
كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن التظاهرات التي شهدتها السنغال أخيراً، هي الأسوأ منذ نحو عقد في الدولة الإفريقية، علماً أنها أسفرت عن مقتل 8 أشخاص على الأقلّ، ونُظمت احتجاجاً على اعتقال الزعيم المعارض عثمان سونكو، وما يعتقده المتظاهرون بأنه اعتداء الرئيس ماكي سال على الديمقراطية في البلاد.
المسؤول السنغالي البارز عليون بادارا سيسي، حذّر من عواقب هائلة للاحتجاجات، التي أوقفت الحركة في المدن، فيما تعرّضت محطات وقود ومتاجر لتخريب وحرق.
واعتبرت المجلة أن الاضطرابات في السنغال، التي تُعتبر منارة للديمقراطية والاستقرار في غرب إفريقيا، "مؤشر مقلق" بالنسبة إلى المنطقة بأسرها.
أسباب الاحتجاجات
اندلعت الاحتجاجات في كل أنحاء السنغال، في 3 مارس، عندما ذهب عثمان سونكو، أحد أشهر قادة المعارضة في البلاد، إلى محكمة لمواجهة مزاعم باعتداء جنسي، وُجّهت إليه في فبراير الماضي. ونفى سونكو التهم الموجّهة إليه، مصرّاً على أنها مزاعم ملفقة تستهدف كبح مسيرته السياسية، علماً أنه سيُمنع من خوض انتخابات الرئاسة، المرتقبة في عام 2024، في حال إدانته.
وخلال توجّهه إلى المحكمة، اعتُقل سونكو بتهمة الإخلال بالنظام العام والمشاركة في احتجاجات غير مرخّص لها، بعد صدامات بين مئات من أنصاره والشرطة. وإثر اعتقاله، نزل متظاهرون إلى الشوارع، تعبيراً عن شكواهم من الوضع في بلادهم، ومن قيادة الرئيس ماكي سال.
وأشارت المجلة إلى أن توقيف سونكو، واتهاماته للسلطات، أثارت شكوكاً بأن سال يحاول إسكات المعارضة، قبل انتخابات 2024. ويُعتبر سونكو، وهو من أشدّ المنتقدين لحكومة سال، أحد أبرز المنافسين السياسيين للرئيس، قبل الانتخابات. ويتمتع سونكو بشعبية، لا سيّما لدى الشباب، الذين ينجذبون إلى برنامجه الشعبوي للمعارضة الراديكالية، واستقلال اقتصادي أكبر. وفي انتخابات الرئاسة التي نُظمت في عام 2019، احتل المركز الثالث، بنيله نحو 15% من الأصوات.
ونقلت "فورين بوليسي" عن جيف بورتر، رئيس شركة North Africa Risk Consulting، قوله: "أدت شعبية (سونكو) إلى تحفيز تحرّكات الشوارع، ضد شبهات بفساد وعدم مساواة في إدارة ماكي سال".
شكاوى المحتجين
ليست هذه المرة الأولى التي يستبعد فيها سال خصومه السياسيين من الانتخابات، من خلال اعتقالهم. ففي عام 2019، وُجّهت اتهامات إلى زعيمين معارضين، اعتبرا أن دوافعها سياسية. واعتُقل أحدهما، وهو خليفة سال، الرئيس السابق لبلدية العاصمة داكار، قبل سنتين من انتخابات 2019، ولم يُمنح عفواً سوى بعد الاقتراع، ما عزّز تكهنات بأن الرئيس يتعمّد استهداف منافسيه.
وقال بورتر: "ثمة شكوك بأن ماكي سال يستخدم القضاء لتهميش خصومه السياسيين، لكنه لا يستخدمه لمتابعة ملفات فساد مشروعة تطاول حلفاءه".
ويخشى المحتجون أيضاً أن يعدّل سال الدستور، لتمكينه من الترشح لولاية ثالثة، متجاوزاً فترة الولايتين المُطبّقة في البلاد. وعلى الرغم من أن سونكو ضغط علناً على سال، ليرفض ولاية ثالثة محتملة، إلا أن الرئيس لم يصدر بياناً رسمياً في هذا الصدد، ويخشى المعارضون أنه سيتبع خطى غينيا وساحل العاج المجاورتين، اللتين مدّد رئيساهما ولاياتهما الرئاسية العام الماضي.
واتسعت هذه المظالم نتيجة المشكلات الاقتصادية في السنغال، إذ أن المكاسب الاقتصادية التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية لم تُوزّع بالتساوي، وتفاقم ذلك بعد تفشي فيروس كورونا المستجد.
سونكو ومزاعم الاغتصاب
وأشارت "فورين بوليسي" إلى مشكلة محتملة في رفض سونكو تهمة الاغتصاب الموجّهة إليه، وردّ الفعل العنيف للمحتجين على الادعاء، إذ قد يثنيان ضحايا الاعتداء الجنسي عن تقديم شكاوى في هذا الصدد.
وهذا أمر مقلق بشكل خاص في السنغال، حيث اعتُبر الاغتصاب أخيراً "جريمة خطرة". وقال بورتر: "إن تسييس تهمة الاعتداء الجنسي الموجّهة إلى (سونكو)، يمكن أن يقوّض جدية مزاعم ضحيته".
استهداف مؤسسات فرنسية
إطلاق سونكو بكفالة أخيراً، لم يكبح التظاهرات. فبعد ساعات على الإفراج عنه، أطلقت شرطة مكافحة الشغب رصاصاً مطاطاً وغازاً مسيلاً للدموع على متظاهرين في داكار، فيما تعهد تحالف من الناشطين وجماعات معارضة، بمواصلة الاحتجاج لثلاثة أيام أخرى.
خلال الأسبوع الماضي، أسفرت التظاهرات عن تعطّل الحركة في داكار، إذ أُغلقت محطات الوقود والمتاجر والمصارف في كل أنحاء المدينة، فيما تواترت أنباء عن عمليات تخريب وحرق نفذها محتجون. وأدت الاحتجاجات إلى إغلاق المدارس، كما جمّدت الحكومة مؤقتاً العمل في محطتين تلفزيونيتين، وقيّدت مواقع للتواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"واتساب" و"يوتيوب"، مع تصاعد الاحتجاجات. وأفادت تقارير باعتقال حوالى 100 متظاهر، منذ 3 مارس.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الاحتجاجات أثارت مشاعر معادية لباريس، إذ أفادت معلومات بأن متظاهرين استهدفوا شركات فرنسية، وأحرقوا أكثر من 12 محطة وقود ومتاجر مملوكة لمؤسسات فرنسية. ويبرّر خبراء ذلك باعتقاد بأن السنغال، وهي مستعمرة فرنسية سابقة، كانت وسيلة للمصالح الاقتصادية لفرنسا في ظلّ إدارة سال.
وقال بورتر: "هناك تصوّر لدى المتظاهرين بأن لدى المجتمع، وقطاع الأعمال، والحكومة في فرنسا، سيطرة محكمة على الاقتصاد السنغالي. إنهم يسيطرون على أسواق استيراد معيّنة، ويتحكّمون في أسعار تلك الواردات، ما يحرم السنغاليين العاديين من واردات كثيرة".
سيناريوهات محتملة
الخميس الماضي، أعلن سال يوم حداد وطني، مشيراً إلى أنه سيرفع القيود المرتبطة بكورونا، التي أثارت بعض الاضطرابات. وقال بورتر إن الاستجابة كانت "صمّاء" بعض الشيء، في حين أن تدابير سال لم تعالج تظلّمات المتظاهرين، الذين توفي كثيرون منهم برصاص قوات الأمن السنغالية، التي يوجّهها الرئيس.
وقال بورتر: "أعتقد بأن هناك احتمالاً بأن تستمرّ التظاهرات، إلى حين محاكمة مرتكبي جرائم القتل أو الوفيات هذه، أو أن يقدّم ماكي سال اعتذاراً أكثر صدقاً، وخطة أفضل تتجاوز مجرد تخفيف حظر التجوّل المرتبط بكورونا لساعات".
في هذه الأثناء، كتب سونكو على "تويتر": "لا نريد أن نتحمّل مسؤولية تقويض ديمقراطيتنا. ولكن لنكن واضحين، الثورة في مسار نحو عام 2024"، في إشارة إلى موعد انتخابات الرئاسة.