قال ضباط من الجيش في الجابون على التلفزيون الوطني، إنهم عينوا قائد الحرس الرئاسي السابق الجنرال بريس أوليجي نجيما الذي قاد انقلاباً أطاح بالرئيس علي بونجو، الأربعاء، زعيماً للمرحلة الانتقالية، فيما دعا بونجو المجتمع الدولي لـ "إحداث ضجة" لدعمه هو وأسرته.
جاءت الخطوة بعد أن أعلنت لجنة الانتخابات في الدولة الواقعة بوسط إفريقيا، فوز بونجو بولاية ثالثة بحسب وكالة "رويترز".
وأعلن الضباط الذين قالوا إنهم يمثلون القوات المسلحة على شاشة التلفزيون، إلغاء نتائج الانتخابات، وإغلاق حدود البلاد، وحل مؤسسات الدولة بعد تصويت شابه التوتر بلا رقابة دولية، وكان من شأنه تمديد حكم عائلة بونجو المستمر منذ أكثر من نصف قرن.
وجاء في كلمة أخرى عبر التلفزيون الرسمي أنه في غضون ساعات، اجتمع الجنرالات، واتفقوا بالإجماع على اختيار الجنرال بريس أوليجي نجيما، الرئيس السابق للحرس الرئاسي، لقيادة الفترة الانتقالية.
وفي الوقت نفسه، ناشد بونجو، في بيان مصور من مقر إقامته الذي يُحتجز فيه، الحلفاء الأجانب وطلب منهم التحدث نيابة عنه وعن عائلته. وقال إنه لا يعرف ما يحدث.
وتغير مصير بونجو جذرياً منذ الساعات الأولى من صباح الأربعاء، بعد أن أعلنت اللجنة الانتخابية فوزه في التصويت المتنازع عليه، السبت.
وخرج المئات إلى شوارع العاصمة ليبرفيل للاحتفال بتدخل الجيش صباح الأربعاء. لكن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في الجابون والتي لها قوات هناك، نددوا جميعاً بالانقلاب.
والاستيلاء العسكري على السلطة في الجابون هو الثامن في غرب ووسط إفريقيا منذ عام 2020 والتالي لانقلاب النيجر في الشهر الماضي.
كما استولى ضباط من الجيش على السلطة في كل من مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد ليعصفوا بكل المكاسب الديمقراطية التي تحققت منذ التسعينيات، ويثيروا مخاوف القوى الأجنبية التي لها مصالح استراتيجية في المنطقة.
"أزمة مؤسسية"
ووفقاً لوكالة "فرانس برس" جاء في بيان للضباط تُلي عبر التلفزيون الرسمي: "تمر البلاد حالياً بأزمات مؤسسية وسياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة".
وتلا البيان ضابط بحضور عشرات من كبار الضباط والجنرالات الذين يمثّلون كل ألوية الجيش وأفراد من الحرس الجمهوري وجنود.
وشدّد البيان على أنّ الانتخابات "لم تستوف شروط الاقتراع الشفاف" الذي كان كثر من أبناء الجابون يعوّلون عليه.
واستنكروا "حكماً غير مسؤول يتسبّب بتدهور مستمر للتماسك الاجتماعي، ما قد يؤدي إلى دخول البلاد في حالة من الفوضى".
وقال الانقلابيون في بيانهم: "نحن قوات الدفاع والأمن المجتمعة ضمن لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات قرّرنا باسم الشعب الجابوني الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم".
أسرة بونجو
وقال جولز ليبيجي وهو عاطل عن العمل يبلغ من العمر 27 عاماً انضم للحشود في شوارع العاصمة "أشارك في المسيرة اليوم لأنني سعيد. بعد ما يقرب من 60 عاماً خرج آل بونجو من السلطة".
وفي بيان آخر قال ضباط الجيش إنهم احتجزوا بونجو الذي تولى السلطة في 2009 خلفاً لوالده عمر بونجو الذي حكم البلاد منذ عام 1967. وقالوا أيضاً إنهم اعتقلوا نور الدين بونجو نجل الرئيس وآخرين بتهمة الفساد والخيانة.
ويقول معارضون إن أسرة بونجو لم تفعل شيئاً يذكر كي تصل ثروة البلاد النفطية والتعدينية للمواطنين البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة.
ونشبت اضطرابات شابها العنف بعد فوز بونجو في انتخابات 2016 كما تم إحباط محاولة انقلاب في 2019.
وقال الضباط، الذين أطلقوا على أنفسهم (لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات)، في بيان إن الجابون "تمر بأزمة مؤسسية وسياسية واقتصادية واجتماعية حادة"، وأضافوا أن انتخابات 26 أغسطس تفتقر للنزاهة.
ولم يصدر حتى الآن تعليق من حكومة الجابون.
"عدوى" الانقلابات
آخر مرة ظهر فيها بونجو (64 عاماً) علناً كانت حين أدلى بصوته في انتخابات السبت. وكان يبدو بصحة جيدة أكثر مما كان عليه في مرات ظهور نادرة على التلفزيون بدا فيها مجهداً بعد جلطة أصيب بها في 2018.
وعلى عكس النيجر ودول الساحل الأخرى، فإن الجابون، التي تقع إلى الجنوب على ساحل المحيط الأطلسي، لم تضطر إلى محاربة حركات تمرد مزعزعة للاستقرار. لكن الانقلاب يعد علامة أخرى على تراجع الديمقراطية في المنطقة المضطربة.
وقال الرئيس النيجيري بولا تينوبو، الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، إن "عدوى الاستبداد" تنتشر في أنحاء إفريقيا.
وأضاف أنه يعمل عن كثب مع زعماء أفارقة آخرين للتوصل إلى طريقة للرد على ما يجري في الجابون.
تنديد أممي إفريقي
وندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش والاتحاد الإفريقي بالأحداث التي وقعت في الجابون، ودَعَوا الجيش إلى ضمان سلامة بونجو وعائلته، بينما قالت الصين وروسيا إنهما تأملان في العودة السريعة إلى الاستقرار. وقالت الولايات المتحدة إن الوضع مثير للقلق بشدة.
وذكر المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران، الأربعاء: "نندد بالانقلاب العسكري ونذكر بالتزامنا بانتخابات حرة وشفافة".
وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن في وقت سابق، إن بلادها تراقب الوضع في الجابون عن كثب.
ويبث هذا الانقلاب مزيداً من عدم اليقين بشأن الوجود الفرنسي في المنطقة. ولدى فرنسا نحو 350 جندياً في الجابون. وتم طرد قواتها من مالي وبوركينا فاسو بعد انقلابات هناك في العامين الماضيين.
وأعلنت شركة التعدين الفرنسية "إراميت"، التي تدير عمليات ضخمة لإنتاج المنجنيز في الجابون، الأربعاء إنها علقت كافة عملياتها في البلاد.
وتنتج الجابون نحو 200 ألف برميل نفط يومياً أغلبها من حقول متقادمة، وتعمل فيها شركات دولية من بينها "توتال إنرجيز" الفرنسية و"بيرينكو" البريطانية الفرنسية.
وأثار غياب المراقبين الدوليين وتعليق بث بعض وسائل الإعلام الأجنبية وقرار السلطات قطع خدمة الإنترنت وفرض حظر ليلي للتجوال في جميع أنحاء البلاد بعد الانتخابات مخاوف بشأن شفافية العملية الانتخابية. ورفض فريق بونجو اتهامات تزوير الانتخابات.
وعاد الإنترنت فيما يبدو للعمل الأربعاء للمرة الأولى منذ التصويت. وأكد المجلس العسكري استعادة الوصول إلى شبكة الإنترنت والبث الدولي بالكامل، لكنه قال إنه سيُبقي حظر التجول سارياً حتى إشعار آخر.
في وقت سابق الأربعاء، قالت لجنة الانتخابات إن بونجو فاز بفترة ثالثة بعد حصوله على 64.27% من الأصوات بينما حصل منافسه الرئيسي ألبرت أوندو أوسا على 30.77%.
وانخفضت سندات الجابون المقومة بالدولار نحو 14 سنتاً، الأربعاء، قبل أن تتعافى للتداول بانخفاض 9.5 سنت للدولار.