في الذكرى التاسعة لجرائم "داعش".. معاناة الإيزيديين لا تزال مستمرة

time reading iconدقائق القراءة - 8
رجل يجلس بجوار توابيت تحتوي على رفات إيزيديين ممن سقطوا في هجمات تنظيم "داعش" في عام 2014 وذلك بعد إخراجهم من مقبرة جماعية في الموصل بالعراق. 20 يونيو 2023 - REUTERS
رجل يجلس بجوار توابيت تحتوي على رفات إيزيديين ممن سقطوا في هجمات تنظيم "داعش" في عام 2014 وذلك بعد إخراجهم من مقبرة جماعية في الموصل بالعراق. 20 يونيو 2023 - REUTERS
بغداد -إدريس جواد

في الذكرى التاسعة للمجزرة التي تعرَّض لها الإيزيديون في العراق على يد تنظيم "داعش"، لا يزال هذا المكون العراقي يعاني "نزوحاً مستمراً"، ويشكو مما يصفه بـ"بطء الحكومة وعدم جديتها" في التعامل مع قضاياه العالقة، لا سيما تلك المتعلقة بالفتيات المختطفات، وإعادة بناء وتأهيل مناطقهم وتوطينهم فيها.

واجتاح "داعش" في أغسطس 2014، منطقة سنجار الإيزيدية في شمال العراق، وقام طيلة ثلاث سنوات بأعمال مروعة من قتل واغتصاب واختطاف وبيع في أسواق النخاسة للكثير من أفراد هذه الأقلية الدينية، إلى أن تمَّ تحرير المنطقة عام 2017.

وعلى الرغم من مضي نحو 6 سنوات منذ تحرير مناطقهم من قبضة "داعش"، لا يزال الإيزيديون يشعرون بالتهميش في وطنهم. 

"لم يتغير شيء"

حسين باعذرا، وهو من الأقلية الإيزيدية، قال في تصريحات لـ"الشرق: "كأنني اليوم أعيش في 3 أغسطس 2014. لم يتغير شيء. لا يزال 85% من الإيزيديين في مخيمات النزوح، والأمان غير موجود في سنجار".

وأضاف: "لا نستطيع ترك المخيمات والعودة إلى سنجار، فالبيوت مهدمة والكهرباء غير موجودة والماء معدوم".

وأشار باعذرا، إلى أنه "على الرغم من مضي 9 سنوات على الكارثة إلا أنَّ صوت الإيزيديين غير مسموع في العالم وفي الدول التي اعترفت بأنَّ ما مورس بحق الإيزيدين هو إبادة جماعية".

ولفت إلى أنَّ أكثر من 3 آلاف فتاة إيزيدية لا تزال في يد "داعش"، ولا يعرف أهاليهم أي شيء عنهن، إضافة إلى 6 آلاف إيزيدي لقوا حتفهم وتوزعوا على أكثر من 90 مقبرة جماعية.

معاناة الناجيات

ووصف باعذرا، الإجراءات الحكومية لخدمة النازحين في سنجار ومساعدة الناجيات من براثن "داعش" بـ"البطيئة".

وأكد أنَّ "بعض الناجيات انتحرن، وبعضهن يعانين حتى الآن مشكلات نفسية بسبب سكنهن في مخيمات لا تقيهن حراً ولا برداً"، متهماً الحكومة العراقية بعدم تطبيق قانون الناجيات الإيزيديات رغم مضي أكثر من عامين على تشريعه.

ويعد القانون الذي تم تشريعه في عام 2021، الأول من نوعه في الدول العربية الذي ينصّ على اهتمام خاص بالنساء الناجيات من جرائم العنف الجنسي في النزاعات المسلحة.

وفضلاً عن إقراره بأنَّ الأحداث التي حلّت بالإيزيديين تعد جرائم إبادة جماعية، يشدد القانون على تسجيل دعاوى ضد مرتكبي تلك الجرائم.

وحدَّد القانون يوم 3 أغسطس من كل عام يوماً وطنياً لاستذكار الفاجعة، وأوصى وزارة الخارجية بالعمل على "حشد اعتراف دولي بتلك الجرائم".

وبموجب القانون، يتم صرف راتب شهري يبلغ ضعف أقل راتب تقاعدي للنساء والفتيات الناجيات (أقل راتب تقاعدي في العراق قدره 500 ألف دينار)، أي أنَّ كل ناجية ستحصل على راتب شهري قدره مليون دينار على أقل تقدير (نحو 2800 دولار).

لكن القانون لم يتم تفعيله حتى الآن رغم الوعود الحكومية، ما أثار انتقادات من الأوساط الايزيدية والحقوقية.

تحركات حكومية

وفي حفل تأبيني أقيم في بغداد بالمناسبة، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن الحكومة تعمل لإنصاف المواطنين الإيزيديين العراقيين، من خلال عدد من الخطوات.

ووفقاً للسوداني، تشمل هذه الخطوات الحكومية "تفعيل قانون الناجيات الإيزيديات، ومعالجة تمليك أراضيهم المتوقف منذ 48 عاماً، والتوجيه بتسهيل صرف التعويضات الخاصة بالمتضررين، وتشجيع النازحين على العودة إلى مناطقهم، وتهيئة الظروف الإنسانية لذلك".

وأشار رئيس الوزراء العراقي، إلى "تحرّك الجهد الخدمي والهندسي وفرق البحث الاجتماعي لتقديم الخدمات لهم في مناطقهم"، مؤكداً أن "العمل ما زال جارياً على فتح المقابر الجماعية، والبحث عن المختفين والمغيّبين قسراً".

وكشف السوداني أن الحكومة "أدرجت صندوق إعمار سنجار وسهل نينوى في موازنة السنوات الثلاث، ووجهت بتسهيل إجراءات صرف التعويضات الخاصة بالمتضررين من ذوي الشهداء والجرحى وتعويض الممتلكات".

ولفت إلى أنَّ مجلس الوزراء "أقرَّ أخيراً اعتماد الأول من شهر أبريل من كل عام عطلة رسمية للإيزيديين، دعماً للوجود الثقافي الثري الذي يضيفونه للثقافة العراقية".

"تعامل غير جاد"

لكن مع هذه التحركات الحكومية، إلا أنَّ حقوقيين ومسؤولين يرون أنَّها غير كافية في معالجة أزمة الإيزيديين وقضاياهم العالقة.

وقال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي لـ"الشرق"، إنَّ "وجود هذا الكم الكبير من المختطفات الإيزيديات لفترة طويلة من الزمن يدل على أن التعامل غير جاد بشكل كبير جداً من قبل الحكومة، على الرغم من وجود جهود حكومية ولجان عديدة شكلت في هذا الإطار وكان هناك أيضاً جهوداً أممية ومجتمعية لتسليط الضوء على معاناة المختطفات الايزيديات".

وأضاف: "لكن إذا لاحظنا عدد من تمت إعادتهن من المختطفات مقارنة بالعدد الحقيقي نجد أنَّ هناك مشكلة كبيرة ومعاناة مستمرة لعوائل الضحايا والمختطفات".

وأكد الغراوي، ضرورة "إعادة النظر في الجهود الحكومية والوطنية للتعامل مع ملف المخطوفات خصوصاً أن هنالك جوانب إنسانية عديدة تؤثر في هذا الملف".

وأوضح أنه في إطار عمله السابق بمفوضية حقوق الإنسان، اهتم بهذا الملف من خلال تقارير الرصد والزيارات الميدانية، وتوثيق إفادات الناجيات الإيزيديات، لافتاً إلى أنه قدم هذا التقرير إلى فريق التحقيق الأممي كإحدى الوثائق الأساسية لإدانة "داعش" بهذه الجرائم.

اتفاق متعثر 

وقال الغراوي، إنَّ ملف الإيزيديين، "لا يزال ملفاً شائكاً ومعقداً، تداخلت فيه ملفات أخرى سياسية وأمنية وبيئية واجتماعية إضافة إلى قضايا تتعلق بالتعايش السلمي"، مشيراً إلى أنَّ الايزيديين لا يزالون على حالهم من النزوح في المخيمات على الرغم من مرور فترة طويلة منذ خروجهم من مناطقهم.

ووفقاً للغراوي، فإن بيوت الايزيديين ومساكنهم الأصلية لم يتم تأهيلها وإعادة بنائها، ولم يتسلَّموا التعويضات حتى الآن، كما أن "اتفاق سنجار لا يزال متعثراً".

وتم توقيع اتفاق سنجار في عام 2020، بين الحكومة الاتحادية، وحكومة إقليم كردستان، لإدارة الأوضاع في سنجار وإعادة إعمار المنطقة.

ودعا الغراوي إلى البدء في "إجراءات منظومة جبر الضرر وإعادة تأهيل الضحايا وإجراء المحاكمات المباشرة لعصابات داعش الإرهابية التي ارتكبت هذه المجازر بحق المكون الايزيدي".

قضية مفتوحة

من جانبه، قال مدير مكتب إنقاذ المختطفين الايزيديين في إقليم كردستان، حسين قائدي، إنَّ فريقه "عمل على إنقاذ الناجيات وتمكن من تحرير عدد كبير من الفتيات، لكن للأسف الحكومة العراقية لم تقم بمساعدتنا لتحرير أي فتاة ايزيدية رغم طلبنا منهم بشكل رسمي"، على حد تعبيره.

وأشار قائدي، إلى أنَّ "الحل الوحيد لإنقاذ كل المخطوفات أن يتم التعاون بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية مع الأمم المتحدة من أجل التمكن من تحرير كل الفتيات وهو ما يحتاج إلى تعاون مكثف"، مضيفاً أن "عملية البحث عن الناجيات مستمرة، إضافة إلى فتح مركز لتأهيلهن في محافظة دهوك التابعة لإقليم كردستان".

وقال قائدي، إن "القضية الايزيدية لا تزال حتى الآن مفتوحة ولم نشهد لها حلولاً"، مضيفاً أنه "على الرغم من تحرير أكثر من 3500 من الفتيات الإيزيديات، لا يزال هناك 2900 فتاة لدى داعش، مصيرهن مجهول، وهذا يحتاج إلى اهتمام خاص ودقة في العمل من أجل تحرير بقية المخطوفين".

كما اعتبر مدير مكتب إنقاذ المختطفيين الإيزيديين، أنه على الرغم من مرور 9 سنوات على الإبادة، لا يزال أكثر من 300 ألف إيزيدي يعيشون في المخيمات وظروفهم صعبة.

ويشكل قضاء سنجار، الموطن الأصلي للطائفة الإيزيدية في العراق، نقطة خلاف كبيرة، وأصبح مثار صراع داخلي ودولي، إذ دخل إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في صراع على حكم المنطقة بعد تحريرها من سيطرة "داعش".

كما اتخذ حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا من سنجار مقراً له، فضلاً عن انتشار عدد من الفصائل المسلحة في المنطقة. ويعد قضاء سنجار هدفاً للعمليات التركية العسكرية في العراق.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات