ثم تجدد التذكير بها والتركيز عليها في عهد بايدن مع تفجر الحرب الأوكرانية.  

وتقول السفيرة البريطانية في واشنطن كاريس بيرس لمجلة "بوليتكو"، إن جميع أعضاء حلف الناتو متفقون على الهدف من دعم أوكرانيا ضد روسيا، ولا توجد بينهم اختلافات جوهرية في هذا الشأن، إلا أن هناك تبايناً طفيفاً حيال نوعية الأسلحة التي تحتاجها كييف في معاركها من أجل استعادة أراضيها ومواجهة غزو موسكو.  

وتجلى التباين بشأن نوعية الأسلحة بوضوح في رفض رئيس الوزراء البريطاني تزويد الولايات المتحدة لكييف بالذخائر العنقودية، مشيراً إلى أن بلاده من بين أكثر من 120 دولة حول العالم وقعت على عدم تصنيع واستخدام هذه الذخائر "التي قد يؤدي وصولها إلى أوكرانيا لتفجير حرب مباشرة بين حلف الناتو وروسيا".

ولا يبدو أن نوعية السلاح هي نقطة الخلاف الوحيدة بين لندن وواشنطن في ملف أوكرانيا. فالمملكة المتحدة تفضل وجود خارطة زمنية واضحة لضم كييف إلى أسرة الناتو، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة تميل إلى الموقف الألماني الرافض للتعجل في هذه المسألة، مقابل التركيز على نوعية الدعم المطلوب للأوكرانيين حتى ينتصروا في الحرب.  

خلافة ستولتنبرج

صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أشارت إلى أن التباين بشأن عضوية أوكرانيا في الناتو سيكون واضحاً خلال القمة المرتقبة للحلف يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين في ليتوانيا، إذ يتضح وجود معسكرين متناقضين إزاء هذه الخطوة وجدوى الاستعجال فيها، الأول تقوده بريطانيا وبولندا والثاني تمثله ألمانيا وبعض الدول الأوروبية في الحلف.  

وتلفت الصحيفة إلى أن رئيس وزراء بريطانيا سيثير هذا التباين خلال اجتماعه مع بايدن في لندن.

كما أن هناك مطالبات لسوناك أيضاً من قبل نواب في حزب المحافظين الحاكم، بالإعلان عن رفض المملكة المتحدة لترشيح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لخلافة الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج في صيف عام 2024.  

ويعتبر لقاء بايدن وسوناك في لندن الأول بعد رفض الولايات المتحدة دعم ترشيح وزير الدفاع البريطاني بن والاس لمنصب الأمين العام لحلف الناتو، وتفضيل واشنطن تمديد ولاية ستولتنبرج عاماً كاملاً استجابة لرغبة دول أوروبية على رأسها فرنسا، في تكليف شخصية من دول الاتحاد الأوروبي تحديداً بهذه المهمة.  

وتلفت "ديلي ميل" إلى أن قطع الطريق على ترشيح فون ديرلاين سيعتبر رسالة بريطانية مباشرة للرئيس الأميركي لأنه رفض دعم والاس وأيد المسؤولة الأوروبية "رغم أن تاريخها في وزارة الدفاع الألمانية لا يبدو مشجعاً".

كما نوهت الصحيفة إلى أن بايدن بدأ اتخاذ سياسة مختلفة عن التفاهمات العامة مع لندن والأوربيين في أوكرانيا.

لقاء الملك  

بعيداً عن الناتو وأوكرانيا، ثمة عنوانان رئيسيان على أجندة زيارة الرئيس بايدن إلى لندن. الأول لقاؤه بالملك تشارلز الثالث، والثاني هو فرصة الدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وخاصة فيما يتعلق بمفاوضات التجارة الحرة التي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب ثم تعطلت إلى أجل غير مسمى في ظل الإدارة الأميركية الحالية.

البيانات الرسمية تقول إن لقاء جو بايدن مع تشارلز الثالث سيتناول قضايا المناخ على المستوى العالمي.

وهو موضوع سبق لللجانبين بحثه خلال قمة المناخ في مدينة جلاسكو الاسكتلندية عام 2021 عندما كان الملك الملك تشالز أميراً لويلز، ولكن لم تقدم البيانات الرسمية لزيارة بايدن إلى لندن ما يعتبر عنواناً أو خطوة قد يتمخض عنها اللقاء في هذا الشأن. 

ورأى المؤرخ البريطاني جون ماكهوجو لـ"الشرق"،  أن الزيارة القصيرة لبايدن إلى قلعة وندسور لا تحمل صفة "زيارة الدولة"، كما لا تستند إلى دعوة من قصر باكنجهام على عكس ما تدعيه بعض التقارير الإعلامية الأميركية، منوهاً إلى أنها تهدف لكسر الجليد الذي نشأ نتيجة عدم حضور بايدن لحفل تتويج الملك.  

ويلفت المؤرخ البريطاني إلى الفارق الكبير في الوقت والمظاهر والأجندة بين "زيارات الدولة" واللقاء العابر الذي يجمع بايدن بالملك تشارلز الثالث.

وهذا الفارق يظهر بوضوح من خلال المقارنة بين مرور بايدن والزيارة التي قام بها الرئيسين الأميركيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترمب إلى الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، بحسب ماكهوجو.

"عداء بايدن"

ولا يبدي البريطانيون تفاؤلاً عموماً إزاء تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة عبر لقاء بايدن مع الملك أو رئيس الحكومة.

وتقول صحيفة "التلجراف" إن "الرئيس الأميركي لا يتعامل مع المملكة المتحدة كحليف استراتيجي لبلاده، وإنما كدولة تابعة للولايات المتحدة في سياساتها الخارجية، كما يعاقب لندن على الخروج من الاتحاد الأوروبي".  

وتلفت الصحيفة إلى أنه يتوجب على رئيس الوزراء ريشي سوناك تبني مواقف حاسمة مع الرئيس الأميركي، لوقف تدخله في الشئون الداخلية البريطانية بعد "بريكست".

كما يتوجب عليه أن يظهر استقلالية المملكة المتحدة في سياساتها الخارجية، وأن يطرح وجهة نظرها في القضايا الأساسية مثل القيادة المقبلة لحلف الناتو، وكيفية إدارة الصراع مع أوكرانيا.  

وتشير الصحيفة إلى أن بايدن أظهر "عداءً" واضحاً لبريطانيا عند تأييده للاتحاد الأوروبي في الخلاف بينه وبين المملكة المتحدة بشأن بروتكول إيرلندا الشمالية.

كما أنه مارس ذات العداء عندما أوقف مفاوضات التجارة الحرة بين لندن وواشنطن، ثم بعد ذلك رفض ترشيح وزير الدفاع البريطاني بن والاس لرئاسة حلف شمال الأطلسي، بحسب الصحيفة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات