بريطانيا تكافح "هجرة القوارب" بتعاون "غير ملزم" مع تويتر وميتا وتيك توك

time reading iconدقائق القراءة - 9
أشخاص يُعتقد أنهم مهاجرون ينزلون من سفينة تابعة لحرس الحدود بعد إنقاذهم من قناة المانش بمدينة دوفر في بريطانيا. 17 ديسمبر 2022 - REUTERS
أشخاص يُعتقد أنهم مهاجرون ينزلون من سفينة تابعة لحرس الحدود بعد إنقاذهم من قناة المانش بمدينة دوفر في بريطانيا. 17 ديسمبر 2022 - REUTERS
لندن-بهاء جهاد

أبرمت الحكومة البريطانية اتفاقاً مع تويتر وميتا وتيك توك للتعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية من خلال اعتراض المحتوى الإلكتروني المروج لهذه "الجرائم"، كما تصفها البيانات الرسمية، مع الإشارة إلى أن هذا التعاون لا يحمل طابعاً إلزامياً لتلك المنصات، وليس محدداً بصيغة واحدة لا تتطور.  

وفيما يعتقد خبراء أن جدوى الاتفاق في تعزيز جهود الحكومة يعتمد على مدى جدية وسائل التواصل الاجتماعي في التعاون مع السلطات الأمنية في بريطانيا، يحذر خبراء قانونيون من احتمال انتهاك خصوصية المشتركين في تلك الوسائل بذريعة مكافحة الهجرة غير الشرعية، خاصة أن عبور البحر طلباً للجوء والأمان "لا يعتبر جريمة"، بحسب تعبيرهم.  

ويتزامن توقيع اتفاق "مكافحة الهجرة غير الشرعية إلكترونياً"، مع بدء  الحكومة البريطانية بنقل نحو 500 لاجئ من الفنادق إلى سفينة عائمة  أعدت لإسكان اللاجئين إلى حين الفصل في طلبات لجوئهم بالقبول أو الترحيل.

كما تزامن أيضاً مع زيادة قيمة الغرامات على البريطانيين الذين يوفرون العمل والمسكن للمهاجرين غير النظاميين.  

"محاربة تجارة الهجرة"

وقع على الاتفاق مع الحكومة البريطانية كل من شركة "ميتا" المالكة لمنصتي فيسبوك وانستجرام، إضافة إلى موقع تيك توك ومنصة تويتر.

ويوضح بيان رسمي صادر عن الحكومة أن مشاركة منصات التواصل في الاتفاق "تطوعية"، ولا يوجد فيه ما يشكل حدوداً إلزامية على الموقّعين.   

ويقول رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إن مواجهة الهجرة غير الشرعية إلى بلاده تتطلب محاصرة نشاط مهربي البشر، وتعطيل سبل ترويجهم لأعمالهم.

ويرى أن هذا الترويج هو مصدر "تجارة الهجرة غير الشرعية" لأن المهربين يعتمدون على إعلانات وعروض لإغراء المهاجرين ودفعهم نحو المخاطرة بحياتهم.  

وتعتزم حكومة لندن إنشاء مركز تشرف عليه وكالة مكافحة الجريمة ووزارة الداخلية يعمل على تعريف المفاهيم والمصطلحات وتحديد المحتوى الإلكتروني المطلوب مكافحته في إطار الهجرة غير الشرعية. وتطمح من خلال ذلك إلى تعزيز فعالية الاتفاق المبرم مع وسائل التواصل الاجتماعي، وضمان أكبر فائدة ممكنة من تطبيقه الفعلي.  

بحسب وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، يهدف التعاون مع وسائل التواصل إلى حجب كل ترويج أو إعلان للهجرة غير الشرعية ورحلات الزوارق الصغيرة التي يحقق مهربو البشر عبرها أرباحاً بآلاف الجنيهات، دون أي اكتراث لأرواح الناس الذين يغرقون ويموتون في بحر المانش بين سواحل فرنسا وشواطئ بريطانيا.

وتلفت الوزيرة إلى "أن الاتفاق يتضمن استكشاف وطرق أبواب كل خيار ممكن للتعاون في مواجهة الهجرة غير الشرعية"، ما يعني أن الإطار المتفق عليه بين لندن ووسائل التواصل الاجتماعي لا يعتبر نهائياً، وإنما يقبل التكيف مع أي متغيرات تطرأ في هذا الصدد، ويمكن توسعته لاحتواء أي جديد يظهر لاحقاً في هذا السياق.  

الترويج والتنظيم

برأي عضو مجلس الإعلام الجديد في نقابة الصحفيين البريطانيين أحمد الشيخ، ينطوي اتفاق بريطانيا مع وسائل التواصل الاجتماعي على شقين رئيسيين، الأول يتعلق بمنع استخدام هذه المنصات للترويج للهجرة غير الشرعية، أي منع نشر إعلانات تتضمن عروضاً على رحلات القوارب وأسعارها وخدماتها، أو تبادل معلومات بين المستخدمين من قبيل نصائح أو توجيهات نحو الأشخاص الذين يمارسون تهريب البشر وآلية عملهم.

ويلفت الشيخ في حديث مع "الشرق" إلى أن وقف الترويج للهجرة غير الشرعية على منصات التواصل سيعتمد بدرجة كبيرة على كلمات مفتاحية يتم اختيارها لتحديد المنشورات المتضمنة لكل محتوى يصنف كترويج أو دعاية أو تشجيع على رحلات القوارب الصغيرة أو استخدام أية وسيلة غير شرعية للانتقال بين فرنسا وبريطانيا.  

الشق الثاني من الاتفاق، وفق عضو مجلس الإعلام الجديد، يتمثل بمراقبة المجموعات التي "تدير" و"تنظم" الهجرة غير الشرعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فهذه المجموعات أو "الجروبات" الخاصة يتخللها حوارات ومناقشات بين مهربي البشر والمهاجرين الراغبين بالانتقال من فرنسا إلى المملكة المتحدة بأية وسيلة.  

ويشير الشيخ إلى أن اختراق هذه المجموعات الخاصة يعني سماح منصات التواصل للأجهزة الأمنية بالنفاذ إلى المحتوى المتداول بين أعضائها، الأمر الذي قد يعتبره كثيرون انتهاكاً لخصوصية المشتركين والمستخدمين.

ومن غير الواضح حتى الآن إلى أي مدى يمكن أن تتعاون تلك المنصات مع الحكومة البريطانية في هذا الشأن.  

الخصوصية والجريمة  

وتقول المحامية المختصة بشؤون الهجرة سالي ديفيز إن تعاون الحكومة مع وسائل التواصل في إطار مكافحة جرائم الاتجار بالبشر أمر قانوني، وقد سبق للندن التعاون مع هذه المنصات في هذا السياق وغيره من المساعي لمواجهة جرائم تتزايد، وتنعكس على سلامة وأمن الناس من جهة، وتماسك المجتمع البريطاني من جهة ثانية.  

وتلفت المحامية، في حديث مع "الشرق"، إلى أن الإشكالية في الاتفاق الجديد تتمثل في حدود تعاون الحكومة مع منصات التواصل لمراقبة المهاجرين وليس لتتبع المهربين، فالساعين إلى اللجوء للمملكة المتحدة ليسوا مجرمين، وخاصة إن كانوا خارج الحدود، ولا يطبق عليهم القانون الذي يجرم دخول البلاد بشكل غير قانوني.

وتلفت ديفيز إلى أن تتبع منشورات الأشخاص العاديين المتضمنة لكلمات تتعلق بالقوارب الصغيرة أو الرحلات من الشواطئ الفرنسية أو غيرها من مصطلحات ترتبط بالهجرة غير الشرعية، قد ينطوي على انتهاك لخصوصية وبيانات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، وتعدٍ على حقهم في التعبير من جهة أخرى.  

وتقول التقارير الصادرة عن الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة إن 90% من المحتوى المروج للهجرة غير الشرعية تحذفه وسائل التواصل بمجرد إعلامها وتبليغها به. وهذا المحتوى يشمل كل ما يعد إعلاناً لرحلات القوارب أو عروضاً لمساحات مجانية للأطفال، أو توجيه نحو أماكن وجهات لاستصدار وثائق وأوراق مزورة.  

خطوة متأخرة  

وفي مقابل تفاؤل الحكومة، قالت وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر إن الشراكة مع وسائل التواصل الاجتماعي "خطوة متأخرة وذات عائد متواضع"، منوهة في حديث مع صحيفة "الجارديان" إلى أن حزب المحافظين لا يستطيع معالجة "فوضى" الهجرة غير الشرعية، ولا يمكنه التباهي بالخطوة الجديدة.

وللصحيفة ذاتها، قال النائب والمسؤول عن الشؤون الداخلية في الحزب الليبرالي الديمقراطي أليستير كارمايكل "إن الشراكة الجديدة للحكومة مع وسائل التواصل الاجتماعي غير كافية"، وأضاف أن البريطانيين فقدوا الثقة بقدرة الحكومة على معالجة أزمة الهجرة غير الشرعية، متوقعاً أن "الشراكة مع وسائل التواصل لن تغير شيئاً في هذا".  

وتتهم المعارضة العمالية الحكومة بالتخبط في التعامل مع أزمة "مهاجري القوارب"، وتقول "إن المحافظين لا يتعاملون بصدق وشفافية مع البريطانيين في توضيح الأزمة وحقيقتها".

وتضيف أن الأرقام المعلنة لا توحي بكثير من التحسن في هذا الإطار، حيث وصل إلى البلاد أكثر من 15 آلف لاجئ منذ بداية العام الجاري.  

وتشير صحيفة "التايمز" إلى أن أكثر من 21 ألف شخص دخلوا المملكة المتحدة بشكل غير شرعي، ولم تعرف الحكومة بذلك إلى حين تقدمهم بطلبات لجوء إلى وزارة الداخلية، الأمر الذي أثار قلق الجهات المعنية من احتمال تعاون البريطانيين مع المهاجرين بعد وصولهم إلى البلاد، وقيام البعض بتشغيلهم وتوفير سكن لهم.  

عقوبات وغرامات  

وفي إطار منع البريطانيين من تقديم تسهيلات للمهاجرين غير الشرعيين، زادت حكومة ريشي سوناك غرامة تشغيل الذين لا يمتلكون حقاً قانونياً بالإقامة والعمل في المملكة المتحدة، ثلاثة أضعاف إلى 45 ألف جنيه إسترليني مقارنة بـ 15 ألف جنيه نصت عليها القوانين الصادرة في عام 2014.

أما تكرار المخالفة ذاتها وفق التشريع الجديد، فيرفع قيمة الغرامة إلى 60 ألف جنيه مقارنة بـ 20 ألفاً في اللوائح السابقة.  

ويتضمن التشريع الجديد أيضا زيادة الغرامة على من يؤجرون ممتلكاتهم للمهاجرين غير الشرعيين من 802 جنيهاً للنزيل العابر إلى 5000 جنيه، أما المستأجر فغرامة إسكانه ارتفعت من 1000 جنيه إلى 10 آلاف جنيه.

وفي حال تكرار المخالفة، تتضاعف الغرامة إلى 10 آلاف للنزيل العابر و20 ألفاً للمستأجر مدة زمنية طويلة، وتدخل الغرامات الجديدة حيز التنفيذ مع مطلع 2024.

وتقول الحكومة إنه تم إصدار أكثر من 5 آلاف مخالفة منذ 2018 بحق أصحاب أعمال وظفوا مهاجرين غير شرعيين، بقيمة إجمالية تزيد على 88 مليون جنيه.

أما من وفروا السكن لهؤلاء فقد سجلت بحقهم أكثر من 320 مخالفة بقيمة زادت عن 315 ألف جنيه.  

اقرأ أيضاً:

تصنيفات