كيف يتجنّب "تلغرام" و"سيغنال" تحوّلهما إلى ملاذ لمتطرفي أميركا؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
يحمل هاتفاً ذكياً قرب شعار لتطبيق "تلغرام" في صورة تعبيرية التُقطت في لندن - 5 يناير 2016 - Bloomberg
يحمل هاتفاً ذكياً قرب شعار لتطبيق "تلغرام" في صورة تعبيرية التُقطت في لندن - 5 يناير 2016 - Bloomberg
دبي – الشرق

أوردت مجلة "فورين بوليسي" أن تطبيقَي "تلغرام" و"سيغنال" شهدا طفرة هائلة في أعداد مستخدميهما الجدد، منذ اقتحام مقرّ الكونغرس في 6 يناير الماضي، وحظر موقعَي "فيسبوك" و"تويتر" حسابَي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وإزالة موقع "بارلر" من خوادم "أمازون"، إضافة إلى حذف محتوى يميني متشدد من منصات التواصل الكبرى.

وأشارت المجلة إلى أن "تلغرام" أعلنت فتح 90 مليون حساب جديد، في يناير الماضي. ووصف مؤسّس التطبيق، بافيل دوروف، هذا الأمر بأنه "أضخم هجرة رقمية في تاريخ البشرية". كذلك أفادت معلومات بأن "سيغنال" ضاعف قاعدة مستخدميه، لتبلغ 40 مليوناً، وبات أكثر تطبيق يتم تحميله في 70 دولة.

ويعتمد التطبيقان على التشفير، لحماية خصوصية اتصالات المستخدمين، ما جعلهما مفضلين لدى محتجين يحاولون إخفاء هوياتهم عن حكومات "قمعية"، في دول مثل بيلاروسيا وإيران، إضافة إلى هونغ كونغ. لكن تكنولوجيا التشفير جعلت التطبيقين أداة اتصال مفضلة لمجرمين وجماعات إرهابية، مثل تنظيمَي "القاعدة" و"الدولة".

الزيادة في أعداد المستخدمين الجدد، لم تكن فقط نتيجة الحملة التي شنّتها المنصات الرئيسة على جماعات يمينية، ذلك أن سياسة الخصوصية الجديدة في تطبيق "واتساب"، التي استنتج مستخدموه، على نحو خاطئ، أنها ستتيح لشركة تابعة لـ "فيسبوك" مشاركة بياناتهم على نطاق أوسع، كانت، على أقلّ تقدير، على المقدار ذاته من الأهمية في تحوّل المستخدمين إلى "تلغرام" و"سيغنال"، وفق "فورين بوليسي".

الرسائل المشفرة والعنف

وبصرف النظر عن الأسباب، تشهد شعبية التطبيقين زيادة واضحة، ما يثير أسئلة مقلقة بشأن ما إذا كانا سيُستغلان بدرجة أكبر، من جماعات كراهية، وتنظيمات إرهابية، وكيانات أخرى شائنة، بعد حظرها على منصات أخرى.

وتثير هجرة جماعات متطرفة إلى تطبيقات مشفرة، مخاوف من أن تسهّل الاتصالات السرية ممارسة مزيد من العنف. ففي عام 2015، شهد "تلغرام" طفرة في استخدامه، من "تنظيم الدولة"، الذي كان يعتمد على "تويتر" و"فيسبوك"، في تجنيد عناصر جديدة، وتنسيق نشاطاته، ونشر أيديولوجيته. وبعدما حظّر الموقعان محتوى التنظيم، تحوّل إلى "تلغرام"، وخدمات مشابهة، لتسهيل اتصالاته، بما في ذلك عمليات التجنيد والتخطيط لهجمات إرهابية.

وذكرت "فورين بوليسي" أن التنسيق بين إدارة "تلغرام" والشرطة، بعدما استخدم عناصر "تنظيم الدولة" التطبيق، أتاح برنامج عمل لمواجهة الجماعات اليمينية المتطرفة على المنصة.

وعلى الرغم من أن "تلغرام" يعجز عن مراقبة القنوات الخاصة المشفرة، إلا أنه حذف في النهاية كل حسابات "تنظيم الدولة" تقريباً، ما قوّض قدرته على استخدام نظام الرسائل المشفرة على التطبيق.

وطوّر "تلغرام" علاقة تعاون مع جهاز الشرطة الأوروبية "يوروبول"، الذي شجّع محققوه التطبيق على إزالة محتوى التنظيم، من دون اللجوء إلى إجراءات قانونية قاسية، كانت الشركة تتجنّبها.

هجمات إرهابية

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن "تلغرام" يقدّم لمستخدميه مستويَين من الاتصالات المشفرة، إذ إن خدماته يمكن أن تكون عامة أو خاصة. وعلى الرغم من أن التطبيق قادر نظرياً على مشاهدة الخدمات العامة، إلا أن الدردشات السرية تكون مشفرة، منذ بدايتها إلى نهايتها.

كذلك، يقدّم التطبيق لمستخدميه خيار ضبط الرسائل على التدمير الذاتي بعد قراءتها، بحيث يختفي أي سجل للاتصالات. وتحظر شروط خدمة "تلغرام" الترويج للعنف، لكن ذلك قابل للتنفيذ فقط في ما يتعلّق بالقنوات التي يمكن مشاهدتها بشكل عام.

وأفاد مراقبون لنشاطات "داعش" على الإنترنت، بأنه استخدم الخدمات العامة لـ "تلغرام"، لنشر دعاية، وتجنيد عناصر جديدة، وإبلاغ التعليمات لتنفيذ هجمات.

وكان أحد منفذي تفجيرات باريس، في عام 2015، حمّل التطبيق على هاتفه، يوم تنفيذ العملية، وربما استخدمه في تنسيقها. وبعد تنفيذ الهجمات، استخدم "داعش" التطبيق لإعلان مسؤوليته عنها. كذلك استخدم التنظيم "تلغرام" في هجومَي برلين عام 2016، وملهى "رينا" في إسطنبول عام 2017.

وفي عام 2016، قال دوروف إنه ذُعِر للنشاطات الإرهابية على تطبيقه، وحاول منعها، لكنه ذكّر السلطات بأن تكنولوجيا المنصة تجعل من المستحيل عليه الكشف عن مفتاح التشفير الخاص بأي محادثات خاصة، ولو أراد ذلك. ولفت إلى أن أعضاء "تنظيم الدولة" يستطيعون إنشاء تطبيق رسائل خاص بهم، "خلال نحو شهر"، إذا حظرهم على "تلغرام". وأضاف: "هذا هو عالم التكنولوجيا. يستحيل أن توقفهم عند هذه المرحلة".

"تلغرام" و"يوروبول"

"فورين بوليسي" كشفت أن حكومات في كل العالم، بينها الولايات المتحدة، ضغطت على "تلغرام" لحظر محتوى "داعش"، والتعاون مع التحقيقات المتصلة بإرهابيين مشبوهين يستخدمون التطبيق. وحصلت السلطات الفرنسية على أمر قضائي، لمحاولة إرغام "تلغرام" على تأمين معلومات عن أي نشاط إرهابي موجود على المنصة. وبعد هجمات نفذها "تنظيم الدولة" في سان بطرسبرغ عام 2017، هددت روسيا بحظر التطبيق.

وواصل دوروف رفضه مشاركة أي بيانات سرية تتعلّق بالمستخدمين، وكتب أن "تلغرام لم يخضع أبداً لضغوط مارسها مسؤولون، أرادوا منا فرض رقابة سياسية".

تجدر الإشارة إلى أن "وحدة الإحالة عبر الإنترنت"، التابعة لـ "يوروبول"، بدأت بعد هجمات باريس عام 2015، بوضع علامات على المحتوى المتشدد لـ "تنظيم الدولة" على "تلغرام"، لدى نشره على القنوات العامة للشركة. ولم يحاول "يوروبول" طلب بيانات المستخدم أو إزالة المحتوى، مكتفياً بإثارة اهتمام التطبيق بترويج التنظيم للعنف على منصته.

وذكر مسؤولو "يوروبول" أن هذه الخطوة فتحت قناة اتصال بين الشرطة ومديري "تلغرام"، ما أسهم في بناء الثقة، لا سيّما أن التطبيق قد يكون أدرك أنه يجازف بتعريض نفسه لخطوات أكثر تشدداً من الحكومات. وكان السبب الأساسي في نجاح هذه العلاقة، هو أن "يوروبول" لم يسعَ إلى ممارسة أي سلطة قانونية على "تلغرام"، بل ترك له القرار الأخير بشأن حذف المحتوى.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن "تلغرام" فعّل "تنظيم داعش ووتش"، الذي كان يرسل تحديثات يومية بشأن المحتوى الإرهابي المحظور على المنصة. وفي ديسمبر 2016، أعلن التطبيق أنه يحذف شهرياً 70 قناة تابعة للتنظيم. وفي أواخر 2019، نفذ "تلغرام" و"يوروبول" عملية مشتركة، أتاحت حذف 43 ألف حساب مرتبط بالإرهاب، ما أدى فعلياً إلى شطب التنظيم عن الإنترنت.

الجماعات اليمينية الأميركية

منذ اقتحام مبنى الكابيتول، تخشى الولايات المتحدة أن تستغل جماعات متطرفة "تلغرام"، لتنسيق هجمات سراً. وبعد 6 يناير الماضي، أغلق التطبيق "عشرات" القنوات التي تدعو إلى العنف ضد الإدارة الأميركية، أو تؤيّد التطهير العرقي، والنازية الجديدة، وحروب العصابات.

ورأت "فورين بوليسي" أن أوجه الشبه بين "داعش" والجماعات المتطرفة الأميركية ليست كبيرة، إذ إن الأخيرة لم تقتل آلاف المدنيين، ولا تُعتبر في العالم تنظيمات إرهابية، مثل "داعش". وأضافت أن دوروف سيواجه حتماً اتهامات بممارسة رقابة، من ناشطين يمينيين، إذا اعتمد نهج "تويتر" أو "فيسبوك" بحذف كامل لقنوات هذه الجماعات.

وإذا كان "تلغرام" يستطيع مراقبة المحتوى العنيف، وحذفه، من دون المسّ بوظائف المراسلة المشفرة، فإن أعضاء "داعش"، الحريصين على عدم نشر مواد عن العنف علناً، أو الانضمام إلى قنوات مرتبطة بالإرهاب، ربما لا يزالون يستخدمون التطبيق، من دون أن يعلم بهم أحد.

ورجّحت المجلة أن يعتمد مستقبل الجماعات اليمينية المتشددة التي تستخدم "تلغرام"، على ما إذا كانت تدعو علناً إلى العنف، أو تقصر ذلك على اتصالاتها الخاصة.

واعتبرت المجلة أن المعادل الأميركي لـ"وحدة الإحالة عبر الإنترنت" في "يوروبول"، يستطيع تطوير علاقة عمل مع "تلغرام"، لتسهيل تضييق حضور الجماعات الأميركية المتطرفة على التطبيق. ويمكن أن يكون ذلك بمنزلة نموذج للتعاون مع "سيغنال" أيضاً، والتطبيقات المشفرة الأخرى، علماً أن لدى الشرطة في الولايات المتحدة سجلاً ناجحاً في العمل مع شركات التكنولوجيا، لتقويض استخدام "داعش" لمنصاتها.

اقرأ أيضاً: