وجه القضاء في ولاية جورجيا الأميركية، تهمة "الابتزاز"، إلى جانب جرائم أخرى للرئيس السابق دونالد ترمب، بالإضافة إلى 18 شخصاً، بشأن محاولة تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020 في الولاية.
واستندت المدعية العامة في مقاطعة فولتون، فاني ويليس، في هذه القضية إلى قانون "مكافحة الابتزاز والجريمة المنظمة" المعروف اختصاراً بقانون "ريكو" RICO.
وعلى غرار القانون الفيدرالي الذي يستند إليه، سُن تشريع "ريكو" في الولاية لتفكيك مجموعات الجريمة المنظمة، ولكن على مر السنين أصبح يستخدم لملاحقة مرتكبي جرائم أخرى، من "ذوي الياقات البيضاء"، الذين يرتكبون الجرائم غير العنيفة والمرتكبة لدوافع مالية، ومخططات الاختلاس وقضايا الفساد العام.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، يعد هذا القانون أداة قوية لإنفاذ القانون، حيث يسمح القانون في ولاية جورجيا للمدعين بتجميع ما قد يبدو أنها جرائم غير ذات صلة ارتكبها مجموعة أشخاص مختلفين، إذا كان ينظر إلى هذه الجرائم على أنها تستهدف هدفاً مشتركاً.
في هذا الإطار، قال أستاذ القانون في كلية "جون مارشال للقانون" بأتلانتا، مايكل ميرز، إنه "يسمح لممثل الادعاء بملاحقة رئيس منظمة، محددة بشكل فضفاض، دون الحاجة إلى إثبات أن هذا الرئيس شارك بشكل مباشر في مؤامرة أو أي أعمال تنتهك قانون الولاية".
وأضاف ميرز: "إذا كنت ممثلاً للادعاء، فهذا منجم ذهب.. إذا كنت محامي دفاع، فهذا كابوس".
ويحتاج ممثلو الادعاء فقط إلى إظهار "نمط من نشاط الابتزاز"، وهو ما يعني الجرائم التي استخدمت جميعها لتعزيز أهداف مؤسسة فاسدة.
وخلصت محاكم جورجيا إلى أن هذا النمط يتألف من اثنين على الأقل من أعمال الابتزاز في غضون فترة 4 سنوات، للمساعدة في تنفيذ مخطط واحد أو أكثر لها مقصد واحد أو مشابه.
ربط جهود ترمب
ويعني ذلك أن قانون "ريكو" قد يسمح لممثلي الادعاء بربط مختلف الجهود التي يبذلها ترمب وحلفاؤه، مثل محاميه السابق رودولف جولياني، لإلغاء خسارته في جورجيا في السباق الرئاسي عام 2020.
وتشمل هذه الجهود مكالمة هاتفية للرئيس السابق ضغط فيها على أكبر مسؤول انتخابي في ولاية جورجيا، براد رافينسبيرجر، من أجل أن "يجد" له ما يكفي من الأصوات للفوز.
ويشترط القانون في جوهره على ممثلي الادعاء إثبات وجود "مؤسسة" و"نمط من نشاط الابتزاز". ولا يجب أن تكون المؤسسة منظمة إجرامية بحتة.
وفي جورجيا، استخدم هذا القانون لمحاسبة المتهمين على مجموعة من المخططات المختلفة، بما في ذلك محاولات المرشحين للسعي إلى منصب منتخب أو الاحتفاظ به أو الجهود التي يبذلها مسؤولو المدارس لتنظيم الغش في الاختبارات الموحدة.
وتشمل أنواع الجرائم التي يمكن أن يحاول ممثلو الادعاء إلصاقها بترمب وحلفاءه التحريض على ارتكاب تزوير الانتخابات، والتدخل المتعمد في أداء واجبات الانتخابات، والإدلاء ببيانات كاذبة، والتأثير بشكل غير صحيح على المسؤولين الحكوميين، وحتى التزوير.
ويضع القانون قائمة من 40 جريمة أو فعل يمكن اعتبارها مجتمعة "نمطاً من نشاط الابتزاز". وهناك عدد من الجرائم التي يتهم بها ترمب وحلفاؤه على القائمة، بما في ذلك الإدلاء ببيانات كاذبة.
ولائحة الاتهام الجديدة، هي الرابعة من نوعها التي يواجهها ترمب الساعي لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2024، وتضم رودي جولياني محامي ترمب، ومارك ميدوز، كبير موظفي البيت الأبيض خلال ولاية الرئيس السابق.
وأوضح ميرز أن القانون لا يفرض على الولاية إثبات أن ترمب كان على علم بجميع الجرائم أو أمر بها، بل فقط أنه كان رئيس مؤسسة نفذتها. ومن المرجح أن يكون الدفاع الرئيسي لمحامي الرئيس السابق هو إظهار أن الجهات الفاعلة المختلفة لم تكن تنوي ارتكاب جريمة.
وتتمتع المدعية العامة فاني ويليس، بخبرة واسعة في قضايا الابتزاز، بما في ذلك بعض القضايا خارج نطاق الأسر الإجرامية المعتاد.
وقالت ويليس في مؤتمر صحافي، عقد أخيراً، للإعلان عن قضية ابتزاز ضد عصابة "دراج ريتش جانج": "ريكو هو أداة تسمح لمكتب المدعي العام أو إنفاذ القانون برواية القصة كاملة".
ويواجه الشخص المدان بالابتزاز بموجب قانون جورجيا عقوبة تصل إلى 20 عاماً في السجن وغرامة، بالإضافة إلى عقوبة الجريمة الأساسية.
"العائلات الخمس للمافيا"
شبكة "NBC news" الأميركية، قالت إن جولياني تلقى إشادة بجهوده، عندما استخدم بشكل غير مسبوق قانون الابتزاز ضد العصابات، عندما كان مدعياً عاماً للمنطقة الجنوبية في نيويورك في الثمانينيات. والآن، يواجه تهمة مماثلة بموجب نفس قانون جورجيا مع ترمب.
وأعلن جولياني أن أولويته القصوى عندما كان مدعياً عاماً، هي هزيمة الجريمة المنظمة في نيويورك، حيث كان يعيش ويعمل رؤساء ما يسمى بـ"العائلات الخمس".
وخلال المحاكمة، قام بقراءة مذكرات زعيم المافيا جوزيف بونانو، التي صدرت عام 1983، وتحمل عنوان "رجل الشرف"، حيث ذكر فيها الزعيم الاجتماعات مع رؤساء العائلات الأربع الأخرى، كولومبو وجامبينو وجينوفيزي ولوكيزي، ويشار إليها باسم "اللجنة"، بحسب موقع متحف عصابات المافيا "themobmuseum".
واجتمعت اللجنة، التي تعود إلى عام 1931، سراً لتسوية الخلافات، والنظر في أعضاء جدد، والموافقة على جرائم قتل، وتوزيع الأموال المكتسبة من خلال الابتزاز.
وحصل جولياني على إذن من واشنطن لإقامة دعوى قضائية ضد "اللجنة". وبحلول عام 1984، كان 350 من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI"، و100 شرطي في نيويورك، يحققون في نشاط هذه العصابة الإجرامية.
وآنذاك، كان ما يقدر بنحو 1000 رجل كامل العضوية في العصابة و5 آلاف من الشركاء يعيشون في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وكونيتيكت وأماكن أخرى.
مقاضاة قادة العائلات
وتضمن تحقيق جولياني وضع أجهزة تسجيل مسموح بها من قبل المحكمة عام 1984 في أماكن مثل نادي "بالما بويز" الاجتماعي في نيويورك.
ومن مئات الساعات من المحادثات المسجلة، سمع المحققون رجال العصابات يتحدثون عن "اللجنة"، ومبيعات المخدرات، وقتل رجل عائلة بونانو، كارمين جالانتي عام 1979.
وقرر جولياني مقاضاة قادة العائلات وأتباعهم من المستوى الأعلى معاً بموجب قانون "ريكو"، بتهمة التآمر لارتكاب جنايات بما في ذلك جرائم القتل المأجور، والإقراض بسعر فائدة فاحش والابتزاز، والاتجار بالمواد المخدرة.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها تشريع "ريكو"، الذي أقرّه الكونجرس عام 1970، لإجراء محاكمة فيدرالية كبرى.
وترافع جولياني في القضية أمام هيئة محلفين فيدرالية كبرى، وفي فبراير 1985 حصل على لوائح اتهام ضد قائمة من قادة العائلة الإجرامية في نيويورك ومساعديهم.
وكلف جولياني المدعي الفيدرالي مايكل شيرتوف بإحالة قضية اللجنة إلى المحاكمة. واستدعت الحكومة 207 شهود. ورتب جولياني لشهوده البارزين، أنجيلو لوناردو، رئيس عصابة "كليفلاند"، للإدلاء بشهادته، ثم وافق رجل العصابات الأعلى مرتبة على العمل كشاهد.
وفي نوفمبر 1986، أدين المتهمون من رجال العصابات، بمن فيهم قادة الأسرة ساليرنو وبيرسيكو وكورالو، في لائحة الاتهام المكونة من 21 تهمة وأجبروا على قضاء أحكام بالسجن تتراوح بين 40 و100 عام، في ضربة قاصمة لمافيا نيويورك التي استمرت عقوداً.
اقرأ أيضاً: