
يروي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في المجلّد الأول من مذكراته التي تحمل عنوان: "أرض الميعاد" ونُشرت الثلاثاء، تجربته وخيباته في أول سنتين ونصف السنة من عهده، محاولاً تبرير بعض سياساته في الشرق الأوسط، لا سيّما خلال ما عُرف بـ"الربيع العربي".
وتحدث أوباما عن "تعاطف علني" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع جماعة "الإخوان المسلمين"، معتبراً أن التزامه بالديمقراطية وحكم القانون مرتبط بـ"حفاظه على سلطته".
غزو العراق في صالح طهران
وأقرّ بأن الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 "عزز بشكل كبير الموقع الاستراتيجي" لطهران في المنطقة، مشيراً إلى أن نائبه آنذاك، جو بايدن، وهو الآن الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، رفض التدخل عسكرياً في ليبيا عام 2011، كما عارض عملية قتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن.
وأفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأن كتاب أوباما باع نحو 890 ألف نسخة في الولايات المتحدة وكندا، في الساعات الـ 24 الأولى بعد نشره، معتبرة أن ذلك "يضعه على المسار الصحيح ليصبح المذكرات الرئاسية الأكثر مبيعاً في التاريخ الحديث".
الأزمة السورية
وفي نسخة من الكتاب، اطلع عليها موقع "الشرق"، تطرّق أوباما إلى بدء الاحتجاجات في سوريا، في عام 2011، وكتب: "كانت خياراتنا محدودة جداً... كانت سوريا خصماً قديماً للولايات المتحدة، ومتحالفة تاريخياً مع روسيا وإيران، وداعمة لحزب الله (اللبناني). من دون النفوذ الاقتصادي أو العسكري أو الدبلوماسي الذي حظينا به في مصر، لم يكن هناك تأثير جدي لإداناتنا الرسمية لنظام بشار الأسد، وفرضنا لاحقاً لعقوبات أميركية، وأمكن لبشار الأسد الاعتماد على روسيا لاستخدام حق النقض (لإحباط) أي جهود قد نبذلها لفرض عقوبات دولية، من خلال مجلس الأمن".
"الاخوان المسلمون"
وأضاف أوباما بشأن مصر: "باستثناء الجيش، الذي كان راسخاً بعمق في كل المجتمع المصري، وتفيد معلومات بامتلاكه حصة ضخمة في قطاعات كبرى من الاقتصاد، كانت جماعة الإخوان المسلمين (المجموعة) الأكثر قوة وتماسكاً في البلاد، وهي منظمة إسلامية ذات قاعدة سنّية، هدفها الأساسي أن تحكم الشريعة مصر والعالم العربي كله".
وتابع: "تعتبر حكومات كثيرة في المنطقة أن جماعة الإخوان تشكّل تهديداً تخريبياً وخطراً، كما أن الفلسفة الأصولية للمنظمة جعلتها غير موثوقة، بوصفها وصية على التعددية الديمقراطية، وقد تكون إشكالية بالنسبة إلى العلاقات الأميركية – المصرية".
تنحّي مبارك
وأفادت وكالة "فرانس برس" بأن أوباما شرح ظروفاً واكبت إقناعه الرئيس المصري الراحل حسني مبارك بالتنحّي، بعد الاحتجاجات التي شهدتها مصر في عام 2011، مدركاً أخطار ذلك. وأضاف أنه لو كان شاباً مصرياً "لربما كنتُ هناك" بين المتظاهرين. واستدرك: "بالطبع لم أكن مصرياً في العشرينات من عمري. كنت رئيس الولايات المتحدة".
وزاد: "قد لا أتمكّن من منع الصين أو روسيا من سحق معارضيهما. لكن نظام مبارك تلقى مليارات الدولارات من دافعي الضرائب الأميركيين؛ لقد زوّدناهم بأسلحة وتبادلنا معهم معلومات وساعدنا في تدريب ضباطهم العسكريين؛ وبالنسبة إليّ فإن السماح لمتلقي تلك المساعدات، لشخص نسمّيه حليفاً، بارتكاب أعمال عنف وحشية ضد المتظاهرين السلميين، أمام أنظار العالم كله، خطاً لم أرغب في تجاوزه"، وفقاً لما نقلته "فرانس برس" من الكتاب.
واعتبر أوباما أن "الأسلوب الاستبدادي في حكم عبد الناصر (الرئيس المصري الراحل جمال) كان المهيمن، بحيث أنه حتى بعد وفاته في عام 1970، سعى قادة في الشرق الأوسط إلى تكراره". ورأى أن "حافظ الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا افتقروا إلى تمرّس عبد الناصر وقدرته على التواصل مع الحشود"، مستدركاً أنهم "حافظوا على سلطتهم إلى حد كبير، من خلال الفساد والمحسوبية، وقمع وحشي، وحملة مستمرة ضد إسرائيل، وإن لم تكن فعالة".
بنيامين نتانياهو
ووصف أوباما، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "ذكي، وحكيم، وقاس، وموهوب في التواصل، باللغتين العبرية والإنكليزية"، مضيفاً أنه "يمكن أن يكون ساحراً، وحريصاً، عندما يخدم ذلك أهدافه".
واستدرك: "لكن رؤيته لنفسه على أنه المدافع الأول عن الشعب اليهودي في مواجهة المحن، مكّنته من تبرير أي شيء تقريباً من شأنه أن يبقيه في السلطة، كما أن معرفته بعالم السياسة والإعلام في الولايات المتحدة جعلته يثق بأنه يستطيع مقاومة أي ضغط يمكن أن تمارسه عليه إدارة ديمقراطية مثل إدارتي".
محمود عباس
وتحدث أوباما عن "مساعدة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الزعيم الراحل ياسر عرفات في تأسيس حركة فتح". وأضاف أنه "كان الخيار المفضّل للولايات المتحدة وإسرائيل، لقيادة الفلسطينيين بعد وفاة عرفات، ويعود ذلك، في جزء كبير منه، إلى موقفه غير الملتبس، في الاعتراف بإسرائيل ونبذه الشديد للعنف".
واستدرك أن "حذره (عباس) الفطري واستعداده للتعاون مع جهاز الأمن الإسرائيلي (ناهيك عن تقارير بفساد داخل إدارته)، مسّت بسمعته لدى شعبه". وتابع: "بعدما فقد السيطرة على غزة لمصلحة حماس، في الانتخابات التشريعية عام 2006، رأى في محادثات السلام مع إسرائيل مخاطرة لا تستحق المجازفة - على الأقلّ ليس من دون تنازلات ملموسة، من شأنها أن تؤمّن له غطاءً سياسياً".
ليبيا
وبعد بدء الاحتجاجات في ليبيا، كتب أوباما أن وزير الدفاع روبرت غيتس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مايك مولن "عارضا بشدة أي عمل عسكري أميركي"، وذكّرا بـ"ضغط على قواتنا"، نتيجة انتشارها في العراق وأفغانستان، كما اعتبرا أن الجيش الأميركي "سيتحمّل معظم العبء لأي عملية في ليبيا". وأضاف في إشارة إلى بايدن: "رأى جو حماقة في التورّط بحرب أخرى في الخارج".
وأوردت صحيفة "ذي إندبندنت" أن أوباما أكد في كتابه معلومات سابقة، تفيد بأن بايدن عارض عملية قتل أسامة بن لادن في عام 2011، معتبراً أنها محفوفة بالأخطار.
أردوغان
وتطرّق الرئيس الأميركي السابق إلى تسلّم أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" الحكم في تركيا، في عام 2003، بقوله: "عندما روّجا لنداءات شعبوية وغالباً إسلامية علناً، أزعج ذلك النخبة السياسية العلمانية، التي يهيمن عليها الجيش". وأضاف: "التعاطف العلني لأردوغان مع الإخوان المسلمين و(حركة) حماس، في سعيهما إلى دولة فلسطينية مستقلة، خصوصاً، أثار أيضاً توتراً لدى واشنطن وتل أبيب".
وأشار إلى أن "حكومة أردوغان التزمت بدستور تركيا، وأوفت بالتزاماتها لحلف شمال الأطلسي، وأدارت الاقتصاد بشكل فعال"، لافتاً إلى أن "مراقبين أشاروا إلى أن أردوغان قد يقدّم نموذجاً للإسلام السياسي المعتدل والحديث والتعددي".
وتحدث أوباما عن "مصلحة ذاتية متبادلة، تملي عليّ وعلى أردوغان تطوير علاقة عمل". وأضاف: "وجدت رئيس الوزراء (آنذاك) ودياً ومتجاوباً بشكل عام مع طلباتي. ولكن كلّما كنت استمع إليه وهو يتكلّم... كان لديّ انطباع قوي بأن التزامه بالديمقراطية وحكم القانون، قد يستمرّ فقط طالما أنه يحافظ على سلطته".
احتجاجات إيران
ووصف أوباما التظاهرات التي شهدتها إيران، بعد إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في عام 2009، بأنها "أحد أهم التحديات الداخلية للدولة الإسلامية، منذ ثورة 1979"، مندداً بـ"حملة بلا رحمة وسريعة" لقمع المحتجين. ووصف الاتهام الذي وجّهه المرشح المعارض آنذاك مير حسين موسوي، للسلطات بتزوير الاقتراع لمصلحة أحمدي نجاد، بأنه "ذو صدقية".
وكتب: "اندفاعي الأول تمثل في التعبير عن دعم قوي للمتظاهرين. ولكن عندما جمعت فريقي للأمن القومي، نصح خبراؤنا بشأن إيران بالامتناع عن اتخاذ مثل هذه الخطوة". واعتبر هؤلاء أن "أي تصريح" أدلي به "قد يأتي بنتائج عكسية".
وزاد الرئيس السابق: "كان متشددو النظام يروّجون لوهم يقول بأن عملاء أجانب كانوا وراء التظاهرات، كما خشي ناشطون داخل إيران من اغتنام أي تصريحات داعمة من الحكومة الأميركية، لتقويض حركتهم". وأقرّ بأن موقفه كان "سلبياً"، مؤكداً أنه لم يثر "ارتياحاً لديه"، وشكا "تقييد" قلبه بـ"اعتبارات استراتيجية وتحليلات تكتيكية".
إيران وغزو العراق
وأشار أوباما الى "تجاهل" إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن عرضاً من الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، لمساعدة واشنطن في "ردّها" بأفغانستان.
وأقرّ بأن الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 "عزز بشكل كبير الموقع الاستراتيجي لإيران في المنطقة، من خلال إبدال عدوها اللدود، صدام حسين، بحكومة يقودها الشيعة تخضع للنفوذ الإيراني".
وأضاف: "ظهر حزب الله، وكيل إيران، بوصفه أقوى فصيل في لبنان، (ممتلكاً) صواريخ زوّدته بها إيران، يمكن أن تصل الآن إلى تل أبيب".
البرنامج النووي الإيراني
ولفت أوباما إلى أن البرنامج النووي "المتسارع" لطهران "هدّد بتحويل وضع سيء إلى أزمة شاملة"، مضيفاً: "لن تحتاج الترسانة النووية الإيرانية إلى تهديد الأراضي الأميركية. إن مجرد احتمال توجيه ضربة نووية، أو (تنفيذ) إرهاب نووي في الشرق الأوسط، من شأنه أن يحدّ بشدة من خيارات رئيس أميركي مستقبلي، لكبح عدوان من إيران على جيرانها".
وأشار إلى أنه وجّه، بعد أسابيع على تنصيبه رئيساً، في عام 2009، "رسالة سرية" إلى خامنئي، عبر "قناة كانت لدينا مع دبلوماسيين إيرانيين في الأمم المتحدة، نقترح فتح حوار بين بلدينا حول ملفات، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني".
وأضاف أن "ردّ خامنئي كان فظاً: لا مصلحة لإيران في محادثات مباشرة. ومع ذلك، فقد انتهز الفرصة لاقتراح وسائل يمكن للولايات المتحدة (من خلالها) أن تتوقف عن كونها إمبريالية متنمّرة".
وتابع: "الحقيقة أن أحداً منا في البيت الأبيض لم يتوقّع رداً إيجابياً. وجّهتُ الرسالة على أيّ حال، إذ أردتُ إثبات أن العائق أمام الدبلوماسية لم يكن عناد أميركا - بل عناد إيران".