بريطانيا.. "الانتخابات الفرعية" تزيد مخاوف المحافظين من خسارة مطلقة في 2024

time reading iconدقائق القراءة - 9
مركز اقتراع للانتخابات الفرعية في مدينة أوكسبريدج البريطانية. 20 يوليو 2023 - REUTERS
مركز اقتراع للانتخابات الفرعية في مدينة أوكسبريدج البريطانية. 20 يوليو 2023 - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

خسر حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا مقعدين من أصل 3 مقاعد برلمانية جرت عليها انتخابات فرعية، بعد أن استقال النواب الممثلين لمناطقها قبل شهر تقريباً.

وعلى الرغم من أن هذه الخسارة قد لا تؤثر على الأغلبية المطلقة للمحافظين في البرلمان، إلا أنها تعد "صورة مصغرة" عما يمكن أن يحدث في الانتخابات العامة المقررة في 2024. 

وشملت الانتخابات الفرعية منطقتين خارج العاصمة البريطانية خسرهما الحزب الحاكم، أما الثالثة، وهي مدينة "أوكسبريدج" الواقعة غرب لندن وكان يمثلها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، فقد فاز فيها مرشح المحافظين بصعوبة بالغة، إذ لم يتجاوز الفارق بينه ومنافسه من حزب العمال المعارض 500 صوت على الأكثر.

وبالتزامن مع الانتخابات الفرعية تشير الأرقام إلى أن أكثر من 40 نائباً محافظاً قرروا عدم الترشح للانتخابات العامة المقبلة.

وهناك أسباب متعددة للانسحاب وفق أصحابها ولكن الخشية من الخسارة، برأي محللين، هي التفسير الأقرب، فيما رأى أخرون أن تنحي قادة الحزب الحاكم اليوم قد يعطي فرصة لوجوه لم تطالها "النقمة الشعبية".

دلالات ومؤشرات

وجرت الانتخابات الفرعية في مناطق "سيلبي وأينستي" شمال إنجلترا، و"سوميرتون وفروم" في الجنوب، و"أوكسبريدج وساوث رايسلب" في لندن.

وظفر حزب العمال بالمنطقة الأولى وأصبح ممثلها، كير ماذير، أصغر نائب في برلمان المملكة المتحدة، أما الثانية فكانت من نصيب مرشح الحزب "الليبرالي الديمقراطي" ساره دايك.

ولم تؤثر الانتخابات الفرعية على الأكثرية المطلقة لحزب المحافظين في مجلس العموم، ولكنها قلصت حصة الحزب الحاكم في المجلس مقعدين إلى 351 مقعداً من أصل 650 مقعد، فيما ارتفعت حصة حزب العمال المعارض مقعداً واحداً إلى 197، وكذلك الحال بالنسبة لـ"الليبراليين الديمقراطيين" الذين أصبح لديهم 17 نائباً.

واعترف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، بـ"الهزيمة القاسية" التي مني بها الحزب الحاكم في شمال وغرب إنجلترا، لكن فوز المحافظين في منطقة بوريس جونسون بالعاصمة لندن، يشير برأيه، إلى أن "الانتخابات العامة المقبلة ليست محسومة كما يظن البعض"، متعهداً بتحقيق كل ما وعد البريطانيين به قبل موعد ذلك الاستحقاق.

تصريحات سوناك خلال زيارته للنائب المحافظ الفائز عن منطقة "أوكسبريدج"، قابلها زعيم العمال كير ستارمر بالإشادة بـ"النصر التاريخي" لحزبه في منطقة "سيلبي وأينستي" المعروفة كمعقل للمحافظين منذ 2010.

ورأى ستارمر أن هذا الفوز يشير إلى "تطلع البريطانيين إلى قيادة عمالية للدولة في الانتخابات العامة المقبلة".

أصداء وأرقام

الوزير السابق والنائب المحافظ جاكوب ريس موج، قال لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC" إن نتائج الانتخابات الفرعية "لا يجب أن تصيب الحزب الحاكم بالذعر"، مستشهداً بما "جرى بين عامي 1987 و1992، عندما خسر المحافظون الانتخابات الفرعية خلال هذه السنوات، ثم استردوا كل مقعد خسروه في انتخابات البرلمان عام 1992".

ولفت موج إلى أن "ما يحتاجه المحافظون اليوم هو الالتفاف وراء رئيس الوزراء، ودعمه لتحقيق ما وعد به البريطانيين اقتصادياً وسياسياً"، مضيفاً أن "الاحتفاظ بتمثيل منطقة (أوكسبريدج) يعكس استمرار ثقة الكثيرين في الشارع بالحزب الحاكم. واستعداد اللندنيين لتصديق وعود المحافظين فيما يحقق مصالحهم ويلبي تطلعاتهم".

في المقابل، قال عضو حزب العمال المعارض إيفان جاش، إن "احتفاظ الحزب الحاكم بمقعد (أوكسبريدج) بصعوبة بالغة، لا يعتبر فوزاً عندما تتبع الأرقام"، موضحاً أن "عدد المصوتين لصالح العمال في (أوكسبريدج) ازداد مقارنة بعام 2019 بواقع نحو 6% في مقابل تراجع عدد المصوتين للمحافظين بنسبة 7.4%".

وقال جاش لـ"الشرق"، إن "عدد المؤيدين لحزب العمال في المناطق الثلاث للانتخابات الفرعية قد ارتفع بشكل ملحوظ مقارنة بعام 2019".

واعتبر أن "صناديق الاقتراع أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أن المحافظين لم يعد لهم فرصة للفوز في مناطق كثيرة على امتداد المملكة المتحدة، بما في ذلك تلك التي عرفت لسنوات طويلة كمعاقل للحزب الأزرق".

وأظهرت الأرقام تراجع أعداد المصوتين للحزب الحاكم في مناطق الانتخابات الفرعية للعام 2023 مقارنة باستحقاق 2019، حيث خسر المحافظون أكثر من 26% من أصوات مؤيديهم في منطقة "سيلبي وأينستي" شمال إنجلترا، ونحو 30% في "سوميرتون وفروم" جنوب غربي البلاد، إضافة إلى نحو 6% في "أوكسبريدج".

خطة عمدة لندن

وتباينت الآراء بشأن أسباب احتفاظ المحافظين بتمثيل منطقة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، لكن نائبة رئيس حزب العمال إنجيلا راينر، رأت أن "الأمر يعود إلى حالة الرفض الشعبي لخطة عمدة لندن العمالي صادق خان، بفرض ضرائب على التأثير البيئي للعربات والسيارات القديمة نوعاً ما، عندما تدخل العاصمة البريطانية".

وأوضحت راينر في حديث لصحيفة "الجارديان" البريطانية، أن "خطة عمدة لندن البيئية والمعروفة بـ(برنامج أوليز)، لا تحظى بقبول سكان العاصمة وهذا ما دفع بالناخبين في (أوكسبريدج) إلى التصويت لمرشح المحافظين الذي تعهد بالعمل ضد فرض ضرائب على السيارات، ومن لا يستمع للناخبين يخسر التصويت".

وتعهد النائب المحافظ الفائز عن منطقة "أوكسبريدج" ستيف توكويل، بمعارضة خطة عمدة لندن البيئية، موضحاً في إعلان نصره أن تقويض "برنامج أوليز" سيكون هدفه الأساسي خلال تمثيله للمنطقة في مجلس العموم.

ونوه توكويل إلى أن "فرض ضرائب جديدة على الناس في العاصمة لا يشير إلى تفهم الأوضاع الاقتصادية الراهنة".

