بعد رحيل يفجيني بريجوجين زعيم "فاجنر"، أصبح مستقبل المجموعة العسكرية الروسية الخاصة، محل تساؤلات، بما لها من انتشار في العديد من الدول، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية التي ربطت بريجوجين مع بلدان عدة خاصة في إفريقيا.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية"، ذكرت أن الكرملين يبدو أنه كان يستعد للتعامل مع "فاجنر" في مرحلة ما بعد بريجوجين، موضحة أن أندريه تروشيف الذي كان وسيلة التواصل بين بريجوجين ووزارة الدفاع الروسية، أحد المرشحين المحتملين لخلافة زعيم "فاجنر" الذي قضى بتحطم طائرته، الأربعاء الماضي.
وأشارت إلى أن تروشيف، وهو مقدم سابق في وزارة الشؤون الداخلية الروسية، كان أحد الشخصيات القليلة في المجموعة الأمنية التي لم تكن على متن الطائرة التي تحطمت وسقط فيها قيادات في "فاجنر" بجانب بريجوجين.
وفي الأسابيع الأخيرة، ذكر مدونون عسكريون مرتبطون بـ"فاجنر"، أن تروشيف طُرد من المجموعة بسبب "خيانته لبريجوجين بعد تمرد يونيو"، إذ حريصاً على إبرام صفقة مع وزارة الدفاع، التي دخل بريجوجين في خلافات عميقة معها في الأشهر التي سبقت تمرده الفاشل.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن ليليا ياباروفا، وهي صحافية روسية غطت لسنوات أنباء الشركات العسكرية الخاصة الروسية، قولها إن تروشيف تم اتهامه أيضاً باستدراج الموظفين والعملاء إلى شركة ريدوت العسكرية الخاصة، التي تسيطر عليها وزارة الدفاع، ويعتقد أنها تمول من قبل جينادي تيمشينكو، الملياردير وشريك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ فترة طويلة.
وكان بوتين قد ألمح في السابق إلى أنه سيكون سعيداً برؤية تروشيف يتولى السلطة في المجموعة، ففي 29 يونيو، بعد 5 أيام من التمرد، جمع بوتين في الكرملين العشرات من قادة "فاجنر" وكبار القادة، بما في ذلك بريجوجين.
وبحسب مراسل صحيفة "كوميرسانت" الروسية، فقد عرض بوتين خلال الاجتماع على أعضاء "فاجنر" توقيع العقود مع الجيش النظامي ومواصلة القتال تحت قيادة "سيدوي"، وهو علامة نداء تروشيف، "الذي كان قائدهم الحقيقي طوال الوقت"، وعندما رفض بريجوجين عرضه، اتهمه بوتين بمخالفته لرغبات مقاتليه، الذين ادعى أنهم "هزوا رؤوسهم" بالموافقة خلال الاجتماع.
وقالت تاتيانا ستانوفايا، وهي زميلة بارزة في مركز كارنيجي روسيا أوراسيا: "يبدو أن بوتين حاول التوصل إلى اتفاق مع (فاجنر) دون الدخول في صراع مباشر مع بريجوجين". موضحة أن بوتين كان "لا يزال بحاجة إلى زعيم (فاجنر) لضمان حدوث انتقال سلس لتروشيف، وتسليم (فاجنر) معداتها الثقيلة إلى وزارة الدفاع، ونقل جيش المرتزقة إلى بيلاروس دون أي حوادث".
منافسون
وأضافت أن السماح لبريجوجين بحرية الحركة والسفر بعد التمرد، أتاحت للكرملين فرصة قياس مدى استعداد قادة "فاجنر" للتوصل إلى تسوية، ومع الوقت "اتضح أنه لم تعد هناك حاجة لبريجوجين".
رغم كونها الأكثر شهرة، لا تعد "فاجنر" الشركة العسكرية الخاصة الوحيدة في روسيا، فقد سمح بوتين للأثرياء الروس بإنشاء شركات مماثلة. وفي الأيام التي سبقت حادث الطائرة بدأت مجموعتان في توظيف أشخاص للقيام بعمليات في إفريقيا، ما ترجعه "واشنطن بوست" إلى استعداد الكرملين لتعويض العقود الأمنية لبريجوجين.
ونشرت "كونفوي"، وهي مجموعة جديدة نسبياً ظهرت العام الماضي كوسيلة أخرى للتجنيد في حرب أوكرانيا إعلاناً، الاثنين، يبحث عن طيارين للخضوع للتدريب على الطائرات بدون طيار ونشرهم في أوكرانيا وإفريقيا. وكانت شركة ريدوت، التي قاتلت في سوريا، تتطلع أيضاً إلى توسيع عملياتها في إفريقيا، مع ظهور إعلانات التوظيف مؤخراً على شبكة VKontakte الاجتماعية.
لكن الصحافي الروسي المخضرم، دينيس كوروتكوف، قال إن تلك الشركتين لم يحققا انتصارات مهمة في أوكرانيا، ويعتبرا "أقل احترافية من فاجنر"، كما لا يحظيان بتقدير جيد من المرتزقة الروس ذوي الخبرة.
"فاجنر" في إفريقيا
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن بريجوجين قضى أيامه الأخيرة يحاول حماية أعماله في إفريقيا. وقالت ياباروفا: "كان بريجوجين، بالطبع، على علم بهذه الخطط وحاول التدخل فيها، وهو ما كان الغرض من رحلة عمله الأخيرة إلى مالي".
إلا أن محاولاته مع الزعماء الأفارقة يبدو أنها لم تكن كافية، إذ قال فيديل جواندجيكا، أحد كبار مستشاري رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين-آركانج تواديرا، إن الحكومة وقعت عقداً مع روسيا التي تعاقدت من الباطن مع "فاجنر"، وأرسلت قوات إلى البلاد في عام 2018، موضحاً في مقابلة أجريت معه، الجمعة، "لذا فإن وفاة بريجوجين خسارة كبيرة لنا لأنه ساعد في إنقاذ الديمقراطية في جمهورية إفريقيا الوسطى لكن لن يتغير شيء. يمكن لروسيا أن تقرر اختيار زعيم آخر لفاجنر".
وتوقع جواندجيكا، أن تواصل "فاجنر"، وليس قوة أخرى، عملها، لكنه أضاف أن القرار يعود لموسكو في نهاية المطاف، مضيفاً "لدينا اتفاق مع الحكومة الروسية، وروسيا هي التي تختار من نرسله”.
وفي مالي، رفضت الحكومة منذ فترة طويلة مناقشة وجود قوات فاجنر، وكانت تشير إليهم باستمرار على أنهم "مدربون روس". وقال أداما بن ديارا، عضو المجلس الانتقالي للمجلس العسكري المالي، الجمعة، إن "مالي تعمل مع روسيا على مستوى الدولة، وسيستمر هذا التعاون".
كذلك، زار نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، ليبيا، لتقديم تطمينات إلى المشير خليفة حفتر قائد الجيش بأن مقاتلي "فاجنر" سيبقون في شرق البلاد، ولكن تحت قيادة الكرملين.
وقال ديفيد لويس، الأستاذ في جامعة إكستر البريطانية، الذي أجرى بحثًا عن شبكات أعمال "فاجنر" غير المشروعة، إن موسكو أثبتت بالفعل أنها ستحافظ على بصمة "فاجنر" العالمية.
وأشار إلى أن وجود المجموعة في إفريقيا كان متواضعاً نسبياً، إذ يقدر ببضعة آلاف من الرجال، ويمكن استبداله بسهولة، موضحاً أنها "تكلفة من حيث القوى العاملة والإنفاق الدفاعي، ولكن من المرجح أن يُنظر إليها على أنها تكلفة منخفضة نسبياً لكيفية استفادة روسيا من الناحية الجيوسياسية".
مستقبل فاجنر
وأياً ما كان زعيم فاجنر المقبل، فإن العديد من التوقعات ذهبت باتجاه أن المجموعة لن تعود إلى ما كانت عليه من قوة سابقاً، إذ قالت كاترينا ستيبانينكو، المحللة الروسية في معهد دراسة الحرب، لموقع "أكسيوس" الأميركي: "لن نرى فاجنر بنفس القدرة التي رأيناها من قبل".
كما قال يوجين فينكل، الأستاذ المشارك في الشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، إن الكرملين ووزارة الدفاع الروسية إما سيُخضعون فاجنر "تماماً" أو سيعملون على تفكيكها بالكامل.
وأضاف فينكل لـ"أكسيوس"، أن أحد الأسئلة الرئيسية المتبقية هو من سيتولى إدارة الشركات المرتبطة بـ"فاجنر"، وإمبراطورية بريجوجين التجارية الواسعة، والتي تشمل المناجم وعمليات النفط والغاز وغيرها من المشروعات في 15 دولة على الأقل.
وقال فينكل: "لا أعتقد أننا نعرف ذلك بعد.. قد تكون وزارة الدفاع. قد يكون بعض الأشخاص في مجتمع الأعمال".
اقرأ أيضاً: