
فتحت وفاة رئيس حزب الأمة السوداني، الصادق المهدي، الأربعاء، الباب أمام جملة من التساؤلات حول مستقبل حزب الأمة، وذراعه الدينية المعروفة باسم "كيان أنصار الإمام المهدي"، على رغم تسلم اللواء فضل الله برمة ناصر مهام الرئاسة حتى قيام المؤتمر العام للحزب.
وتميز المهدي (85 عاماً) بشخصية توافقية شكلت جزءاً كبيراً من تاريخ السودان الحديث منذ ستينيات القرن الماضي، ويمثل رحيله، يوم الـ26 من نوفمبر، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، منعطفاً مهماً على الصعيدين الحزبي والوطني.
وبعد احتجاجات ديسمبر 2018 التي أطاحت بحكم الرئيس السابق عمر البشير، اعتبر إمام طائفة الأنصار، من الشخصيات السودانية التي يُعوّل عليها لإدارة التوافقات في السودان، ولا سيما بعد ظهور مؤشرات صراع حاد على السلطة داخل مكونات "حركة الحرية والتغيير"، التحالف الذي قاد الشارع خلال الاحتجاجات.
لا رؤساء من خارج العائلة
أما على الصعيد الحزبي، فلم يترأس حزب الأمة منذ تأسيسه في فبراير 1945، أي فرد خارج عائلة المهدي، بداية بوالده الصديق المهدي، ثم خلفه الصادق المهدي عام 1964، وينوب عنه 5 أشخاص هم مريم الصادق المهدي، وإبراهيم الأمين، ومحمد عبد الله الدومة، وصديق إسماعيل، وأخيراً فضل الله برمة الذي جرى تكليفه رئاسة الحزب إلى حين انعقاد المؤتمر العام للأمة، وانتخاب رئيس جديد عبر مؤسسات الحزب المختلفة.
وفي حديث لـ"الشرق" قال الصحافي المقرب من حزب الأمة، محمد علي فزاري، إن الصادق المهدي حسم الملف قبل رحيله، إذ أكد أكثر من مرة أن هناك 10 أشخاص يتمتعون بالكفاءة المطلوبة لقيادة الحزب، من ضمنهم اثنان من أبنائه. وأضاف: "لا أتوقع أن يكون هناك خلاف على قيادة الحزب في الفترة المقبلة".
وأشار فرزاي إلى أن أبرز المرشحين حالياً هو اللواء فضل الله برمة ناصر، موضحاً أن الأخير سيقود المرحلة الأصعب في تاريخ الحزب، وذلك بعد رحيل الصادق المهدي الشخصية الأكثر حنكة وقوة سياسية فيه، كما أكد الصحافي السوداني، أن النواب الخمسة سيظلون في مواقعهم أثناء فترة تكليف فضل الله برمة لرئاسة الحزب.
تحفظات على الابن الأكبر
وبسؤاله عن السيناريوهات في حال عدم التوافق على إحدى الشخصيات لخلافة المهدي، قال فزاري، إن "الصادق المهدي أوصى قبل رحيله، بتشكيل مجلس رئاسي للحزب، تحسباً لأي فراغ قد يخلفه عدم التوافق على اسم بعينه للرئاسة، بحيث يشارك فيه 10 أعضاء لقيادة الحزب".
بالنسبة للابن الأكبر للمهدي عبد الرحمن، يتحفظ بعض أعضاء الحزب على تسميته للرئاسة، بسبب تبوئه منصب مساعد رئيس الجمهورية في عهد عمر البشير، في حين تشير تقارير إعلامية إلى حظوظ أكبر لابنه الآخر الصديق الذي برز مؤخراً على المشهد السياسي، بصفته مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب.
أما بخصوص خلافة إمامة كيان الأنصار الديني، فقد يختلف الوضع بعض الشيء. فرغم عدم وجود نائب أو مساعد للإمام الراحل، لكن هناك ما يسمى "مجلس الحل والعقد"، الذي يتألف من 50 عضواً يشكّلون قيادات الطائفة الدينية، ويُعتبر المجلس المؤسسة المعتمدة لاتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الأنصار، كما أن هناك مكتباً تنفيذياً باسم هيئة شؤون الأنصار.
وبعد ساعات قليلة من مراسم دفن المهدي، أكد الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار عبد المحمود أبو، والذي خلف الصادق المهدي في إمامة الأنصار لحين قيام المؤتمر، خلال خطبة الجمعة بمسجد الخليفة في أم درمان، أن الصادق المهدي عمل على بناء مؤسسات سواء كانت دينية أو دعوية أو سياسية.
وقال: "حين سئل الإمام الصادق عن خليفته، قال: تخلفني المؤسسات"، واعتبر عبد المحمود، أن الراية "لن تسقط، وخاصة أن المهدي كان مدرسة متفردة لن تندثر"، مضيفاً "ترك الراحل ذرية صالحة تحظى باحترام كبير، وستحافظ على هذه المدرسة".
حظوظ متواضعة لمريم المهدي
ورغم بروز اسم ابنته مريم خلال السنوات الأخيرة، خلال مفاوضات المجلس العسكري و"حركة الحرية والتغيير" إبان الإطاحة بالبشير عام 2018، فضلاً عن أنها تشغل منصب نائبة رئيس الحزب، غير أنها تُواجه صعوبات تتمثل في عقلية محافظة داخل الحزب، إذ قد لا يتقبل بعض منسوبيه وجود سيدة في رئاسته.
وقال المحلل السياسي، محمد سعيد حلفاوي لـ"الشرق"، إنه من الصعب جداً الفصل بين طائفة الأنصار وحزب الأمة، لأن الحزب يستمد قوته من خلال كيان الأنصار، الأمر الذي يُضيق من فُرص مريم في خلافة حزب الأمة، إذ بطبيعة الحال "لن تُمنح إمامة طائفة الأنصار لامرأة".
ويرى حلفاوي، أن معظم الأحزاب السياسية في السودان لا تُبنى على المؤسساتية وإنما على الأشخاص، مضيفاً: "أخشى أن يكون مصير حزب الأمة مشابهاً لحزب المؤتمر الشعبي الذي فقد الكثير بعد رحيل رئيسه حسن الترابي، رغم أن حظوظ الأمة قد تكون أفضل بحكم امتلاكه قاعدة جماهيرية أوسع من المؤتمر الشعبي المنشق من حزب المؤتمر الوطني، والذي كان يحكم البلاد".
طعن في ديمقراطية "الأنصار"
"رحيل الصادق المهدي هو رحيل جيل عاصر فترة زمنية امتدت 40 عاماً". هكذا بدأ الأكاديمي والمحل السياسي، الرشيد محمد إبراهيم حديثه لـ"الشرق". وتابع: "المهدي من آخر المعاصرين لثورة أكتوبر عام 1964، ومن القادة الذين أحدثوا تغييرات كبيرة، وعاصروا أكثر من نظام، وجمع بين العمل المدني والعسكري في الداخل والخارج، لذلك يصعب الحديث عن تصور لحزب الأمة بعد المهدي".
ولفت إبراهيم إلى أن هناك حديثاً يُتداول عن وجود وصية للصادق المهدي حول اختيار نجله عبد الرحمن لرئاسة الحزب وطائفة الأنصار، لكنه أوضح أن مثل هكذا خطوة قد تُثير حفيظة جماعات ذات نزعة استقلالية داخل الحزب.
وأضاف الرشيد إبراهيم لـ"الشرق"، أن هناك من يطعن في ديمقراطية مجلس شورى الأنصار وحزب الأمة، ويستنكر أن تُفضي دائماً إلى شخص من داخل بيت المهدي. وقال: "يعتبر البعض هذا النموذج ديمقراطية منقوصة، حتى إن كانت تأتي عبر مؤتمر عام ومؤسسات الحزب".