أعلنت بريطانيا، الخميس، عودتها إلى برنامج "هورايزون يوروب" أو "أفق أوروبا" العلمي الرائد التابع للاتحاد الأوروبي، عبر اتفاق جديد تم إعداده خصيصاً لها، في خطوة تشير إلى تسوية النزاع الذي أدى إلى استبعادها من البرنامج بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
وقالت الحكومة البريطانية، في بيان على موقعها الإلكتروني: "الآن سيتمكن علماء المملكة المتحدة من الوصول إلى أكبر برنامج للتعاون البحثي في العالم، بعد نجاح رئيس الوزراء ريشي سوناك في تأمين صفقة مُخصصة بشروط مالية مُحسَنة لمشاركة المملكة المتحدة في البرنامج".
وأضافت: "اعتباراً من الخميس 7 سبتمبر، يمكن للباحثين في المملكة المتحدة تقديم طلب للحصول على المنح للمشاركة في مشروعات بحثية ضمن برنامج (هورايزون)، إذ ستشارك المملكة المتحدة كعضو منتسب بشكل كامل طوال الفترة المتبقية من البرنامج حتى عام 2027".
وأشار البيان، إلى أنه بمجرد اعتماد هذه الاتفاقية، ستتمكن بريطانيا أيضاً من الانضمام إلى حوكمة برامج الاتحاد الأوروبي، التي اُستبعدت منها على مدى السنوات الثلاث الماضية، ما يضمن قدرتها على تشكيل التعاون في العام المقبل.
كما سيمنح البرنامج الشركات والمؤسسات البحثية في البلاد فرصاً لا مثيل لها لقيادة العمل العالمي لتطوير تقنيات ومشاريع بحثية جديدة، في مجالات مختلفة من الصحة إلى الذكاء الاصطناعي، وهو ما سيؤدي إلى فتح مجالات جديدة للتعاون مع الاتحاد الأوروبي والنرويج ونيوزيلندا وإسرائيل التي تشكل جزءً من البرنامج، وكذلك دول مثل كوريا الجنوبية وكندا التي تتطلع إلى الانضمام إليه أيضاً.
"شروط مُحسَنة"
وفي إطار الصفقة الجديدة التي تم التفاوض عليها على مدى الأشهر الستة الماضية، حصل رئيس الوزراء البريطاني على شروط شراكة مالية مُحسَنة تناسب بريطانيا للانتساب إلى "هورايزون"، مما يزيد من المكاسب التي تعود على علماء البلاد، والقيمة التي ستحصل عليها بريطانيا مقابل المال بالنسبة إلى دافعي الضرائب.
وتهدف هذه الصفقة إلى خلق الآلاف من فرص العمل الجديدة كجزء من الجيل القادم من المواهب البحثية، وهو ما سيساعد في تحقيق طموح رئيس الوزراء البريطاني لتنمية الاقتصاد وتعزيز صورة المملكة المتحدة باعتبارها "قوة عظمى" في مجال العلوم والتكنولوجيا بحلول عام 2030، بحسب البيان.
ويقول سوناك: "لطالما كان الابتكار هو أساس الازدهار في المملكة المتحدة، بدءاً من الإنجازات التي أدت إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية وحتى التقدم التكنولوجي الذي أدى إلى نمو اقتصادنا، وبفضل الخبرات والتجارب التي نقدمها إلى المسرح العالمي توصلنا إلى اتفاق يمكّن علماء المملكة المتحدة من المشاركة بثقة في أكبر برنامج للتعاون البحثي في العالم".
من جانبها، قالت وزيرة الدولة للعلوم والابتكار والتكنولوجيا ميشيل دونيلان: "اليوم هو يوم رائع للعلوم في المملكة المتحدة ولاقتصادنا بأكمله، لقد استمعنا إلى مطالب هذا القطاع، ومن خلال العمل الجاد والمفاوضات حصلنا على صفقة ممتازة للباحثين ودافعي الضرائب والشركات، فبرنامج هورايزون لا مثيل له في نطاقه، كما أنه يفتح عالماً من الفرص للتعاون في مجال العلوم الذي يوفر فوائد حقيقية للمملكة المتحدة، بما في ذلك خلق فرص العمل وتعزيز اقتصادنا وفتح التعاون للقطاع العلمي مع شركائنا، سواء كان ذلك بشأن معالجة تغير المناخ أو تعزيز أبحاث السرطان"، وفق البيان.
وتفاوضت بريطانيا بموجب اتفاقية تجارية تم توقيعها في نهاية عام 2020 للوصول إلى مجموعة من برامج العلوم والابتكار، بما في ذلك برنامج "هورايزون" الذي يقدم منحاً ومشروعات بحثية تبلغ قيمتها 95.5 مليار يورو (97 مليار دولار)، ولكن تم إقصاؤها من البرنامج نتيجة لنزاع حول كيفية تنفيذ اتفاق خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
اتفاق "رأب الصدع"
"بلومبرغ" اعتبرت أن توقيع هذا الاتفاق سيؤدي إلى "رأب الصدع"، بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد خروجها من التكتل، كما يؤكد على التقارب المتزايد بينهما، منذ تولي سوناك السلطة في بريطانيا العام الماضي، فضلاً عن إنهائه التجميد الأوروبي لوصول العلماء البريطانيين إلى برنامج "هورايزون"، ما يفتح المزيد من الفرص للتعاون مع الجامعات الأوروبية.
وكانت بريطانيا، قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي، واحدة من أكبر المستفيدين من تمويل هذا البرنامج، وبدون حصولها على هذا التمويل حذرت بعض أكبر جامعات البلاد، بما في ذلك جامعة كامبريدج، من أنها باتت تتعرض لخطر خسارة التمويل، والتعاون الحيوي مع العلماء الأوروبيين.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أشارت إلى أن عودة بريطانيا إلى برنامج تمويل الأبحاث التابع للاتحاد الأوروبي، هو "الخطوة الأكبر" حتى الآن من جانب البلاد لتوثيق العلاقات مع الاتحاد منذ خروجها منه.
وأضافت الصحيفة أن المفاوضات بين الجانبين كانت بشأن المبلغ الذي ستدفعه بريطانيا للمشاركة في البرنامج الذي يموّل مشاريع البحث والابتكار في الاتحاد الأوروبي وخارجه، مشيرة إلى أن الجامعات البريطانية والأوروبية مارست ضغوطاً قوية من أجل عودة المملكة المتحدة إلى البرنامج.
وتابعت: "هذه الخطوة هي العلامة الأحدث على أن بريطانيا وأوروبا يعملان على إصلاح العلاقات بعد سنوات من الخلاف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو التقارب الذي بدأ بالتعاون الوثيق بشأن الحرب الأوكرانية، إذ تأمل بريطانيا أيضاً في تعزيز اقتصادها الراكد من خلال تقليل الخلافات التجارية مع الكتلة التي غادرتها رسمياً في 2020".
ولفتت "وول ستريت جورنال"، إلى أن العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي تحسنت بشكل كبير في عهد حكومة سوناك، التي توصلت في فبراير الماضي إلى اتفاق مع الاتحاد لإنهاء الخلاف التجاري بشأن إيرلندا الشمالية.
وقبل أن تغادر بريطانيا الكتلة في عام 2020، كانت الجامعات ومراكز الأبحاث البريطانية من بين المشاركين الأكثر نشاطاً في "هورايزون"، إذ تلقت مساهمة من الاتحاد الأوروبي تقارب مليار يورو لمشاريع البرنامج في عام 2019، وفقاً لأرقام الاتحاد الأوروبي.
ومنذ مغادرة الاتحاد الأوروبي، أصدرت حكومة بريطانيا أكثر من 2000 عرض لمنح بقيمة 1.05 مليار جنيه إسترليني (نحو 1.3 مليار دولار) للباحثين من أجل الحفاظ على تمويلهم أثناء استمرار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، وكان من المقرر أن ينتهي التمويل هذا الشهر.
ويقول محللون إن عودة بريطانيا إلى "هورايزون" تمثل انتصاراً سياسياً لسوناك، الذي تمكن من إقامة علاقات أوثق مع أوروبا دون إثارة أي معارضة حقيقية داخل حزب المحافظين الذي يتزعمه.
اقرأ أيضاً: