وسط غموض بشأن دور بوتين ومصير "فاجنر".. تحقيق أميركي في حادث بريجوجين

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو مع المسؤول الذي عينه الكرملين لإدارة منطقة خيرسون في أوكرانيا. 24 أغسطس 2023 - via REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو مع المسؤول الذي عينه الكرملين لإدارة منطقة خيرسون في أوكرانيا. 24 أغسطس 2023 - via REUTERS
دبي -الشرق

أعاد حادث تحطم طائرة مؤسس مجموعة "فاجنر" العسكرية، يفجيني بريجوجين، بعد شهرين من تمرده على الكرملين، التذكير بقوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كزعيم لروسيا "لا يُمكن تحديه داخل البلاد"، بحسب "بلومبرغ".

وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، أن الاستخبارات الأميركية فتحت تحقيقاً في ملابسات تحطم الطائرة، وأن "المسؤولين الأميركيين يعملون على افتراض أنها أسقطت بأوامر من الرئيس الروسي"، واستبعدوا تحطمها جرّاء صاروخ "أرض-جو".

وأشار مسؤولون أميركيون، إلى أن إحدى النظريات المبكرة هي احتمالية وقوع انفجار على متن الطائرة، لكنهم حذروا من أنهم "لم يتوصلوا إلى استنتاجات مؤكدة".

من جانبها، قالت وزارة الدفاع البريطانية، الجمعة، إنه "ليس هناك دليل قاطع حتى الآن على أن بريجوجين كان على متن الطائرة"، لكن وفاته "مرجحة جداً".

وأضافت الوزارة، في تحديث نُشر على منصة "إكس"، تويتر سابقاً، "لا يوجد دليل قاطع حتى الآن على أن بريجوجين كان على متن الطائرة"، مشيرة إلى أنه "معروف باتخاذ إجراءات أمنية استثنائية. ومع ذلك، فمن المحتمل جداً أنه توفي بالفعل".

وتوقعت وزارة الدفاع البريطانية "تأثيراً كبيراً" لوفاة بريجوجن على استقرار مجموعة فاجنر، مرجعة السبب إلى أن "سماته الشخصية من نشاط مفرط وجرأة استثنائية والسعي لتحقيق النتائج والقسوة الشديدة، هيمنت على أداء فاجنر، ومن غير المرجح أن تتوفر في أي خليفة له".

واتهم أنصار بريجوجين، من وصفوهم بـ"خونة" باغتياله، انتقاماً لتمرد قاده في أواخر يونيو الماضي، بحسب "فاينانشيال تايمز" البريطانية.

استقرار النظام

واعتبرت "بلومبرغ"، أن مصرع قائد "فاجنر" أزاح شخصية كانت قد أفلتت من العقاب بعد أن قادت تمرداً من الأراضي الأوكرانية هدد قبضة الرئيس الروسي على السلطة.

ونقلت الوكالة عن 4 أشخاص مقربين من السلطات الروسية، طلبوا عدم كشف هوياتهم بسبب حساسية الأمر، أن إزاحة بريجوجين من المشهد يُشكل "عامل استقرار قوي لنظام بوتين"، لأنها "تُظهر أن أي شخص يتحدى الرئيس سيصل إلى نهاية سيئة".

وصُدم الكثيرون من النخبة الروسية جراء فشل بوتين في معاقبة بريجوجين على الفور بعد تمرد يونيو الذي ندد به باعتباره خيانة.

ووقع الحادث الذي قالت روسيا، إنه أودى بحياة جميع الأشخاص الـ10 الذين كانوا على متن الطائرة الخاصة المتجهة من موسكو إلى سانت بطرسبرج، بعد شهرين بالضبط من التمرد الذي قال الرئيس إنه "دفع البلاد إلى حافة حرب أهلية".

"قضية مصيرية"

ورأت تاتيانا ستانوفايا، من مؤسسة الاستشارات السياسية "آر بوليتيك"، أن بريجوجين "المفعم بالحيوية والمليء بالأفكار بلا شك، كان قضية مصيرية للنظام، إذ أنه جسّد إذلال بوتين السياسي. وبالنسبة لجزء كبير من الجمهور المحافظ المُسيس، فإن موته هو نتيجة مستحقة بجدارة".

وواصل بوتين جدول أعماله، الخميس، مخاطباً قمة دول "بريكس" التي تستضيفها جنوب إفريقيا عبر رابط فيديو، ولم يشر إلى بريجوجين.

لكن الرئيس الروسي ظهر لاحقاً في مقابلة تلفزيونية أشاد خلالها بقائد مجموعة "فاجنر"، ووصفه بأنه رجل أعمال موهوب، مشيراً إلى أنه يود التعبير عن خالص تعازيه لأسر الذين لقوا حتفهم في حادث سقوط الطائرة.

وقال بوتين إن بريجوجين "واجه أقداراً صعبة، وارتكب أخطاءً جدية، لكنه حقق النتائج المرجوة لنفسه وللقضية المشتركة (الحرب في أوكرانيا)، كما كان شخصاً ورجل أعمال موهوباً"، لافتاً إلى أنه كان يعرف بريجوجين منذ تسعينيات القرن الماضي.

وأشار إلى أنه "من الضروري انتظار نتيجة التحقيق الرسمي في الحادث الذي سيستغرق بعض الوقت".

وفقاً للوكالة الأميركية، يستعد بوتين بالفعل لمحاولة تأمين ولاية خامسة في انتخابات مارس 2024، مضيفة أنه يفعل ذلك الآن مع اقتناع الكثيرين في النخبة بأنه "استعاد سلطته، وأظهر قوته، بعد أشهر من الارتباك حول التداعيات السياسية لتمرد فاجنر".

ونقلت الوكالة عن شخصين على صلة بالسلطات "لا شك أن النخبة الروسية ليست برمتها متفائلة بشأن سقوط بريجوجين الواضح، إذ يعمق اختفاؤه الشعور بالخوف من خلال إظهار أنه لا يوجد أحد آمن في روسيا الآن".

وبينما يواصل المحققون الروس العمل على كشف ملابسات تحطم الطائرة، لا تزال هناك العديد من الأسئلة. حتى أن بعض المنتسبين إلى النخبة تساءلوا عما إذا كان قد تم تزييف وفاة بريجوجين، وقالوا إنهم يريدون انتظار اختبارات الحمض النووي للتأكد من أن قائد "فاجنر" كان على متن الطائرة.

مصير فاجنر

ومن غير الواضح من سيتولى قيادة الآلاف من مقاتلي المجموعة العسكرية الخاصة بعد إدراج كل من بريجوجين والمسؤول الثاني في المجموعة، ديميتري أوتكين، بين ركاب الطائرة.

ويُثير ذلك أيضاً تساؤلات بشأن مستقبل عمليات "فاجنر" الواسعة في إفريقيا، فضلاً عن المبالغ الضخمة التي كسبتها المجموعة. وكان هناك شخص ثالث أدرجته سلطات الطيران الروسية على أنه من بين ركاب الطائرة، وهو فاليري تشيكالوف، المسؤول عن الشؤون المالية التشغيلية لـ"فاجنر".

وكان العديد من مقاتلي المجموعة الروسية انتقلوا إلى بيلاروس بموجب اتفاق أبرمه بريجوجين لإنهاء التمرد بعد أن كانت قواته على مسافة 200 كيلومتر من موسكو. وأثار وجودهم توترات مع دول البلطيق وبولندا التي أرسلت قوات إلى الحدود مع بيلاروس وسط مخاوف أمنية متزايدة.

وقد تُضعف وفاة بريجوجين، مجموعة "فاجنر" أو حتى تفكك وجود مقاتليها في بيلاروس، حسبما قالت زعيمة المعارضة البيلاروسية المنفية في البلاد سفياتلانا تسيخانوسكايا، الخميس، في مقابلة مع "بلومبرغ".

وبحسب الوكالة كان بوتين يسعى لاستعادة سلطته المهتزة في الداخل منذ التمرد، وسط تصاعد الغضب القومي من الغزو الروسي المتعثر لأوكرانيا، الذي دخل الآن شهره الـ 18.

وكان بريجوجين كسب عدداً كبيراً من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب هجومه الحاد على الضباط العسكريين الروس وفي مقدمتهم وزير الدفاع سيرجي شويجو، متهماً إياهم بتخريب المجهود الحربي.

وتسببت لهجة بريجوجين تلك في جعله يتمتع بشعبية لدى العديد من الروس العاديين، وتم تشجيعه في شوارع مدينة "روستوف أون دون"، جنوبي البلاد، في نهاية تمرده القصير. وكان استعداده لزيارة أقارب مقاتلي "فاجنر" المتوفين والتحدث معهم يتناقض بشدة مع سياسة بوتين وغيره من كبار المسؤولين.

وكان بريجوجين يتمتع بشعبية أيضاً لدى البعض في الجيش، الذين وافقوا على انتقاداته لسير الحرب في أوكرانيا.

ووقع تحطم الطائرة بعد يوم من معرفة أن سيرجي سوروفيكين، وهو جنرال كبير أشاد به بريجوجين، قد أقيل من منصبه، كنائب لقائد العمليات في أوكرانيا بعد استجوابه من قبل مسؤولين أمنيين بشأن صلاته بـ"فاجنر".

وكان قائد المجموعة قد طالب بالإطاحة بوزير الدفاع سيرجي شويجو، الحليف المقرب من بوتين، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي فاليري جيراسيموف، لكن بوتين وقف إلى جانب الرجلين، مؤكداً للنخبة أن الولاء له أمر بالغ الأهمية، حتى وسط انتقادات لأداء الجيش في أوكرانيا.

"إشارة قوية"

وقالت الزميلة البارزة في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ماريا سنيجوفايا، "يُشير بوتين بذلك إلى ما يحدث لأي شخص يجرؤ على تحدي النظام أو عصيانه. إنها إشارة قوية، ويتم إجراؤها عمداً على هذا النطاق (...) هذا الانفجار يخدم تأثيراً توضيحياً".

أما على المستوى السياسي، فقد أزال بوتين جميع منتقدي أداء روسيا في الحرب "وأظهر للجميع أنه يُسيطر تماماً على الوضع"، حسبما قال أندريه سولداتوف، الخبير في شؤون الأجهزة السرية الروسية، مضيفاً "إذا كان بريجوجين قد قُتل بالفعل في هذا الحادث، فهذا يعني أن بوتين هو لاعب ذو دم بارد للغاية".

وفي الخارج أيضاً، أعرب المسؤولون في الولايات المتحدة وأوروبا عن القليل من الصدمة من احتمال تعرض بريجوجين لعملية اغتيال.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين "لا أعرف حقيقة ما حدث، لكنني لست متفاجئاً".

من جانبها، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مقابلة إذاعية، الخميس: "النظام الروسي الحالي، تحت قيادة بوتين، مبني على الموت والمعاناة. يجب أن نخشى أن تستمر روسيا، مع فاجنر أو بدونها، في لعبتها الساخرة، ليس فقط في أوكرانيا ولكن أيضاً في إفريقيا".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات