تحتل حرب أوكرانيا مركز الاهتمام في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، لكن الدول النامية ستنافس أيضاً على دائرة الأضواء للضغط من أجل اتخاذ إجراءات أسرع بشأن الفقر وعدم المساواة خلال الاجتماع الأكبر لقادة العالم منذ أن أدى وباء "كوفيد-19" إلى تعطيل السفر قبل 3 سنوات.
ووفقاً للعديد من المحللين والدبلوماسيين، ينعقد الاجتماع السنوي للجمعية العامة في منعطف تاريخي هو الأكثر خطورة وتوتراً منذ الحرب الباردة، بحسب ما ذكرته، الأحد، وكالة "أسوشيتد برس".
ويشير الدبلوماسيون والمحللون إلى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، الذي قلب العلاقات الصعبة بالفعل بين القوى الكبرى رأساً على عقب، فضلاً عن التأثير المستمر للوباء، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتفاقم حالة الطوارئ المناخية، وتصاعد الصراعات، والإخفاق العالمي في معالجة الفقر والجوع وعدم المساواة بين الجنسين.
وقالت الوكالة إنه عندما يبدأ الاجتماع السنوي الرفيع المستوى للجمعية العامة التي تضم 193 عضواً، الثلاثاء، فإنه من المقرر أن يتحدث ملوك ورؤساء دول ورؤساء حكومات من 145 دولة، وهو رقم مرتفع للغاية يعكس تعدد الأزمات العالمية وضعف التحرك بشأنها.
"غياب الكبار"
ولأول مرة منذ سنوات، سيكون الرئيس الأميركي جو بايدن الزعيم الوحيد من الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، الذي سيحضر الاجتماعات شخصياً.
وبحسب "أسوشيتد برس"، أثار هذا الغياب تذمُّر دبلوماسيي البلدان النامية لأنَّه يعني أنَّ اللاعبين العالميين الرئيسين لن يستمعوا إلى مطالبهم، التي يتطلب تنفيذها مليارات الدولارات.
ويغيب عن الاجتماعات كل من الرئيس الصيني شي جين بينج، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، فيما فضَّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقبال ملك بريطانيا الملك تشارلز الثالث في باريس الأسبوع المقبل.
أمَّا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك فسيغيب أيضاً عن الحدث بسبب جدول أعمال مزدحم، ليكون بذلك أول رئيس وزراء بريطاني يغيب عن الاجتماعات منذ عقد.
توترات القوى الكبرى
وتعليقاً على غياب هؤلاء القادة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، إن "ما يهم هو ما إذا كانت حكوماتهم مستعدة لتقديم التزامات بشأن أهداف الأمم المتحدة والعديد من القضايا الأخرى خلال الاجتماعات".
وقال مدير مجموعة الأزمات الدولية في الأمم المتحدة ريتشارد جوان: "بعد الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين في نيودلهي، ربما يرى بعض القادة الأوروبيين في الوقت الحالي، أنه ليس هناك الكثير من المكاسب السياسية في الذهاب إلى القمم الكبرى، وأنهم بحاجة أكثر للبقاء في بلدانهم".
ووصف جوان الوضع في الأمم المتحدة بأنه "قاتم"، مضيفاً: "يبدو أننا أقرب بكثير إلى حافة الهاوية في دبلوماسية الأمم المتحدة"، مما كان عليه الوضع قبل عام، معتبراً أنَّ "التوتر بين القوى الكبرى له تأثير أكثر خطورة على المنظمة".
الحرب في أوكرانيا
وقالت "أسوشيتد برس"، إنه في ظل غياب الزعماء الأربعة من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، فمن المؤكد أنَّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، سيجذب المزيد من الاهتمام، لا سيما مع دخول الحرب في بلاده شهرها التاسع عشر وانعدام نهاية في الأفق.
وبحسب الوكالة سيلقي زيلينسكي كلمة أمام الجمعية العامة، الثلاثاء، ثم سيحضر اجتماع مجلس الأمن الأربعاء بشأن أوكرانيا، حيث سيتم التركيز على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التي تتطلب من كل دولة احترام سيادة الدول الأخرى ووحدة أراضيها.
ومن الممكن أن يخلق هذا الاجتماع مشهداً فريداً من نوعه حيث سيجمع زيلينسكي ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مكان واحد، وفقاً للوكالة.
كما ستتم أيضاً مراقبة بايدن، الذي يتحدث الثلاثاء، عن كثب لمعرفة وجهات نظر الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا والصين وروسيا.
عالم متعدد الأقطاب
وقال جوتيريش، الذي سيلقي خطاباً عن حالة العالم، الثلاثاء، خلال افتتاح ما يسمى بالمناقشة العامة، إنه سيخبر قادة العالم أنَّ الوقت الآن ليس وقت "اللامبالاة أو التردد".
وأضاف: "هذا هو الوقت المناسب للالتقاء من أجل إيجاد حلول حقيقية وعملية. حان وقت التسوية من أجل غد أفضل".
وقال جوتيريش، الذي يرى أنَّ حرب أوكرانيا أدت إلى تفاقم الانقسامات، إن التحول الحالي إلى "عالم متعدد الأقطاب" مجزَّأ لن يحل مشاكل الكوكب التي لا تعد ولا تحصى.
لكنه اعتبر في الوقت نفسه، أنَّ المؤسسات المتعددة الأطراف التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية -الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي- عفا عليها الزمن وتحتاج إلى الإصلاح "لجعلها أكثر عدالة وإنصافاً، وأكثر تمثيلاً للعالم اليوم".
وأشار جوتيريش إلى أنَّ بحثاً لصندوق النقد الدولي، نشر مؤخراً، كشف أنه إذا انقسم العالم إلى أنظمة اقتصادية ومالية وتجارية مختلفة، فإنَّ ذلك سيؤدي إلى خسارة نحو 7 تريليونات دولار سنوياً، لافتاً إلى أن هذا يجعل من الأهمية بمكان وجود اقتصاد عالمي واحد والتوافق على كيفية إدارة "التكنولوجيات المقلقة مثل الذكاء الاصطناعي".