صادقت إسرائيل على خطة خمسية للقدس بقيمة 3.2 مليار شيكل (843 مليون دولار) لدعم الوجود اليهودي في المدينة، فيما تتعالى أصوات تشكو من دعم محدود غير كاف للمؤسسات الفلسطينية، وسط تعقيدات مالية وسياسية تواجهها السلطة الفلسطينية.
وصادقت الحكومة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، على الخطة الخاصة بالقدس، والتي حملت عنوان "تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية للسنوات 2024 – 2028"، وتشمل استثمارات في مجال البنى التحتية والتعليم وتشجيع التشغيل والرفاه وجودة البيئة.
واعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الخطة الإسرائيلية "استعمارية عنصرية" هدفها حسم مستقبل المدينة المقدسة من جانب واحد وبالقوة.
وقالت الوزارة، في بيان، إن هدف الخطة تستهدف "تعميق تهويد القدس وتغيير معالمها في المجالات كافة، بما في ذلك الحد من النمو السكاني الطبيعي للمواطنين الفلسطينيين، وفرض المناهج الإسرائيلية على المدارس، وتعزيز الاستيطان في القدس ومحيطها".
وفي ظل هذا الصراع العلني بين فلسطين وإسرائيل بشأن القدس، يُعاني الفلسطينيون في المدينة من نقص في التمويل والخدمات والحماية القانونية، ويرون أنهم يواجهون تهديدات بالإبعاد أو سحب هوياتهم.
ويرى مسؤولون ومحللون أن هذا التباين يعكس اختلافاً واضحاً في الأولويات، ففي حين تُولي إسرائيل قضية القدس أولوية، تظهر جلياً إمكانيات السلطة الفلسطينية المحدودة في دعم المقدسيين في ظل الحصار المالي الذي تفرضه إسرائيل وما تستقطعه بشكل متواصل من عائدات الضرائب على المعابر نيابة عن السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق باريس الاقتصادي.
وخصّصت الحكومة الفلسطينية 250 مليون دولار لدعم الفلسطينيين في القدس ضمن ميزانية العام الماضي، إلا أن البيانات المالية للحكومة لا تُظهر كيفية صرف هذا المبلغ.
التعليم والمناهج الإسرائيلية
ويشير الناشط الحقوقي في القدس رائد بشير إلى أن إسرائيل خصصت 800 مليون شيكل ضمن الخطة الخمسية للشق التعليمي فقط في المدينة، وهو ما اعتبره "محاولة لمحو التعليم الفلسطيني واعتماد المناهج الإسرائيلية".
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن الخطة "تهدف لتهويد كل مناحي الحياة في القدس لتغيير وجهها الحقيقي وتهويدها".
وأضاف بشير أن "إسرائيل ضخّت الكثير من الأموال في قطاعات كثيرة أهمها التعليم والاستيطان في القدس، وتزعم أن الأموال مخصصة لبناء وحدات سكنية للمقدسيين، لكن في الحقيقة إسرائيل تريد بناء بنية تحتية ومرافق عامة ومدارس وإنجاز طرق آمنة للمستوطنين في المدينة".
وأوضح أن المقدسيين وحدهم هم من يتصدون للإجراءات الإسرائيلية، لافتاً إلى "غياب قسري في هذه الفترة للجهات الراعية والمسؤولة عن المؤسسات المقدسية".
وفي حين أكد بشير محدودية الدعم للمقدسيين والمؤسسات الفلسطينية المختلفة بل وللمستشفيات، اعتبر أن "التقصير الأكبر" يتمثل في قضية التعليم، الذي يقول إنه يعاني من "تقصير وغياب حقيقي"، واصفاً ذلك بأنه "هو الخطر المحدق".
وشدّد على ضرورة ضخ ميزانيات ضخمة للمدارس في القدس الشرقية.
الصحة تحت الحصار
على المستوى الصحي، تسعى المؤسسات الفلسطينية جاهدة للحفاظ على وجودها في القدس، على الرغم مما تواجهه من تحديات مالية كبيرة.
وقال رئيس مجلس إدارة شبكة مستشفيات القدس الشرقية عبد القادر الحسيني: "هناك إدراك لما تعانيه السلطة الفلسطينية من حصار مالي يؤثر على التزام الحكومة الفلسطينية بتعهداتها تجاه القدس والقطاع الصحي فيها".
وأضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أن المؤسسات الصحية قائمة وموجودة ولديها خططها للاستمرار في تحقيق أهدافها، لكن "ليس لديها القدرة على التوسع والتطور في بعض الأحيان".
وتحدث الحسيني عن وجود شعور بالإحباط في مؤسسات القدس الشرقية لأنها لا تتلقى سوى النذر اليسير من الدعم المفترض أنه مخصص لها، مشيراً إلى تأخر الحكومة في سداد الدفعات المستحقة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، لأن المؤسسات في أغلب الأحيان تنتظر دفعات من الولايات المتحدة وأوروبا لسد الالتزامات.
وتابع: "نريد الدعم الذي من خلاله نستطيع أن نُقاوم محاولات التهويد الإسرائيلية للمدينة المقدسة، والذي يُسيطر على أغلب المؤسسات في القدس، ويضع بصمته فيها، ويتوسع في المدينة".
كان الرئيس الأميركي جو بايدن زار مستشفى المطلع في القدس، العام الماضي، وأعلن تخصيص 100 مليون دولار لدعم المؤسسات الصحية الفلسطينية في المدينة.
وأشار الحسيني إلى أن "مستشفيات القدس دائماً في حالة مديونية، ونحن نقترض من البنوك في بعض الأحيان، وهذا ما يجعل المؤسسات غير قادرة على التطور أو توسيع خدماتها. وبعض المؤسسات نجدها تعتمد على المنظومة الإسرائيلية".
وكشف عن أن مديونية المستشفيات وحدها تتراوح بين 60 و70 مليون دولار "وهذا يستنزف المؤسسات لأنه يترتب عليه دفع فوائد وتبقى المستشفيات غارقة بالمديونية"، معرباً عن أمله في "أن تكون هناك انفراجة في الحصار الذي تشهده السلطة الفلسطينية، ونأمل من العالم العربي توفير الدعم لمؤسسات القدس".
القدس أولوية
ويقول مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش إن القدس هي "الأولوية الأولى في السياسة الفلسطينية وبرنامج القيادة والحكومة، وستبقى أولوية في كل شيء".
وأضاف لوكالة أنباء العالم العربي: "نولي أهمية واهتماماً خاصاً للقدس بمؤسساتها ومقدساتها ومواطنيها بكل ما نستطيع، بالرغم من شح الإمكانات المتوفرة لدينا".
ورداً على سؤال بشأن التباين الواضح بين المخصصات الإسرائيلية والمخصصات للمؤسسات الفلسطينية، بقوله: "لا نستطيع بصراحة مجاراة إمكانيات الاحتلال لكننا نفعل كل ما يمكننا أن نقوم به كسلطة وحكومة فلسطينية"، معتبراً أن "القدس ليست فقط مسؤولية الفلسطينيين أو الحكومة الفلسطينية، إنما هي مسؤولية كل العرب والمسلمين"، ودعا الدول العربية والإسلامية للقيام بمسؤوليتها تجاه المدينة المقدسة.
واتهم الهباش الجيش الإسرائيلي بأنه "يضع العراقيل أمام برامج وخطط الحكومة الفلسطينية في القدس"، منوهاً إلى أن إمكانيات السلطة والحكومة قليلة "ونحن غير قادرين على ملاحقة الاحتلال مادياً".
إلا أنه استدرك: "لكن صمود الناس في القدس هو العامل الأول للثبات، وثانياً البرامج التي ترعاها القيادة الفلسطينية من خطط وبرامج ولا يمكن لنا البوح بها حتى لا نعرضها للخطر من قبل إسرائيل".
لا وجه للمقارنة
من جانبه، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عدنان الحسيني: "عندما تُقارن بين ما يُقدم الطرف الآخر للقدس ومحاولات تهويد القدس والعبث بالرواية العربية والفلسطينية بالقدس، وبين ما نستطيع تقديمه، فلن يكون هناك مجال للمقارنة أبداً".
وأضاف لوكالة أنباء العالم العربي: "الحكومة الفلسطينية لديها موازنة مقسمة لعدة جهات ولكل القطاعات، وهي تؤدي واجبها تجاه القدس ضمن إمكانياتها المتاحة".
وتابع الحسيني: "مدينة القدس تواجه صعوبات من الاحتلال الإسرائيلي الذي يسرق ويهوّد ويقتل ويعتقل ويُمدّد الاستيطان فيها، ولذلك تحتاج القدس إلى الكثير، ونحن في القدس صامدون مرابطون نُحافظ على مؤسساتنا على الرغم من المعاناة الكبيرة، ونحافظ على هذه المؤسسات ونطوّرها لكي تكون ثابتة ومتواجدة على الأرض".
وأوضح أن "احتياجات القدس كثيرة جداً، ولم يأتِ إلا القليل من هذه الاحتياجات.. العالم أجمع يسمع ويرى ما نعيشه".
فجوة تتسع
ويرى خطيب المسجد الأقصى عكرمة صبري أن إسرائيل تدعم "تهويد المدينة بملايين الدولارات" في حين تعاني المؤسسات الفلسطينية بالقدس شح الموارد ومنها مؤسسات توقفت عن عملها لعدم وجود ميزانية كافية.
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن المسؤولية تقع على عاتق الدول العربية والإسلامية التي "تخلت عن القدس المهمّشة"، معتبراً أن "المقدسيون في الميدان وحدهم لكن لن يستسلموا ولن يتراجعوا".
وأضاف صبري أن هناك أعمالاً فردية من "أهل الإصلاح وبعض المحسنين لدعم مؤسسات القدس عن طريق الدعم والتبرعات".
وقال نائب محافظ القدس عبد الله صيام إن القدس هي "قلب قضية فلسطين وأولى الأولويات للقيادة الفلسطينية".
وأضاف: "ما يتم تقديمه للقدس هو في إطار الإمكانيات المالية الفلسطينية التي تبقى في إطار الدعم المحدود"، مشيراً إلى أن إمكانيات إسرائيل كبيرة في القدس بسبب المساعدات الأميركية وما لديها من قدرة مالية كبيرة.
وتابع صيام: "الفجوة تتسع بين الوضع الإسرائيلي والفلسطيني في المدينة المقدسة، وإذا لم يتم التدخل العربي والدولي والإسلامي بالمستوى المطلوب لن تكون هناك قدرة على ملاحقة ومجاراة الحالة الإسرائيلية، ولن تكون منظومة التعليم الفلسطيني بمقدورها أن توازي منظومة التعليم الإسرائيلي، ولن يكون بمقدورنا حماية المنظومة الصحية التي يستهدفها الاحتلال".
اقرأ أيضاً: