أفادت "بلومبرغ"، نقلاً عن مصدرين مطلعين، بأن الكرملين مستعد للسماح لمجموعة "فاجنر" العسكرية بالاستمرار في بعض عملياتها في إفريقيا، بعد محاولة التمرد التي قام بها قائد المجموعة يفجيني بريجوجين، وذلك بسبب مساعي روسيا للحفاظ على نفوذها في القارة الغنية بالموارد الطبيعية.
وقال أحد المصدرين، إن الصفقة تحظى بدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيراً إي أنها تشمل عمليات "فاجنر" في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وكان الكرملين كشف في وقت سابق محادثات أجراها بوتين مع بريجوجين وقادة "فاجنر" في 29 يونيو الماضي واستمرت لما يقرب من 3 ساعات، وذلك بعد 5 أيام فقط من التمرد غير المسبوق في روسيا.
وذكرت "بلومبرغ" أن مجموعة "فاجنر" تمكنت من خلال القوة التي بنتها في إفريقيا، من تمهيد الطريق للكرملين في تنفيذ سياسته الخارجية بأقل تكلفة، ومكنت روسيا من التقدم في بعض الأماكن على حساب الولايات المتحدة، وحتى فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.
"روسيا تحمي مكاسبها"
وفيما تُحاول الولايات المتحدة استغلال التمرد لإخراج مجموعة "فاجنر" من القارة الإفريقية، تحركت روسيا بسرعة لحماية تلك المكاسب
ووفق "بلومبرغ"، سارع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى طمأنة نظرائه الأفارقة بأن روسيا "باقية على التزامها" بشأن الشراكات الأمنية، والتي تتضمن إرسال مدربين عسكريين إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، وهو الأمر الذي تم الاتفاق عليه بعد توتر علاقات الدولة الإفريقية مع فرنسا.
وتسعى روسيا لتعزيز حضورها في إفريقيا، عندما تستضيف قمتها الثانية مع الدول الإفريقية في مدينة سان بطرسبرغ خلال وقت لاحق من هذا الشهر.
وترى الولايات المتحدة أن الأفراد الذين تصفهم روسيا بالمدربين العسكريين، هم عناصر في "فاجنر" يخدمون في أدوار قتالية.
صعوبة تولي عمليات "فاجنر"
واعتبرت "بلومبرغ" أن وزارة الدفاع الروسية، المنخرطة في الحرب الأوكرانية والتي تعاني من العقوبات الغربية، ليست في وضع يسمح لها بتولي سريع عمليات "فاجنر" المعقدة والغامضة في كثير من الأحيان، في جمهورية إفريقيا الوسطى.
ورأت أن ذلك يعني أن روسيا ربما تحتاج إلى المتعاقدين الخاصين لتحقيق أهداف سياستها الخارجية في أماكن أخرى في إفريقيا.
وقال مصدر مقرب من الكرملين لـ"بلومبرغ"، إن بوتين يدرس خياراته، لكن من المرجح أن ينتهي الأمر بترك مسؤولية قيادة العمليات لـ"فاجنر"، ووضع الأنشطة التي تعتمد اعتماداً مباشراً على موسكو تحت سيطرته المباشرة.
وقال المحلل السياسي الروسي سيرجي ماركوف، والذي يملك علاقات وثيقة مع الكرملين، إن "فاجنر ستبقى في إفريقيا، هذا أمر مؤكد، لكن من سيكون مسؤولاً عنها، بريجوجين أو شخص آخر، لم يُحدد بعد".
ارتباك في إفريقيا الوسطى
وتُعد جمهورية إفريقيا الوسطى واحدة من ثلاث مستعمرات فرنسية سابقة عززت علاقاتها الأمنية مع روسيا، في أعقاب الخلافات التي أدت إلى طرد القوات الفرنسية والدولية التي تقاتل المتطرفين في منطقة الساحل.
وساعدت "فاجنر" حكومة إفريقيا الوسطى على التصدي للمتمردين منذ عام 2018. واتهمت الولايات المتحدة وآخرون، المجموعة بالتورط في ارتكاب مذابح.
وفي المقابل، حصلت الشركات التابعة لـ"فاجنر" على امتيازات لاستخراج الذهب والأخشاب. كما باتت تُسيطر المجموعة على إحدى الشركات الرائدة في صناعة الجعة في البلاد، وفق "بلومبرغ".
وغادر ما يصل إلى 600 من متعاقدي "فاجنر" جمهورية إفريقيا الوسطى منذ وقوع التمرد قصير الأجل في روسيا يوم 25 يونيو الماضي، بعد رفضهم التوقيع على عقود مع وزارة الدفاع الروسية، بحسب شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.
وأصدر ألكسندر إيفانوف، الممثل الرسمي للمدربين العسكريين الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى، بياناً، السبت الماضي، قال فيه إن المدربين سيبقون هناك.
وأكد حسن بوبا زعيم المتمردين السابق ووزير الثروة الحيوانية في جمهورية إفريقيا الوسطى، في تصريحات لـ"بلومبرغ"، أن بلاده واثقة من أن روسيا ستواصل دعمها.
وأوضح بوبا أن أهم شخصيتين روسيتين في إفريقيا الوسطى، هما فيتالي بيرفيليف قائد "فاجنر" في البلاد، وديميتري سيتي مدير مركز "البيت الروسي" الثقافي.
وقال إن كلاهما لا يزال يعقد اجتماعات يومية مع قائد جيش جمهورية إفريقيا الوسطى.
ورأى بوبا أن فلاديمير بوتين نفسه هو من سيُحدد "ما إذا كانت جمهورية إفريقيا الوسطى ستواصل العمل مع فاجنر، أم ستأتي قوى جديدة وتحل محلها".
مصدر قوة بريجوجين في إفريقيا
وقال مصدر من شركة مملوكة للحكومة الروسية على دراية بالعمليات في إفريقيا، لـ"بلومبرغ"، إن مصدر قوة بريجوجين الرئيسية لدى زعماء أفارقة، هي قدرته على الوصول لبوتين، ولكن بعد التمرد، أصبح الآن أقل نفعاً مما كان عليه.
ويرى القائد السابق في "فاجنر" مارات جابيدولين، والمسؤول السابق في وزارة الدفاع الروسية وسيرجي كيرابرك، أنه من الصعب إيجاد بديل لبريجوجين؛ بسبب علاقاته الشخصية بالقادة الأفارقة، وولاء رجاله له.
وتزامن التمرد، الناجم عن خلاف حول طريقة التعامل مع الحرب الروسية في أوكرانيا، مع انشغال "فاجنر" بتوسيع نطاق تواجدها في إفريقيا، حيث أجرت محادثات مع حكام عسكريين في بوركينا فاسو، وأرسلت وحدة صغيرة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية لتدريب ومساعدة القوات التي تقاتل المتمردين، وفقاً ما صرح ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر لـ"بلومبرغ".
ودفع اتساع نفوذ "فاجنر" الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات، حتى قبل تمرد بريجوجين. واستغلت الولايات المتحدة الاضطرابات لتكثيف مناشداتها للقادة الأفارقة بطرد عناصر هذه المجموعة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر لـ"بلومبرغ"، إن الولايات المتحدة تواصل حض الحكومات في إفريقيا، وغيرها من المناطق، على وقف أي تعاون مع "فاجنر".
وقال بنيامين حداد، البرلماني من الحزب الفرنسي الحاكم، إن الأحداث في روسيا يجب أن تكون بمثابة "تحذير" للقادة في إفريقيا.
اقرأ أيضاً: