أدى الانقلاب العسكري في النيجر إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، وسط اختلاف نهج البلدين في كيفية الرد على الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو الماضي.
وترفض فرنسا الانخراط دبلوماسياً مع المجلس العسكري، وتدعم بقوة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والتي تهدد بالتدخل عسكرياً في النيجر لاستعادة النظام الدستوري.
لكن الولايات المتحدة أرسلت سفيرتها الجديدة كاثلين فيتزجيبونز إلى النيجر، ووصلت العاصمة نيامي السبت، للقاء قيادات المجلس العسكري، بعد إرسالها مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند، في 7 أغسطس لبحث الأزمة، كما امتنعت عن إعلان الاستيلاء على السلطة في البلد الواقع في غرب إفريقيا انقلاباً عسكرياً، مصرة على أنه "لا يزال هناك سبيلاً دبلوماسياً لاستعادة الديمقراطية".
ويدعم المسؤولون الفرنسيون الحلول السلمية، ولكن النهج الأميركي أثار غضبهم، قائلين إن الانخراط مع المجلس العسكري "يقوي من موقفه"، وفق مجلة "بوليتيكو أوروبا".
وقال مسؤول فرنسي مطلع على الأوضاع في النيجر وتحدث للمجلة بشرط عدم ذكر هويته إنه "ربما تكون الولايات المتحدة قد سارعت للانخراط مع الانقلابيين لأجل تجنب سفك الدماء، ولكن ربما كان رد الفعل الأفضل، هو وضع شروط أو ضمانات قبل فتح تلك القنوات".
تغير ميزان القوى
ويشي الموقف في النيجر بتغير في موازين القوى في المنطقة، كما يلقي الضوء على الاختلاف في المصالح بين باريس وواشنطن في هذا البلد.
وربما تعتقد الولايات المتحدة التي تستخدم النيجر كقاعدة لعملياتها في مكافحة الإرهاب في المنطقة، أن لديها نفوذاً أكبر من فرنسا، لأسباب ليس أقلها أن باريس تحمل إرثها الاستعماري في المنطقة، وفق "بوليتيكو".
وقال مسؤولون أميركيون سابقون إن عدم رضا فرنسا عن النهج الأميركي يعود في جزء منه إلى غضبها من فقدان آخر موطئ قدم استراتيجي لها في الساحل الغربي لإفريقيا، حيث أجبرتها الانقلابات في المنطقة على سحب جنودها إلى مناطق أخرى.
ورفضت فرنسا طلباً من النيجر لسحب قواتها من البلد، بعدما أجبرتها انقلابات مالي وبوركينا فاسو على سحب قواتها من هذه البلدان.
هزيمة نفسية واستراتيجية
وقال كاميرون هادسون وهو مسؤول سابق للشؤون الإفريقية في مكتب الأمن القومي بالبيت الأبيض إن الرهانات بالنسبة لفرنسا في النيجر أكبر بكثير منها بالنسبة لواشنطن، فهي "هزيمة نفسية واستراتيجية لفرنسا".
وفي غرب إفريقيا، اعتادت فرنسا على رؤية القوى الأخرى وهي تحذو حذوها، أو على الأقل توجيهاتها، ولكن هذا ليس ما يحدث هذه المرة.
والتقت مساعدة وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا نولاند في زيارة خاطفة إلى النيجر في 7 أغسطس، مع قادة الانقلاب، وحضتهم على العودة عن قراراتهم، ولكن لم يتم السماح لها بلقاء الرئيس المعزول محمد بازوم، وأقرت بعد ذلك بأن المجلس العسكري بدا رافضاً للعودة عن "قراراته المناهضة للديمقراطية".
وأشار مسؤولون فرنسيون إلى هذه الزيارة كمثال على الرغبة الأميركية "المتسرعة" للانخراط مع المجلس العسكري.
توتر بين الحلفاء
وفيما لا تزال فرنسا والولايات المتحدة متفقتان على عدد من القضايا، بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن عدة نقاط أثارت التوتر بين "الحلفاء القدامى" في السنوات الأخيرة.
وتتضمن تلك التوترات الشراكة الأمنية الأميركية مع أستراليا، وعلاقات الولايات المتحدة وبريطانيا مع الصين، وكذلك قانون مكافحة التضخم الأميركي، والذي ينظر له الأوروبيون على أنه وسيلة لسحب الاستثمارات من أوروبا.
وقال مسؤول أميركي مطلع على الأمر أن بعض الحلفاء غير راضين عن زيارة نولاند، ولكنه رفض ذكر هؤلاء الحلفاء أو التعرض لمخاوفهم.
ورغم ذلك، دافع المسؤول عن محاولات الانخراط مع قادة الانقلاب، وقال المسؤول: "نافذة الفرص تغلق. هل نترك تلك النافذة لتغلق تماماً، أو نحاول أن ندخل فيها درجة من المرونة؟"
"لا يثقون بفرنسا"
علي الحسيني، وهو أميركي على صلات بالمجلس العسكري، قال إن حكام النيجر الجدد لا يثقون في فرنسا، لأسباب عدة أبرزها أنها تتعامل وكأنهم غير موجودين في المشهد.
ويلقي قادة الانقلاب باللوم على فرنسا في الضغوط التي تقوم بها الدول المجاورة على المجلس العسكري، وما يرونه على أنه "فساد في النيجر"، ولكنهم راغبون في الانخراط مع الولايات المتحدة، والتي يرون أنها "أقل تعالياً من فرنسا".
ويحافظ المسؤولون الفرنسيون على نهجهم في عدم التعامل مع قادة الانقلاب ويعلنون دعمهم لبازوم، الذي يخضع للإقامة الجبرية، وتمكن وفد إيكواس السبت، من لقائه، كما أنه تحدث مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكثر من مرة.
وقال دبلوماسي فرنسي: "لا يوجد دعم شعبي للمجلس العسكري. نحن لا نرى نظاماً جديداً يحصل على الشرعية، ولدينا رئيس شرعي يكافح لأجل البقاء".
ولم تنف المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون التوتر بين واشنطن وباريس بشأن النيجر، ولكنها أكدت أن الحليفين يواصلان الحديث، وكذلك مع ممثلين للدول الإفريقية.
وقالت واتسون في بيان: "تركيزنا ينصب على إطلاق سراح الرئيس بازوم وعائلته، وكذلك وضع مسار دبلوماسي تحت الدستور النيجري يتيح حفظ النظام الدستوري".
وقال متحدث باسم السفارة الفرنسية في واشنطن إن هناك "تنسيقاً وثيقاً ومناقشات جارية".
ورفض قصر الإليزية التعليق على التوتر بين الولايات المتحدة وفرنسا، ولكن مسؤولاً دبلوماسياً رفيعاً أقر بأن هناك خلافاً بشأن النهج في التعامل مع النيجر بين البلدين.
وقال المسؤول الرفيع المستوى: "لدينا جميعاً نفس الهدف، وهو استعادة النظام الدستوري، ولكن هناك اختلافات دقيقة"، وأشار إلى أن الموقف الفرنسي ينطلق من الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو في السنوات الأخيرة.
واشنطن والنهج الدبلوماسي
وتعهدت باريس بالدعم الكامل لإيكواس، والتي أعلنت الجمعة، أنها حددت موعد التدخل العسكري في النيجر، واستعدادها للتدخل متى صدر الأمر، ولكنها أرسلت السبت، وفداً إلى نيامي للتفاوض مع المجلس العسكري.
وأوضحت واشنطن لإيكواس أنها لا تزال تفضل المسار الدبلوماسي، ولكن باريس ألمحت إلى أنها ستنظر في تقديم مساعدة عسكرية إذا ما قررت إيكواس التدخل في النيجر وطلبت المساعدة.
ولدى فرنسا نحو 1500 جندي في النيجر، ويعود جزء من رفضها خروج قواتها من النيجر، هو إظهار دعمها للحكومة المنتخبة التي وقعت معها اتفاقيات لوضع قواتها هناك.
ووضع الانقلاب نهاية لواحدة من أمتن شراكات باريس في المنطقة، بعدما سحبت قولتها من مالي وبوركينا فاسو بعد الانقلابات هناك.
كما يعد الخروج من النيجر، فشلاً لاستراتيجية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إفريقيا، فيما تواجه باريس موجة من العداء لفرنسا في الإقليم تغذيها مظالم استعمارية، والفشل في قمع حركات التمرد، والتي تدعمها حملات بروباجندا تقودها مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة، وفق "بوليتيكو".