انطلقت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، السبت، جولة جديدة من المفاوضات حول سد النهضة بحضور وزراء الري والموارد المائية في مصر، والسودان، وإثيوبيا ووفود التفاوض من الدول الثلاث، وذلك بعد أقل من أسبوعين على انتهاء الملء الرابع لخزان السد الإثيوبي، وسط دعوات لوساطة دولية، وتوقعات بعمليات ملء جديدة، في ظل استمرار الخلافات.
وذكرت وزارة الموارد المائية والري المصرية في بيان، أن الاجتماع يأتي ذلك في إطار استكمال الجولات التفاوضية التي بدأت في القاهرة يومي 27 و28 أغسطس "بناء على توافق الدول على الإسراع بالانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة في ظرف أربعة أشهر، في أعقاب لقاء قيادتي مصر وإثيوبيا في 13 يوليو الماضي".
ونقل البيان عن وزير الري المصري هاني سويلم قوله إن "مصر تستمر في التعامل مع المفاوضات كعهدها دائماً بالجدية وحسن النوايا اللازمين بغرض التوصل لاتفاق عادل ومتوازن، يراعي مصالحها الوطنية ويحمي أمنها المائي واستخداماتها الحالية ويحفظ حقوق الشعب المصري، وفي الوقت ذاته يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، بما يضمن تحقيق التنمية والرخاء لشعوب مصر وإثيوبيا والسودان".
مواقف متباينة وخلاف مستمر
وأشار سويلم أن استمرار إثيوبيا في عملية ملء سد النهضة "في غياب الاتفاق اللازم" يعد "انتهاكاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015"، وأضاف أن "استمرار مثل هذه التصرفات الأحادية المخالفة للقانون الدولي يلقي بظلال غير إيجابية على العملية التفاوضية الراهنة ويهدد بتقويضها".
وأكد الوزير المصري، أهمية حشد الجهود للتوصل للاتفاق المطلوب في المدة الزمنية المقررة "لا سيما مع الأخذ في الاعتبار وجود العديد من الحلول الفنية والقانونية التي تتيح إبرام اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث".
وفي كلمته الافتتاحية، قال السفير سيليشي بيكيلي، رئيس فريق التفاوض الإثيوبي، إن هذه الجولة من المحادثات تجري "بعد الانتهاء من الجولة الرابعة من الملء، والتي تتفق مع إعلان المبادئ لعام 2015"، وفق تعبيره.
وأعرب بيكلي عن أمله في أن تتوصل الدول الثلاث إلى تفاهم بشأن القضايا العالقة في هذه الجولة من المحادثات، مؤكداً أن "موقف إثيوبيا بأن الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل، على النحو المنصوص عليه في إعلان المبادئ لعام 2015، هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق لضمان الاستخدام العادل للنهر"، مشدداً على التزام أديس أبابا بالتوصل إلى حل تفاوضي وودي من خلال عملية المفاوضات الثلاثية الجارية.
كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي، قد أعلن، في 10 سبتمبر الجاري، انتهاء المرحلة الرابعة لملء خزان سد النهضة، مشيراً إلى أن المشروع شهد "العديد من التحديات. كان هناك الكثير من محاولات سحبنا للعودة إلى الخلف. لكننا واجهنا التحدي الداخلي والضغوط الخارجية. لقد تحملنا كل ما حدث ووصلنا إلى هذا. وأعتقد أننا سنكمل ما خططنا له في الفترة المقبلة".
إعلان المبادئ
في المقابل، اعتبرت الخارجية المصرية، الإعلان الإثيوبي، بمثابة "استمرار في انتهاك إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان في عام 2015"، والذي ينص على "ضرورة اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي، قبل الشروع في عملية الملء".
وأكدت الخارجية المصرية، أن "اتخاذ إثيوبيا لمثل هذه الإجراءات الأحادية، يعد تجاهلاً لمصالح وحقوق دولتي المصب، وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي".
وكانت وزارة الري المصرية، أعلنت في 29 أغسطس الماضي، انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة، والتي عقدت في الفترة بين 27 و28 أغسطس، وبمشاركة وفود من الدول الثلاث، مشيرة إلى أنَّ الاجتماع لم يسفر عن "تغيرات ملموسة" في موقف أديس أبابا، فيما أعلنت إثيوبيا استضافة جولة ثانية في سبتمبر.
وذكر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري في مصر، في بيان، أنَّ جولة التفاوض المنتهية بالقاهرة "لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي".
وبحسب مصدر مصري مطلع على المفاوضات تحدث لـ"الشرق"، فإن القاهرة "منزعجة من السلوك أحادي الجانب الذي دأبت إثيوبيا على انتهاجه في ملف سد النهضة"، موضحاً أن مطالب المفاوضين المصريين "لها سقف زمني"، خاصة بعد "التطور الأخير الذي أثر سلباً على المفاوضات الجارية".
عمليات ملء جديدة
من جانبه، يتوقع أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، ألا يكون الملء الرابع الذي أعلنته إثيوبيا الأخير، إذ أن المستهدف هو تخزين 74 مليار متر مكعب في بحيرة السد، وما تم الآن بعد عملية الملء الرابع هو ما يقارب 41 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن إثيوبيا لا يزال أمامها عمليات ملء جديدة، و"من هنا تكمن الخطورة في أن تكون هذه العمليات في فترة زمنية قصيرة كما حدث في عملية الملء الرابع"، حسب تعبيره.
وقال شراقي لـ"الشرق"، إن نجاح المفاوضات المقبلة "بات متوقفاً على وجود وسيط دولي فاعل في الملف"، مقترحاً أن يكون الاتحاد الأوروبي أحد تلك الأطراف وألا يتوقف دوره على المراقبة فحسب، "بل يمارس دوراً فاعلاً تجنباً لتأثيرات السد السلبية على أمن هذه المنطقة"، مشدداً على أن "أي مفاوضات ستجري دون وسطاء دوليين ستكون بمثابة العودة إلى الخلف".
كذلك، أكد خبير الأمن القومي والشؤون الإفريقية، اللواء محمد عبد الواحد، أنه "يجب أن تكون هناك مفاوضات جادة بمعنى أن تفضي خلال الفترة المقبلة إلى اتفاق قانوني ملزم، يجعل مصر مراقباً ومشاركاً في عملية إدارة سد النهضة، من أجل ضمان وصول حصتها المائية كاملة دون أي نقص".
ولم ينف اللواء السابق في جهاز المخابرات العامة المصرية خلال حديثه لـ"الشرق"، خطورة الوضع الراهن على أمن مصر المائي والغذائي، مضيفاً أن "فكرة بناء سد عملاق على نهر للمياه العذب سيفتح أبواباً لدول أخرى أن تتجه لتسعير المياه، وتبني سدوداً عملاقة لإخضاع دول المصب، وهو أمر يهدد مستقبل الدول دون أدنى شك، ويعصف بكافة الاتفاقيات الدولية التي تجرم هذا النهج".
واعتبر خبير الأمن القومي، أن سد النهضة أصبح "أمراً واقعاً"، مستبعداً أن يكون الحل العسكري هو الخيار المناسب رغم "التعنت الإثيوبي المستمر"، موضحاً أن "الخيار القانوني وتدويل القضية هو المسار الأمثل لمصر والسودان لمنع أي سلوك إثيوبي للإضرار بمصالح دولتي المصب".
وفي 13 يوليو الماضي، اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على البدء الشروع في "مفاوضات عاجلة" للاتفاق على ملء سد النهضة وقواعد تشغيله.
وأوضح بيان صادر عن الرئاسة المصرية، في ذلك الوقت، أن "الطرفين اتفقا على الشروع في مفاوضات عاجلة، وبذل جميع الجهود الضرورية للتوصل إلى اتفاق خلال 4 أشهر، مع التزم إثيوبيا بعدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين".
ويثير سد النهضة أزمة بين مصر وإثيوبيا منذ الإعلان عن خطة تشييده في عام 2010، إذ ترى مصر فيه تهديداً لأمنها المائي، الذي يعاني محدودية الموارد وسط اعتمادها على نهر النيل كمصدر وحيد تقريباً للمياه.