و"برنامج أوليز" يعنى بتحويل لندن إلى منطقة منخفضة الانبعاثات الكربونية عبر تقليص دخول الآليات التي تصدر كميات كبيرة من الغازات السامة، وهذه الآليات غالباً ما تكون قديمة ومحركاتها لا تراعي المعايير البيئية، في حين سيدفع أصحابها مع نهاية العام 12.5 جنيه استرليني يومياً عند دخولهم إلى مركز العاصمة البريطانية.

انسحاب النواب

وبالتزامن مع نتائج الانتخابات الفرعية، كشفت بيانات حديثة أن 43 نائباً محافظاً، قرروا عدم الترشح للانتخابات المقبلة.

وكان أخرهم وزير الدفاع البريطاني بن والاس الذي صرح قبل أيام أنه "لن يبقى في الحكومة بعد التعديل الوزاري المرتقب نهاية العام"، و "لن ينافس في السباق على عضوية البرلمان المقبل".

ورأى الباحث في الشأن البريطاني فؤاد عبد الرازق، أنه "لا يمكن الحكم على المنسحبين من السباق الانتخابي المقبل بالخوف من الخسارة المتوقعة بعد تراجع شعبية الحزب الحاكم خلال العامين الماضيين".

وأشار إلى أن "بعضهم استدرك تغير توجهات منطقته بسبب ما لحق البلاد جراء بريكست أو فضائح المحافظين أو غيرها من أسباب داخلية أو خارجية، ولكن لا يمكن التعميم خاصة وأن المتغيرات في السياسة واردة دائماً".

ولفت عبد الرزاق لـ"الشرق"، إلى أن "الحسم في خسارة المحافظين للانتخابات المقبلة ينطوي على نوع من التسرع، أولاً لأن الحزب الحاكم لا زال يمتلك وقتاً وسلطةً لإحداث تغيير في المزاج العام البريطاني، والثاني لأن استطلاعات الرأي التي تبشر بفوز المعارضة، لا يمكن المراهنة على دقة أرقامها في وقت مبكر".

وأردف: "قد يكون للذين أمضوا سنوات في البرلمان خططاً سياسية أو مهنية أو اقتصادية أخرى، وبالتالي لم يعد مجدياً البقاء في منصب النائب ومسؤولياته الكثيرة في المملكة المتحدة. ناهيك عن وجود حسابات داخلية لأي حزب فيمن يرشح أو يدعم في الانتخابات اعتماداً على معطيات عديدة".

خارطة المنافسة

وعكست الانتخابات الفرعية الأخيرة منافسة شرسة بين قائمة طويلة من الأحزاب السياسية على تمثيل مناطق المملكة المتحدة، على رأس هذه القائمة "الليبراليين الديمقراطيين" الذي يعتبر ثالث أكبر أحزاب الدولة بعد المحافظين والعمال. 

واستطاع هذا الحزب انتزاع مقعد الحزب الحاكم في "سوميرتون وفروم"، بعد أن ارتفع عدد المصوتين له بنسبة تقارب 29% مقارنة بأعداد مؤيده في الانتخابات العامة الماضية.

وتشمل قائمة الأحزاب السياسية في المملكة المتحدة أكثر من 15 حزباً أكبرها العمال من حيث عدد الأعضاء. 13 حزباً يمثلون في البرلمان الحالي، والغالبية الساحقة من المقاعد تتوزع بين "المحافظين" و"العمال" و"الليبراليين الديمقراطيين" و"الخضر" و"القومي الإسكتلندي" و"شين فين" و"الاستقلال" و"الوحدوي الديمقراطي".

وتتوقع استطلاعات رأي حديثة فوز حزب العمال في الانتخابات العامة المقبلة بتأييد أكثر من 48% من البريطانيين، مقابل 23% فقط من الناخبين لحزب المحافظين.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي، توقع 14% أن تكون الحكومة المقبلة ائتلافية بين العمال وحزب أخر، و9% رجحوا أن تكون حكومة ائتلافية بقيادة الحزب الأزرق.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات